أول تجربة "ولادة بألم أقل".. ماذا تعرفين عن "نوم الشفق"؟
حتى بدايات القرن 19، كانت معظم النساء يلدن في المنزل بمساعدة نساء أخريات (القابلات)، تحملت النساء آلام المخاض ولم يكن التخدير معروفا حينها، وفي عام 1847 لجأ طبيب التوليد الأسكتلندي جيمس يونغ سيمبسون لأول مرة إلى استخدام التخدير بالإيثر والكلوروفورم في عمليات الولادة.
لكن وفقا لبحث طبي منشور على "المكتبة الوطنية للطب" (National Library of Medicine) في الولايات المتحدة الأميركية بعنوان "التطور التاريخي لتخدير الولادة ومساهمته في الفترة المحيطة بها"؛ أثار العديد من أطباء التوليد الآخرين مخاوف بشأن العقاقير التي يمكن أن تعبر المشيمة وتترك آثارا صحية ضارة على المولود.
وبعد ما يقرب من 60 عاما اخترع الأطباء نوعا آخر من التخدير، وأطلق عليه "نوم الشفق".
نوم الشفق
كانت آلام الولادة سببا كافيا لبحث النساء عن أية أدوية للتخدير، مما دفع الأطباء للبحث عن أدوية غير ضارة يمكن استخدامها أثناء الولادة. وفي عام 1902، بعد بحث طويل أوصى الطبيب النمساوي ريتشارد فون شتاينبوشل باستخدام السكوبولامين، وهو دواء يتسبب في دخول المريض في حالة بين النوم واليقظة، واصطلح على تسميتها "منطقة الشفق"، إذ تمكنه من اتباع أوامر الأطباء، لكنها تفقده القدرة على تذكر الحدث بعد انتهائه.
بعد ذلك، أجرى ريتشارد بحثا حول مزيج من المورفين (مخدر للألم) ودواء السكوبولامين لتحديد فعاليته كمخدر عام للولادة، ووجد أن جرعة صغيرة من السكوبولامين تتسبب في دخول المرأة في حالة عقلية تكون فيها واعية تماما، لكنها تكون غير قادرة على تذكر المخاض والولادة، حسب موقع "إمبروي" الطبي التابع لجامعة ولاية أريزونا الأميركية.
واصل طبيبا التوليد الألمانيان بيرنهارد كرونيغ وكارل غاوس بحث "شتاينبوشل" وفحصوا أيضا مزيج المورفين والسكوبولامين لاستخدامه مخدرا أثناء الولادة، وتوصلوا عام 1906 إلى الجرعة المناسبة لجعل المرأة تدخل في حالة تفقد فيها الذاكرة والإحساس بالألم دون فقدان الوعي.
وسجلوا ارتباط تلك التركيبة بزيادة معدلات الشفاء عن النساء في فترة ما بعد الولادة، كما سجلوا ارتباطها بعدد أقل من مضاعفات الولادة لدى الأمهات والرضع، وأطلق الأطباء على تلك الحالة "نوم الشفق".
ولادة من دون ألم
في ذلك الوقت، اعتمد أطباء التوليد في ألمانيا "نوم الشفق" ليكون أول نوع من "الولادة من دون ألم"؛ إذ تحقن المرأة بمزيج من المورفين والسكوبولامين عندما يبدأ المخاض، ولم تكن هناك جرعة محددة من التركيبة لحقن المرأة، بل كانت تعتمد نسبة المورفين إلى السكوبولامين على المرأة وبنيتها الجسمانية وصحتها العامة.
بعد الحقنة الأولى، أوصى غاوس وكروينغ بحقنات لاحقة من السكوبولامين تساعد على تأهب المرأة لاتباع أوامر الطبيب وتمنعها من تذكر تجربة الولادة وآلامها.
