هي وحقيبة ظهرها والطبيعة.. قصة الشابة التونسية خولة مع التخييم الانفرادي
بالنسبة لخولة، الخوف من خوض المغامرات الجديدة يمنع الإنسان من التمتع بالحياة وبلحظاتها الجميلة، وهي تدعو الجميع لكسر حاجز الخوف والتردد وممارسة ما يحبون.
تونس- الخيمة والفراش والأغطية جاهزة وعدّة القهوة جاهزة كذلك، فهي من عشاقها ولا يُعدّ صباحا إن لم تحتس فيه خولة كوب قهوة ساخنا ولذيذا، ولم يتبق لها سوى حمل حقيبة ظهرها والانطلاق في رحلة تخييمها لاكتشاف إحدى المناظر الطبيعية الخلابة في تونس والتمتع بجمالها.
قبل 8 سنوات من الآن، قبلت خولة حامد دعوة صديقتها لتشاركها إحدى مغامرات التخييم في وادي القصب بمدينة قليبية بمحافظة نابل (شمالي شرقي تونس) فكانت شرارة الحب من التجربة الأولى، وسارعت بعد عودتها إلى شراء كل مستلزمات التخييم من الألف إلى الياء.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsتخصيب النخيل بالطائرات المسيرة.. مشروع رائد لمهندسة تونسية يتحدى عادات فلاحي التمور بتونس
لمياء حكيم.. طفلة القمر التونسية التي حاربت الشمس بالفن والدكتوراه والزواج
بالفيديو سيدة مغامرة تروي تجربتها.. الورود الطازجة جديد المطبخ التونسي
View this post on Instagram
كانت في البداية ترافق بعض الأصدقاء الذين يعدون على الأصابع، وازداد تعلّقها شيئا فشيئا برياضة التخييم وراودتها منذ البداية فكرة "مجنونة" لم تتردد لحظة في تنفيذها، وقررت التخييم بمفردها.
لم ترحّب أسرتها بهذا القرار المفاجئ خوفا عليها باعتبارها "فتاة ولا يمكنها خوض هذه المغامرة وحيدة، علاوة على ردة فعل محيطها المشككة والتي تحمل في طياتها اتهامات وأحكاما مسبقة تجاهي"، تقول خولة للجزيرة نت.
المغامرة الأولى
وفي أحد الأيام ودون أن تخبر أحدا وبعد اختيارها أحد مراكز التخييم الآمنة في إحدى الغابات، حملت حقيبة ظهرها رفيقتها، وحتى تصل في النهاية إلى وجهتها كان عليها أن تستقل كل أنواع وسائل النقل العمومية، وتخوض هذه المغامرة المتعبة والممتعة في آن واحد وهي غير معتادة على ذلك.
"أردت خوض التجربة بمفردي لأعلم مدى قدرتي على الاعتماد على نفسي في أقسى الظروف، أمضيت يومين رائعين بقيا محفورين في ذاكرتي، تجولت وسبحتُ بمفردي، لم أنم خلال ليلتي الأولى وبقيت عيناي مفتوحتين حتى الصباح في الخيمة ولكنها كانت تجربة اختبار لمدى قوة شخصيتي"، توضح.
كما قادها بحثها عن الهدوء والسكينة والانفراد بسحر الطبيعة ومكوناتها وابتعادها عن الروتين اليومي إلى التخييم بمفردها، فوجدت في هذا الخيار راحتها الجسدية والنفسية، وعلمها التخييم قبول الآخر والاختلاف وهي التي جابت البلاد من شمالها إلى جنوبها.
علاج مثمر
وجدت خولة في التخييم الانفرادي نفسها، فتحولت من فتاة غير اجتماعية تهاب الناس والحديث معهم وتعاني من رهاب الظلام والحيوانات والحشرات والأماكن المغلقة، إلى شابة قوية تثق في نفسها، وكان التخييم "علاجا لي فأخرجني من قوقعتي وعزلتي وساعدني على تكوين صداقات جديدة".
وأصبحت خولة (32 سنة) صديقة الطبيعة لا تهلع وتهرب عند مشاهدتها خنفساء أو عند استيقاظها صباحا على عواء الذئاب البرية، "لقد جعلني التخييم بمفردي أكتشف جانبا آخر مني لم أكن أعلم بوجوده"، كما تؤكد.
لم يكن من السهل على أسرة خولة تقبّل نمط حياة ابنتهم وطريقة عيشها وخاصة تقبل مسألة "تنقل ونوم فتاة لوحدها في الخلاء"، فاستعانت الفتاة بشقيقها الأصغر الذي رافقها في بداياتها حتى تقبّلت أسرتها الفكرة وارتاحت بعد تعرفها على أصدقاء خولة الجدد.
تستحضر الفتاة إحدى الطرائف التي حدثت لها ضاحكة "أخبر جيراننا والدتي أني أبيع الملابس المستعملة في أحد الأسواق الشعبية فقط لأنهم يشاهدونني أحمل حقيبة ظهري كبيرة الحجم وأغادر بمفردي، وكان الجميع يتبعني بنظراته ما إن أغادر باب منزلنا".
العقبة الوحيدة
لم تواجه خولة صعوبات، بل ترى أن حلاوة التخييم تكمن في مصاعب التنقل والنوم في البرد وتحت الأمطار وفي لقاء مواطنين عابرين يقدمون لها يد العون في الطرقات "فهي أجواء التخييم الطبيعية".
ولكن العقبة الوحيدة أمامها هي "نظرة المجتمع المشككة في المرأة والتي تتهمها وتصدر أحكامها المسبقة تجاهها وتضعها في قالب وحيد لمجرد أنها اتبعت أحلامها"، تؤكد.
رسائل إيجابية
تعمل خولة من خلال صفحتها الرسمية على "إنستغرام" (Instagram) على نشر صورها المليئة بالحياة والروح الإيجابية، وتقول إنها تسعى إلى مزيد التعريف بثقافة التخييم والمساهمة في نشرها في نمط حياة الأسر التونسية لأنها غير مكلفة وعلاج فعال من الضغوط والاكتئاب، "فكلما أشعر بالاختناق أحمل حقيبة ظهري وأنطلق إلى أحضان الطبيعة".
View this post on Instagram
تتلقى الفتاة الشابة بسعادة غامرة رسائل إيجابية من فتيات مررن بمآس كإصابتهن بأمراض مزمنة يخبرنها بمدى التأثير والتغيير الإيجابيين اللذين أحدثتهما في نفوسهن، وأنها علمتهن حب الحياة، مما يزيد من عزمها على مواصلة تحقيق أهدافها التي رسمتها بثبات.
وتقول "لا يوجد أجمل من أن ترتشف كوب قهوتك على أصوات زقزقة العصافير وأن تفتح عينيك على إشراقة شمس الصباح وأشعتها الذهبية التي تخترق صفوف الأشجار بعيدا عن الجميع".
بالنسبة لخولة، فإن الخوف من خوض المغامرات الجديدة يمنع الإنسان من التمتع بالحياة وبلحظاتها الجميلة، وهي تدعو الجميع إلى كسر حاجز الخوف والتردد وممارسة ما يحبون، وعدم الاهتمام بأحكام المجتمع المسبقة.