رغم التهديدات وتفشي كورونا.. ملهمات عراقيات يحصدن جوائز دولية
رغم الظروف العصيبة في العراق بسبب تفشي جائحة كورونا والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، لم تتوقف النساء العراقيات عن العطاء والنجاح وفي مختلف مجالات الحياة، وحصدت بعضهن جوائز دولية مهمة على مستوى العالم عام 2020.
الناشطة المدافعة عن حقوق الإنسان انتصار الميالي (49 عاما) كانت من أبرز الفائزات، وذلك بعد منح الحكومة السويدية جائزة بير أنغير (The Per Anger Prize) لحقوق الإنسان والديمقراطية لها بعد اختيارها من لجنة تحكيم تضم 10 منظمات دولية.
وجاء في البيان الوصفي للجنة التحكيم أن منح الميالي الجائزة تتويج لدورها القيادي في بيئة "شديدة الخطورة"، بعد أن نجحت في حشد مجموعات كبيرة للعمل من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في العراق، وساعدت في رصد الانتهاكات وإظهار عنف الرجل ضد المرأة، وزواج الأطفال، وجرائم القتل باسم الشرف.
ويضيف البيان أنها لفتت الأنظار إلى الحاجات الملحة للنساء والفتيات ممن وقعن ضحايا لجرائم وتعذيب تنظيم الدولة الإسلامية. ورغم التطرف والتهديدات الخطيرة، فإنها تناضل من أجل التغيير، وهي تعمل متطوعة منذ 2003 من أجل أن يحصل الأطفال والشباب على التعليم، وأن تحصل المرأة على مكان في الحياة السياسية.
ولدت الميالي في قضاء الحمزة الشرقي التابع لمحافظة القادسية، ونشأت في محافظة النجف، وأكملت فيها دراستها الابتدائية والمتوسطة، ولم تكمل دراستها بسبب حرب الخليج الثانية عام 1991، وبدأت نشاطها المدني والإنساني التطوعي في النجف بعد عام 2003، وانخرطت للعمل في مجالات كثيرة، وقررت عام 2012 إكمال دراستها في بغداد، واختارت المجال العلمي الذي تحبه وهو "الفن التشكيلي"، وهي الآن حاصلة على الدبلوم من معهد الفنون الجميلة وبتفوق.
والجائزة عبارة عن درع وشهادة دبلوم مقدمة من حكومة السويد في مجال حقوق الإنسان والديمقراطية، وتشمل الجائزة كذلك مقابلات رسمية مع وزيرات ومنظمات وصحافة سويدية، وأقيم حفل التكريم عبر الإنترنت بسبب جائحة كورونا.
وترى الميالي أن المستقبل يحمل لها الكثير إذا توفرت الإرادة والأمل والسلام الذي يجعل النساء والرجال يعملون من أجل بناء دولة ديمقراطية قائمة على أساس احترام حقوق الإنسان والعدالة لكافة المواطنين من دون تمييز.
جائزة التوليب
كما فازت الناشطة الحقوقية ومراسلة الجزيرة نت منار عبد الأمير الزبيدي (40 عاما) بجائزة التوليب لحقوق الإنسان (HUMAN RIGHTS TULIP AWARD) من المملكة الهولندية، وذلك عن جهودها في مجال حقوق المرأة والأقليات.
وقدمت الزبيدي -وهي الآن طالبة دراسات عليا في مجال القانون- الكثير من الأنشطة والفعاليات التي أسهمت من خلالها في دعم قضايا المرأة وفي مختلف المجالات، كما أنها أول من أطلق حملة لدعم أقلية الغجر في العراق بعنوان "الغجر بشر"، وحققت مع جهود فريقها والمتطوعين الكثير من المكاسب لهذه الفئة، مثل فتح مدرسة ابتدائية للأطفال بعد حرمان من التعليم لأكثر من 15 سنة، بالإضافة إلى الحصول على قرار من وزارة الداخلية العراقية بمنح الغجر البطاقة الوطنية، كما قدمت الكثير من الخدمات الإنسانية والطبية والمعونات الغذائية وبرامج التمكين الاقتصادي، ونفذت برامج الاندماج المجتمعي عبر العديد من الفعاليات الفنية والرياضية والاقتصادية.