ورغم عدم تذكر الولادة، فإن التركيبة الدوائية لم تقض على الشعور بالألم المصاحب لعملية الولادة، ووفقا لـ"بيزنس إنسايدر" (Businessinsider) كانت الأمهات يشعرن بألم شديد حتى مع تناول الدواء، ويتعرضن للضرب، وكان الأطباء يستخدمون أحزمة جلدية لتثبيت المرأة في السرير وتغطية عينيها بشاش ووضع قطن مبلل بالزيت في أذنيها حتى لا تسمع ما يدور في غرفة العمليات.
آثار جانبية
شكك الأطباء في سلامة "نوم الشفق" لأنهم لا يستطيعون الحفاظ على مزيج دقيق من المورفين والسكوبولامين، وحسب موقع "إمبروي" الطبي التابع لجامعة ولاية أريزونا" فإنه إذا تم تحضير الأدوية بشكل غير صحيح فإن الحوامل معرضات لخطر يصل إلى الوفاة، أو تعريض حياة الرضيع وصحته لمخاطر عدة، من بينها الاختناق.
وعلى الرغم من تلك المخاطر، أصبح نوم الشفق أكثر شيوعا خلال أوائل القرن العشرين. ووفقا لمنصة "جستور" البحثية والتاريخية، كتبت الصحفية الأميركية مارغريت تريسي عام 1941 عن تجربة "نوم الشفق" كطريقة جديدة للولادة لا تشعر فيها النساء بالألم، وذلك في وقت كان فيه الأطباء الأميركيون يستخدمون المادتين الكيميائيتين الكلوروفورم والأثير لجعل النساء يفقدن الوعي أثناء الولادة، على عكس آلية "نوم الشفق" التي تكون فيها المرأة واعية تماما.
منح ذلك المرأة في ألمانيا ميزة عن مثيلتها في الولايات المتحدة، حيث كن قادرات على اتباع تعليمات الطبيب والمشاركة في عملية الولادة وهن تحت تأثير "نوم الشفق". وبدأت الحوامل السفر من الولايات المتحدة إلى ألمانيا للخضوع لتجربة الولادة بـ"نوم الشفق".
في وقت لاحق من عام 1914، تشكلت الجمعية الوطنية لنوم الشفق، وأصبح شكلا من الأشكال المتبعة في الولادة بالولايات المتحدة الأميركية. وبعد عام واحد فقط من انتشاره في أميركا، انخفض الطلب عليه بسبب عدم دقة الجرعات التي أثرت على كثير من النساء والأطفال.
وكان لحادث وفاة فرانسيس كارمودي وهي تنجب طفلها الثالث تحت تأثير "نوم الشفق" في مستشفى "لونغ آيلاند كوليدج" في مدينة بروكلين بالولايات المتحدة الأميركية؛ أكبر تأثير ضد تلك التجربة، إذ جعلت النساء تنصرف عنها، رغم عدم تسجيل "نوم الشفق" بوصفه سبب الوفاة الرسمي لها في الأوراق الطبية، وفقا لـ"نيويورك تايمز".
وبالفعل، انخفض استخدام "نوم الشفق" بعد ذلك لكن لم يتوقف استخدامه على مدار عقدين، وفي الوقت نفسه سعى الأطباء إلى البحث عن أدوية تخدير أكثر أمانا لتخفيف الألم المصاحب للولادة.
مصل الحقيقة
في عام 1921، أجرى الطبيب روبرت إرنست هاوس تجارب لاختبار تأثير المورفين والسكوبولامين على ذكريات النساء أثناء المخاض، وخلص إلى أن النساء اللائي يخضعن لـ"نوم الشفق" لا يمكنهن الكذب، ويضعهن في حالة يقدمن فيها أية معلومات بطريقة تبدو تلقائية بسبب تأثير العقار.
بعد تجربة هاوس، ووفقا لـ"ساينتيفيك أميركان"، عدت الشرطة عقار السكوبولامين مصلا للحقيقة، واستخدمته في التحقيقات طوال عشرينيات القرن الماضي، لكنها توقفت عن ذلك في الثلاثينيات من القرن الماضي بسبب الآثار الجانبية التي أظهرها مثل الهلوسة، واضطراب الإدراك، وسرعة ضربات القلب، واضطراب الرؤية.