تربطها ألفة نادرة بالنحل.. عراقية تنشئ محمية طبيعية لتربية الحيوانات والنباتات النادرة
من خلال عملها في مكتبها الزراعي وعملها الميداني ارتبطت الكمولي بشكل عاطفي وخاص بالنحل وأصبحت ترتبط به وجدانيا.
الديوانية- منذ طفولتها عشقت المهندسة الزراعية العراقية نازك إبراهيم الكمولي الأرض والنبات والحيوان حتى إنها كانت تشارك الفلاح في أعماله عندما كان يعتني بحديقة منزل أسرتها.
كانت تتسلق أشجار النخيل لتقطف ثمار التمر مع والدها، ورغم تفوقها الدراسي وحصولها على معدل عال يؤهلها إلى دخول كلية طب الأسنان في ذلك الوقت، فإنها لم تحصل على مرادها وقادها النصيب إلى الدراسة في كلية الزراعة بسبب خطأ غير مقصود في قائمة التقديم المركزي على الكليات وتعقيدات إعادة التقديم، فكان ذلك الخطأ نقطة التحول في حياتها من الطب إلى الزراعة وتربية الحيوانات.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsأم لـ3 أبناء.. شاهد- أول عراقية تمتلك مكتبا مجازا لتعليم الرجال قيادة السيارات الكبيرة
شاهد.. عراقيات يعملن في مهنة رجالية شاقة رغم تجاوزهن العقد الخامس من العمر
تحديات جمة وخطاب كراهية.. هكذا انتصرت العراقية انتظار حسن على تنمر مجتمعها
والكمولي (64 عاما) أول نحالة، وأول امرأة تنشئ محمية زراعية لتربية الحيوانات وزراعة النباتات النادرة جنوب بلاد الرافدين.
وبعد دخولها كلية الزراعة تخصصت في مجال الدراسات التطبيقية تحديداً "قسم الإنتاج الحيواني" الذي يدرس فيه 150 طالبا و6 طالبات فقط، وبعد أن تخرجت، تزوجت من طبيب بيطري دعمها وساندها في كل شيء.
المخلوقات الجميلة
بدأت مشوارها في عالم النبات والحيوان بإنشاء "مشتل" بحديقة منزلها جمعت فيه مختلف أنواع النباتات، وبدأت بتكثيرها وبيعها. ثم افتتحت مكتبا زراعيا مارست فيه العمل ميدانياً وتعمقت في هذا المجال الذي تعرفت من خلاله على النحل "المخلوقات الجميلة" كما تصفها وتدربت جيداً على تربيتها ثم قررت إنشاء منحل على سطح منزلها فجمعت خلية نحل وبدأت بإنتاج العسل الطبيعي وبيعه، وبذلك أصبحت أول نحالة تقتحم هذا المجال الذي كان شائعا بين الرجال فقط، حتى أنهم لقبوها بـ "المتطفلة" بعد أن دخلت مجالهم.
ومن خلال عملها في مكتبها الزراعي وعملها الميداني، ارتبطت المهندسة الكمولي بشكل عاطفي وخاص بالنحل وأصبحت ترتبط به وجدانياً.
"نحلاتي صديقاتي" هكذا تقول، وتضيف "حتى لسعات النحلة لا تؤلمني وعندما أصيب بوعكة صحية ألجأ لها لتعالجني بقرصتها، قصص كثيرة تربطني بنباتاتي وحيواناتي أفضض عندهن وأشكي همومي فتزول كلها ثم تبعث في داخلي مشاعر مليئة بالطمأنينة والرضا".
إنها مشاعر جميلة وغريبة، لم تتوقف عن التعلم يوماً فقد كانت تسعى باستمرار لتطوير نفسها وعملها إلى أن حققت نجاحاً باهراً في تربية النحل وإنتاج العسل، وأصبحت مدربة متخصصة في هذا المجال فدربت العديد من الشباب والشابات وأصبحوا في ما بعد نحالين ونحالات ناجحين.