وتترأس الزبيدي حاليا مركز المرأة لتقديم الخدمات القانونية والاجتماعية والصحية في منظمة "أوان" للتوعية وتنمية القدرات لمساعدة النساء ضحايا العنف الأسري والابتزاز الإلكتروني، كما قدمت خدمات أخرى في مجالات التوعية المتنوعة للفتيات والنساء في مناطق القرى والأرياف والأحياء الشعبية.
وتمنح الحكومة الهولندية جائزة التوليب لحقوق الإنسان للأشخاص المؤثرين في مجتمعاتهم حول العالم، وتتضمن الجائزة مجسما لزهرة التوليب أو الزنبق وشهادة تقديرية ومنحة مالية لتنفيذ عدد من الأنشطة والفعاليات المجتمعية، بالإضافة إلى لقاء جماعي وورش عمل تجمع المؤثرين في مجال حقوق الإنسان من العالم في المملكة الهولندية. ولكن تم تأجيل هذه الفقرة بسبب جائحة كوفيد-19، إلا أن حفل التكريم تم في عام 2020 بمقر السفارة الهولندية ببغداد، وبحضور السفير الهولندي وسفير الاتحاد الأوروبي وممثلة شؤون المرأة في بعثة الأمم المتحدة (يونامي)، وكذلك المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق.
جائزة "فرونت لاين"
وكانت جائزة منظمة "فرونت لاين ديفندرز" الإقليمية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا -ومقرها أيرلندا- من حصة فاطمة البهادلي (50 عاما) من محافظة البصرة، ضمن 5 نساء أخريات، وذلك لجهودها في حماية النساء والفتيات المتضررات من الحرب وتعزيز دورهن في بناء السلام، وأيضا إنهاء العنف ضد المرأة في المناطق التي تكون فيها المرأة أكثر تهميشًا، كما عملت في مجال زيادة الوعي بين أفراد المجتمع حول تأثير زواج الأطفال والانقطاع المبكر عن الدراسة على النساء والفتيات.
وتضمنت الجائزة مجسما فضيا ومنحة مالية لتنفيذ مشروع يخدم مدينة البصرة، حيث تسكن البهادلي، وتم حفل التسليم عبر الإنترنت بسبب جائحة كوفيد-19.
وتعمل البهادلي -التي تحمل شهادة الماجستير في اللغة العربية- أيضًا مع الشباب لمكافحة عسكرة المجتمع، وحاربت تجنيد الأطفال والشباب في الجماعات المسلحة، وعملت على إعادة إدماجهم في المجتمع، كما قدمت ورش عمل لمحو الأمية والتعليم والمهارات لمختلف الفئات، وتعرضت للكثير من المضايقات والتهديدات بسبب عملها والظروف التي شهدتها البصرة إبان فترة المظاهرات الشعبية.
وما يزال المستقبل مجهولا بالنسبة للنساء، خاصة المدافعات عن حقوق الإنسان؛ فالأمر يحتاج إلى الكثير من الشجاعة والتحدي للاستمرار في هذا المجال من أجل الحصول على قوانين عادلة وحقوق مصانة، كما تقول البهادلي.
التحكيم الصيرفي الإسلامي
وحازت الباحثة والخبيرة الاقتصادية سلام عبد الكريم سميسم (61) عامًا على لقب محكم وخبير إسلامي معتمد من المركز الإسلامي الدولي للصلح والتحكيم، بعد اجتيازها وبتفوق عالٍ تدريبا تخصصيا واختبارا دقيقا، لتصبح أول من يحصل على هذا اللقب في العراق.
نشأت سميسم في منطقة الكاظمية في العاصمة بغداد، وأقصيت من وظيفتها الحكومية لأسباب سياسية، وأحيلت إلى التقاعد "قسرا" عام 2011 كما تقول، وهي تحمل شهادة الدكتوراه في المجال المالي والاقتصادي ومحللة اقتصادية بارعة.
تؤمن سميسم بذاتها كامرأة، وتثق في تخصصها؛ لذلك تعمل على مواجهة الاحتكار الذكوري لمجال المال والاقتصاد، وقدمت الكثير من البحوث والدراسات في هذا المجال، ونشرت نتاجها العملي في الكثير من المواقع العربية والدولية، وتعمل بالاعتماد على نفسها ومن دون أي دعم حكومي أو أي جهة أخرى.
