المعلمة نانا أسماء.. ما لا يعرفه العالم عن تاريخ مسلمات أفريقيا
تحتل العظيمة أسماء مكانة لا تنافسها فيها سيدة أفريقية أخرى، فقد حملت لواء تعليم المرأة والجهاد في سبيل الله، لتصبح ملهمة للنساء عبر التاريخ

أن تكون أفريقيًّا فهذا يعني أن الملايين حول العالم لا يعرفون عن حاضرك سوى المجاعات والحروب، أما تاريخك فهو لا يخرج عن حروب الاستعمار ومكافحة العنصرية.
قلة من يعرفون أن لأفريقيا وجها مشرقا، تمثل في نساء حملن راية الدين والعلم، كانت في مقدمتهن النيجيرية أسماء بنت عثمان فودي، أو التي عرفها العالم باسم نانا أسماء خنساء أفريقيا.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsأصولها مصرية وتقدم برنامجا دينيا.. الجزيرة مباشر تحاور أول مذيعة محجبة في إيطالياسيتم فتح هذه المقالة في علامة تبويب جديدة
المحجبة.. هل تواجه التمييز في الغرب فقط؟
سميرة فاضلي.. قصة محجبة البيت الأبيض من اللجوء إلى إدارة بايدن
الأب هو أبو محمد عثمان بن محمد الملقب بفودي، مؤسس خلافة صُكتو في شمال نيجيريا، أسس عثمان ولايته على أساس المذهب المالكي الذي عرفته شمال أفريقيا عبر الفتوحات الإسلامية.
عثمان فودي كان أحد علماء أفريقيا ورجالها من المتصوفة المسلمين، وقد أنجب فودي من الأبناء 10 من الذكور، وبنتين، ولدت نانا أسماء في عام 1793، وهي الابنة قبل الأخيرة له.
كان عمر أسماء عامين حين توفيت أمها، فعهد بها إلى حواء زوجة أبيها. أصبحت يتيمة ومجاهدة، في عمر الحادية عشرة، أُخرجت مع أبيها وأهلها من ديارهم، بسبب دعوات فودي للعودة للإسلام الصحيح، والدعوة لتعليم الفتيات والنهوض بالمرأة.

كانت أسماء هي أول من استفاد بدعوات أبيها، فعلمها القراءة والكتابة، وحفظت القرآن الكريم، ودرست الفقه وقرأت مئات الكتب في المكتبة الضخمة التي كان يملكها والدها، وحين خرج أبيها على الحاكم، وأسس خلافة صكتو، لم يكن الأمر سهلا في بلد مثل نيجيريا، يعاني الفقر والجهل واختلاف الديانات والمذاهب، فبدأ نذير الحرب الأهلية التي خلفت وراءها مئات الأرامل ومعيلات الأسر، جهل وفقر وموت حيث لا أمل ولا عمل، هنا ظهر دور نانا أسماء الذي خلدها بين نساء أفريقيا المسلمات.
في كتابها "نساء عظيمات من العالم الإسلامي"، تقول ناتالي مايدل، إن أسماء سارت على نهج أبيها، وحين هالها ما تتعرض له النساء من قهر وقمع في بلادها، اتجهت إلى تعليمهن.
بدأت في تعليم النساء القراءة والكتابة، وأعمالا متفرقة لكي يستطعن إعالة أنفسهن وأبنائهن، إذ كان طحن الحبوب من أبرز تلك الأعمال البسيطة.
تروي ناتالي عن نانا فتقول "حين أطلق والدها اسم أسماء على ابنته الصغرى، كان تيمنا بالصحابية أسماء بنت أبي بكر، وكان يتمنى أن يكون لها دور بارز في الأمة مثلما كان دور الصحابية الجليلة ذات النطاقين، إذ لبنت أبي بكر -رضي الله عنه- أثر بارز في قصة هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبيها، وبعد قرون عدة من هجرة النبي، كانت هجرة عثمان فودي لخلافة صكتو، علامة للابنة التي حملت من اسمها نصيبا، فقادت أسماء النساء ونظمت صفوفهن أسوة بالصحابيات الجليلات في عهد غزوات الرسول، وتولين تطبيب الجرحى وإنقاذ الجنود في قلب المعركة".

في العشرين من عمرها كتبت أسماء أول مؤلفاتها وهو كتاب"تنبيه الغافلين"، ووصلت مؤلفاتها إلى نحو 73 كتابا في علوم الشريعة والحياة، فكتبت أسماء في الفقه والتصوف والتوحيد والعقائد وعلم العروض، وكذلك في الطب وفي أغلب العلوم.
كانت أسماء من أكثر من ظهرت فيهم الولاية الظاهرة من أبناء عثمان فودي، واشتهرت بالعديد من كرامات الصالحين والدعاء المستجاب، وكان كثيرون من علماء عصرها يستفتونها في شؤون الدين والدنيا، وهي المرأة الوحيدة التي تمت دعوتها في مجلس الحل والعقد لمبايعة محمد بلو الخليفة الجديد.
تزوجت أسماء في عام 1807، من الوزير الأعظم لخلافة صكتو، العلامة عثمان قطاطو بن ليم، وهو من أكبر علماء عصره، وأنجبت 5 أبناء، عُنيت بتربيتهم على نهج والدها، فكانوا من العلماء المذكورين، وتولى نجلها عبدالقادر الوزارة خلفا لأبيه، وبرع الآخرون في الفقه وعلوم الشريعة ولهم العديد من المؤلفات.
في عام 1832، وحين بلغت أسماء العقد الرابع من عمرها، شغلت منصب "عور غري"، وهو المنصب الذي تقول عنه ناتالي مايدل، إنه كان بمثابة رئيس اتحاد النساء، بلغة ذلك العصر، وكان بلوغها الأربعين شرطا لتولي ذلك المنصب، وحينها أسست نانا أسماء أكبر مؤسسة نسوية إسلامية أطلقت عليا "يان تارو" تجمع معظم القيادات النسائية لخلافة صكتو، من ولاياتها الثلاث عشرة، وأسست تجمعا سنويا لهذه المؤسسة لخدمة النساء والدين في ولايات الخلافة الإسلامية، وما تزال تلك المؤسسة تعمل حتى الآن وتجمع قياداتها من جميع أنحاء نيجيريا حتى الآن.
في عام 1864، توفيت نانا أسماء وسار في جنازتها آلاف الرجال والنساء، جاؤوا من جميع أنحاء نيجيريا وما جاورها من دول، أثرت فيها أسماء بعلمها وتراثها، الذي تتوارثه نساء أفريقيا حتى اليوم، وتحتل العظيمة أسماء مكانة لا تنافسها فيها سيدة أفريقية أخرى، فقد حملت لواء تعليم المرأة والجهاد في سبيل الله، وعرّفت العالم أن امرأة أفريقية مسلمة استطاعت ذات يوم أن تكون ملهمة لأمة.