النحل والعسل
وبسبب خبرتها في تربية النحل، أنتجت العسل بكميات وفيرة إضافة إلى حبوب اللقاح ومادة العكبر وشمع النحل، فأصبحت مزرعتها موردا اقتصاديا كبيرا تسوق من خلاله مختلف المنتجات النباتية والحيوانية بما فيها التمور والفسائل والفواكه والعسل والشتلات والدجاج وطيور الزينة والخراف وغيرها.
الكمولي تدربت وتعلمت مهارات العلاج بـ "لسعة النحل" لمعالجة بعض الأمراض مثل الروماتيزم، وهي ترى أن "العلاج بلسعة النحل يسهم في تغيير الوضع النفسي للإنسان إيجابا فهو يحفز فرز هرمون السعادة وكذلك يساعد في تخفيف الوزن في مناطق محددة".
وتقول "كنت أزرع كل شيء بيدي يدعمني زوجي، ورغم التعب لكن متعة العمل سعادة فمع كل شجرة لي قصة، حتى إني وضعت هوية تعريفية لكل شجرة خاصةَ من النخيل حتى أحافظ على اسمها ونوعها للأجيال من بعدي".
حلم تحقق
حلمها بإنشاء محمية طبيعية للنباتات والحيوانات لم يتوقف يوماً، فقد كانت طيلة مسيرتها العملية تدخر النقود لشراء الأرض التي يمكن أن تحقق فيها أحلامها دون المضايقات التي كانت تتعرض لها من بعض الجيران بسبب نحلها، فصبرت حتى جاء ذلك اليوم الذي اشترت فيه قطعة أرض، وحولتها من أرض جرداء مليئة بالعقارب والأفاعي إلى محمية خضراء مليئة بالحياة تغطيها الأشجار النادرة والمثمرة من بينها النخيل بأنواعه والسدر المطعم والزهور الغريبة.
كما يوجد في المحمية طيور من مختلف الألوان والأشكال والأنواع إضافة إلى أنواع متعددة من الدجاج النادر كالأميركي والإسباني والعربي، والإوز النادر "مورتن". كما يوجد في المحمية الماعز النادر والحملان والقبج والقطط وغيرها.
اكتسبت الكمولي العديد من الخبرات والتجارب، وحصلت على مختلف أصناف الحيوانات والنباتات من خلال مجموعات إلكترونية عبر فيسبوك كانت تتابعها وتشتري ما يعجبها من أصناف الحيوانات والنباتات "أي شيء يعجبني في أي مكان أقود سيارتي وأذهب لشرائه مهما كانت قيمته المالية وبعد المكان، لا شيء يمنعني من اقتناء النوادر".
واستطاعت أن تنتج أصنافا وأنواعا نادرة ومختلفة من الحيوانات والنباتات بسبب اتباعها طرق تكاثر علمية وعملية نجحت بتكثيرها وتربيتها وبيع ما تنتجه منها.
وبسبب ما تحتويه المزرعة من نباتات كثيفة وحيوانات أصبحت محطة للطيور المهاجرة، فهناك الكثير من الطيور المتنوعة التي وضعت أعشاشها بين أشجار مزرعتها وما تزال موجودة حتى الآن، فـ "أعشاشها غريبة مقسمة على هيئة غرف طينية تشبه بيت الإنسان".
وتغلبت الكمولي على كل التحديات والصعوبات بمساندة والدها وزوجها قبل وفاته. ومكنتها ثقتها بنفسها وإيمانها بقدراتها أن تصبح أقوى وأكثر قدرة على إدارة عملها بنفسها، حتى أنها مثلت العراق في محافل دولية وشاركت في عدة مؤتمرات عربية بالقاهرة والأردن، وحصلت على شهادات في تربية النحل وشهادة أفضل مدرب من منظمة يونيدو الدولية وشهادات أخرى من دول عربية، ولقبت بـ "المرأة الحديدية" لصبرها وقوة شخصيتها وقيادتها السيارات الكبيرة.