نصائح للأمهات.. الرضاعة الطبيعية بين الحقيقة والشائعات
تقول اختصاصية الرضاعة فاطمة سلمان إن الرضاعة الطبيعية مستدامة وتمنح المناعة، فهي دواء.
بيروت- "كنت أبكي وأنا أحاول إرضاع ابني البكر، وكان الدم الذي يسيل من الحلمتين بسبب التشققات يملأ وجهه، وكذلك دموعي. عجزت عن إرضاع أولادي الثلاثة، ولم أجد حلا"، تروي رنا جرادي للجزيرة نت معاناتها في إرضاع أطفالها، إذ كان الدواء المسيل للدم الذي تحتاجه دائما يحول دون تحقيق حلمها.
بعض الأمهات يحلمن بلحظة كهذه، وأخريات يجدن أنه لا داع لتعريض أثدائهن لهذا الألم. فمع وجود حليب الأطفال من علامات تجارية متنوعة، والذي يحتوي على كافة الفيتامينات التي يحتاجها الطفل، باتت بعض الأمهات مطمئنات لصحة أطفالهن من ناحية، وبعضهن لا يجتهدن كثيرا في محاولة الإرضاع الطبيعي.
ليتني تركت العمل وأرضعتها
مايا عودة اضطرت بعد إنجابها طفلتها الأولى للعودة إلى العمل في غضون 20 يوما، مما جعلها تفطمها باكرا في عمر 3 أشهر. تقول إنها نادمة لأنها لم تترك العمل حينها، وإنها عانت الأمرين لسحب الحليب، وكان كل من حولها يقول لها إن حليبها لا يشبع الطفلة.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsلماذا يبكي الرضيع؟ 7 رسائل يريد توصيلها لأمه
تجنبي هذه الأطعمة للأطفال الأقل من عمر عام
تؤثر على النمو العقلي لطفلك.. أطعمة صحية لا يجب أن تتناولها الأمهات أثناء فترة الرضاعة
ندى من جهتها تخبر أنها كانت صغيرة (تحت سن العشرين) عندما أنجبت طفليها منذ 22 عاما، وأن جارتها أقنعتها ألا ترضعهما حتى لا يترهل صدرها ويطلقها زوجها! وتقول إنها فقدت إحساسا جميلا بسبب خوفها من الطلاق الذي حصل عندما أصبح الطفلان بعمر 5 و7 سنوات.
تزوجت ندى مرة أخرى وكانت مصرّة على إرضاع ابنتها حتى بلغت السنتين ونصفا. تقول للجزيرة نت "لا يوجد شعور في الدنيا يضاهي نظرتها إليّ أثناء الرضاعة، ولا شيء يضاهي هذا التواصل بين الأم والطفل في هذه اللحظات، وأنا أخجل أن أخبر ولدي أنني لم أرضعهما".
شغف الرضاعة
فاطمة سلمان ممرضة مجازة في العناية الفائقة بالأطفال واختصاصية رضاعة، تخبر الجزيرة نت أن مشوارها في اكتشاف الرضاعة الطبيعية بدأ عندما أنجبت طفلها منذ 3 سنوات، وتعرض لعارض صحي، فبدأ مشوار اللوم: "لماذا أرضعته؟"، "حليبك لا يُشبع"، "جوعته"، تقول: "حتى شككت بنفسي، وجسدي وقدرتي أن أكون أما!".
هذا ما جعلها لاحقا تتخصص في موضوع الرضاعة الذي أصبح شغفا لها، وتقول إنها وجدت أن الفريق الطبي يفتقر للمعلومات عن الرضاعة الطبيعية، و"نفتقر لوجود اختصاصية رضاعة أو مستشارة دولية في المستشفيات 24/24 ساعة لتتابع الأمهات. كما يفتقر المجتمع للتوعية بهذا الموضوع".
أنشأت فاطمة وصديقتها أماني هاشم صفحة على الفيسبوك، هي "برو لاكت" باللغة العربية، تقدم مواد تعليمية من فيديوهات ورسوم، لتصل إلى المجتمع "الذي لم يتقبلنا في البدء على اعتبار ثدي الأم أداة جنسية وعيبا، وأن اختصاصنا لا معنى له".
لكل أم خطة
تشجع فاطمة الأمهات على الرضاعة الطبيعية من دون أحكام ولوم، وتشير إلى أن بعض الأمهات يعدن إلى العمل بعد مضي 30 أو 40 أو 70 يوما من الولادة، بسبب القانون المجحف بحق الأمهات، وتعتبر أن المدة غير كافية أبدا من الناحية التربوية والصحية، ومن ناحية الرضاعة الطبيعية.
