أحلام الوحش.. صوت فلسطيني مؤثر يقاوم جبروت الاحتلال الإسرائيلي
لم يمضِ على خروج "أحلام سمحان" من سجون الاحتلال الإسرائيلي سوى 14 يوما، حينما مرت بجانب حافلة في مدينة نابلس شمال الضفة الغربية المحتلة، في اللحظة التي تعرضت الحافلة لقنبلة محلية الصنع، فاعتُقلت مرة أخرى وبدأ التحقيق معها على أنها من نفذت الهجوم.
بدأ المحقق بشتم أحلام. فلم تتحمل الإهانة، فأمسكت الكرسي وضربته به، فرد عليها ضربا مبرحا، كسّر أنفها وأحدث أوراما في وجهها، حتى أنها عندما نُقلت إلى المستشفى مكث الطبيب المعالج 6 ساعات وهو يحاول إزالة فتات العظام من محيط أنفها الذي انغرس بلحمها لشدة الضرب.
من هي أحلام؟
كان هذا الحادث الثاني الذي تتعرض له أحلام المولودة عام 1963 في مدينة نابلس، والتي تزوجت في بيت لحم جنوب الضفة، وبدأت تعرف بأحلام الوحش على اسم عائلة زوجها، بعد عام 1987.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsحققت أكثر من 10 ملايين مشاهدة.. ناشطة مصرية تروي قصة فلسطين في أغنية بدقيقة ونصف
ليلى العريان تروي حكاية الأجداد من مسيرة الموت في اللد إلى هدم الاحتلال برج الجلاء بغزة
يوميات فتاة مقدسية بحي الشيخ جراح.. جنى الكسواني تصاب برصاصة غادرة من الاحتلال وهي تعد القهوة لوالدها
تُعرف أحلام، المولودة عام 1963، بأنها قائدة المسيرات، وصاحبة الصوت القوي والهتاف المعبر، كصوت فلسطيني ضد الاحتلال، وهي من النشطاء المؤثرين في الشارع الفلسطيني، سواء في بيت لحم أو في نابلس.
"فداك يا فلسـطين"
كانت في 13 من عمرها عندما استشهد ابن عمها برصاص جنود الاحتلال، أثناء محاولته إزالة بوابة حديدية من مجموع بوابات كان يضعها الجنود في محيط البلدة القديمة من نابلس، تقول للجزيرة نت: إنه تعرض لـ21 رصاصة، ووضع أصبعه على دمه، وكتب" فداك يا فلسـ.." ولم يكمل كلمة "فلسطين".
خرجت أحلام مباشرة بعد هذا الحادث، وشعرت لأول مرة أن لديها قدرة على الهتاف المعبر والارتجالي، رغم صغر سنها، وأرادت أن تكمل مسيرة ابن عمها لفلسطين، ليس بالكلام فقط وإنما بالفعل.
عندما نسيتني أمي
تقول أحلام للجزيرة نت مبتسمة إن والدتها نسيتها عندما احتلت إسرائيل الضفة عام 1967، وهي لم تتجاوز 4 سنوات، تلهو في فراش المنزل عندما سمعت العائلة صوت الطائرات، وهرعت الأمُ هاربة إلى الملجأ، قبل أن يصل أحد الجنود الفلسطينيين التابعين للجيش الأردني، وهو ابن عم والدتها للمنزل حتى يجلب بعض الطعام فوجد الطفلة أحلام، حمل البندقية والطعام في يد، وحملها في يده الأخرى وسلّمها إلى والدتها.
هجومٌ بقنبلة
كانت هذه محاور مهمة في حياة أحلام، قبل اعتقالها صغيرة لدى الاحتلال الإسرائيلي، فهي من عائلة يافاوية، سافر والدها من مدينة يافا عام 1946 قبل النكبة إلى نابلس للعمل هناك، وبعد تهجير الفلسطينيين بقيت في نابلس هي وعائلتها.
أحلام الوحش الخمسينية الآن أمٌّ لشابين وفتاتين، فلم يكن الاعتداء الأول للمحقق الإسرائيلي على أنفها وكسره، والذي بات ظاهرا في وجهها بعد هذه السنوات، لأنها اعتقلت وهي في سن 15 من عمرها، بعد تجهيزها عبوة "مولوتوف" محلية الصنع، لإلقائها على جنود الاحتلال في قلب نابلس عام 1979.
اعتقلت مع فتاة أخرى على خلفية هذه العملية، فنصحها محاميها أن تطلب الرحمة من قاضي المحكمة الاحتلالية لصغر سنّها، لكنها وقفت أمام القاضي وقالت له "أنا ندمانة.. ولكن ليس على العملية، وإنما على عدم قتلي للجنود" رد القاضي مباشرة، وقال لها "محكومة بالسجن 5 سنوات".
تكبيل كالكلاب
دخلت السجن مع فتيات أخريات كن محكومات بالسجن الجنائي، وبعد أشهر في المعتقل قام مقاومون فلسطينيون بتنفيذ عملية ضد المستوطنين، فهاجت الفتيات الإسرائيليات المسجونات في نفس السجن، وضربنها لأنها فلسطينية وكسّرن أنفها للمرة الأولى.
تدخل محام آخر علم بقضيتها، فقام برفع استئناف للمحكمة الاحتلالية العليا لصغر سنها، وتم تثبيت اعتقالها لعامين و3 سنوات وقف تنفيذ.
رفضت أحلام وشقيقها حسين المعتقل هو الآخر، في ذات الفترة، أن يتم إخراجهما مُكبَلين من السجن للمشاركة في جنازة والدهما الذي توفي وهو في سن 51 من عمره متأثرا باعتقال ابنته وابنه، فكان شرط الاحتلال إخراجهما مكبلين، وهما لم يريدا أن يخرجا كما قالت "مربوطين مثل الكلاب".
تزوجت قبل الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987 بأيام، وطاردها الاحتلال لأكثر من 4 سنوات. تقول إنها بإحدى الليالي نامت في قبر كان جهزه أصحابه لدفن ميت لهم اليوم التالي بأحد مقابر بيت لحم، لكنها لم تكلّ ولم تملّ.
ونجم عن ذلك كله إصابة أحلام بمرض مؤلم ونادر ما زالت متأثرة بتبعاته الصحية حتى اليوم.
لسنا مارقين
تقول أحلام للجزيرة نت إنها منذ صغرها وهي متعلقة بفلسطين، وليست نادمة على ما قدمته، واعتبرت أن كل ذلك لا يساوي شيئا مقارنة مع من ضحى بدمه شهيدا، أو بعمره أسيرا، أو مطاردا للاحتلال أو من رحل من أرضه ولم يستطع العودة إليها.
ما زالت أحلام، رغم أنها أواخر العقد السادس من عمرها ومعاناتها مع مرض نادر، تسير في مقدمة المسيرات، وتهتف بأعلى صوتها، تقول للجزيرة نت "إن هذا الهتاف لفلسطين من قلبي، وليس للمسيرة أو المشاركين فيها، هو للعالم أجمع أن هذا شعب له الحق في الحرية والاستقلال، وهو على استعداد أن يقدم المزيد لأنه صاحب أرض وقضية، وليس مارقا عليها".