لذا تقوم بتعليم الأم بما يتناسب وأسلوب حياتها وعملها: كيف تحافظ على إنتاجها للحليب، وكيف يجب أن تسحب الحليب ومتى، وكيف تحتفظ به خاصة في ظل عدم توفر الكهرباء الدائم.
وتنبه إلى أن "لكل أم خطة أعتمدها، وأعطيها حلولا بحال وجدت العقبات مثل عدم توفر مكان لسحب الحليب في العمل، من دون أن تتعرض للإساءة من مديرها أو زملائها"، مؤكدة أنه لا بد من سحب الحليب كل 3 أو 4 ساعات، وإبقائه في حقيبة مبردة طوال الوقت.
وتعتبر أن أي عامل خارجي يشتت الرضاعة الطبيعية ويبعد الطفل عن ثدي أمه مثل إدخال الحليب الصناعي، وقد يحدث سلسلة من المشاكل أهمها التهاب الثدي، ورفض الطفل للثدي، و"التباس الحلمة"، وانخفاض إنتاج الأم، والفطام المبكر.
أخطاء شائعة
تقول فاطمة إن الأم عند الولادة قد يتم فصلها لمدة 4 ساعات عن الطفل ويقدمون له الحليب الصناعي، وهذا أول خيط من المشاكل في عملية الرضاعة الطبيعية، فمن قنينة واحدة ينتهي مشوار الأم بمشاكل كثيرة نضطر أن نتعامل معها وتكون الأم هي الضحية، بحسب فاطمة.
ومن الأخطاء الشائعة -كما تذكر فاطمة- أنه يطلب من الأم ألا تشرب لأن حليبها يمصل، أو ألا تأكل بعض الأطعمة لأن حليبها يسبب المغص للطفل، أو العيب في إرضاعه أمام الناس، أو أن "الإصابة بالعين" تتسبب باختفاء الحليب، أو ضرورة عدم إرضاعه إذا كانت حزينة، أو أن حليبها لا يكفي… وتقول إنها عقبات في مشوار الرضاعة وإثقال لكاهل الأم، ويجرها نحو الحليب الصناعي، وأحيانا بطلب من الطبيب.
وتضيف فاطمة "مجتمعنا يعتبر الحليب الصناعي منوم للطفل وهكذا تحصل الأم على حريتها، ومشبع له، مع العلم أن هذا مفهوم غير علمي وخاطئ، ولكنه مترسخ في عقولنا".
وتعتبر أن الرضاعة ليست قصاصا، رغم أنها مرهقة في الأشهر الأولى، "فهي الفصل الرابع من الحمل، والرضاعة تكفي وحدها، ولا نحتاج لإدخال أي حليب صناعي، وفي حالات نادرة نجد سببا علميا لنعطي حليبا إضافيا للطفل، وهنا، يجب أن يكون هذا الحليب من أم ثانية، وإن لم يتوفر فيمكن أن يكون آخر خيار لنا الحليب الصناعي".
دور الأب
وتعتبر فاطمة أن الأمهات والآباء على عاتقهم مسؤولية إطعام الطفل، وأفضل غذاء هو حليب الأم. "أنا أعلّم الأب كما أعلّم الأم، لأن دوره مهم جدا، مثلا دوره في ملامسة جلده مع جلد طفله ودعم شريكته ومراقبة علامات الشبع عند الطفل وغيرها".
وتقول إن بعض الآباء كانوا السبب في نجاح عملية الرضاعة، فالأب أول داعم للأم في محيطها. وقد لمست أيضا أن بعض الأزواج لم يكونوا داعمين، وقد أحبطوا زوجاتهم مما سبب تدهور حالاتهن النفسية، ومع هذا هناك من كانت قوية وأكملت مشوارها بالرضاعة.
وتختم أنه في الوقت الحالي يقرر البعض الاعتماد على الرضاعة الطبيعية لأسباب مادية أو لعدم توفر الحليب، ولكنهم ينبهرون بأن قرارهم هذا يأتي لصالح طفلهم ويفرحون، "فالرضاعة الطبيعية مستدامة، وتمنح المناعة، فهي دواء. تمنح غذاء لن نجده سوى في أثداء الأمهات مهما حاولت شركات الحليب الصناعي تعزيز دعايتها".