الجائزة الفرنسية الألمانية لحقوق الإنسان
وحصلت نغم نوزت حسن (44 عاما) على الجائزة الفرنسية الألمانية لحقوق الإنسان، وهي طبيبة ممارسة نسائية وتوليد، وناشطة في مجال حقوق الإنسان، خاصة حقوق المرأة، وبدأت عملها منذ عام 2006 وما زالت مستمرة.
وتمنح هذه الجائزة سنويا لعدد من الأشخاص الذين كرسوا حياتهم لخدمة الإنسانية حول العالم، وتم اختيار الطبيبة نغم من بين 64 شخصا حول العالم؛ لجهودها في دعم النساء ضحايا العنف الجنسي، وكرست 5 سنوات فعلية للقيام بهذه المهمة.
فبعدما اجتاح تنظيم الدولة الإسلامية منطقتي سنجار وبعشيقة في الموصل، نزحت جميع العائلات -ومنهم عائلة الطبيبة نغم- إلى إقليم كردستان العراق، خاصة محافظة دهوك، وفي مناطق النزوح تحديدا تطوعت نغم لتقديم الدعم الطبي، وعندما سمعت بعودة ناجيات هاربات من سجون تنظيم الدولة قررت زيارتهن ودعمهن. كان الأمر صعبا لكنها استطاعت كسر حاجز الخوف وكسب ثقتهن ومن ثم معالجتهن، وكان عددهن "بالمئات"، وبعدها أسست الطبيبة نغم مركزا لمعالجة الناجيات بدعم من حكومة إقليم كردستان العراق.
وتتمنى نغم عودة جميع الأسر النازحة إلى مناطقها الأصلية في سنجار وتعويضها، خاصة الناجيات، مع ضرورة تمكينهن اقتصاديا وماليا وتنفيذ برامج ومشاريع طويلة الأمد لإعادة تأهيلهن واندماجهن في المجتمع، وفتح مراكز تعليمية لمحو الأمية مدعومة من المجتمعين الدولي والمحلي.
بصمة قائدة
حصلت الناشطة فاتن عبد الواحد الحلفي (47 عاما) على جائزة "بصمة قائدة" لجهودها المؤثرة في مجال حقوق الإنسان، وهي مقدمة من المجلس الإنمائي العربي للمرأة والأعمال، وتمنح للنساء القياديات المؤثرات في مجتمعاتهن واللواتي يتركن بصمة من خلال أعمالهن.
نشأت الحلفي في بغداد وما زالت تعيش فيها، وهي حاصلة على شهادة الدكتوراه في القانون الدولي الإنساني، وتعمل حاليا عضوًا في المفوضية العليا لحقوق الإنسان العراقية.
تتفاءل الحلفي كثيرا بأن المستقبل سيكون زاهرًا بالنسبة للمرأة العراقية، لتعيش فيه من دون أي تمييز أو عنصرية، فهي ترى في كل يوم إصرارًا متزايدًا لدى النساء العراقيات في كل المحافل والمجالات من أجل دعم قضايا النساء للوصول إلى العدل والمساواة.
أفضل تغطية صحفية
وحصلت الصحفية سنار حسن (26 عاما) على المركز الأول لعام 2020 في مجال أفضل تغطية صحفية لقضايا النساء من منظمة إنترنيوز في العراق، وقبلها حصلت على منحة من المركز الدولي للصحفيين (ICFJ) للكتابة حول قضايا النازحين واللاجئين، وبعدها أصبحت عضوة في مشروع الأمم المتحدة الخاص بقضايا الصحفيين في المناطق التي تشهد صراعات أمنية في العراق وسوريا واليمن.
وحصلت سنار على الجائزة عن تقارير صحفية أعدتها حول قضايا النساء في مخيمات النزوح العراقية، وما تعرضن له من انتهاكات خطيرة؛ أبرزها الابتزاز والاستغلال الجسدي، ويعد هذا التقرير من أقرب الأعمال إلى قلبها؛ لأنها استطاعت من خلاله كشف ما تعرضت له النساء في المخيمات من انتهاكات خطيرة، كما استطاعت لفت أنظار زملائها الصحفيين لمعاناة النساء في المخيمات.
وتحمل سنار شهادة بكالوريوس ترجمة لغة إنجليزية، وتعيش مع أسرتها في بغداد، وهي تعمل في مجال الصحافة منذ 3 سنوات، وتكتب في مجال السياسة والاقتصاد وحقوق الإنسان، وتسعى لأن تكون مؤثرة في مجال عملها بعيدا عن الشهرة، فهي ترى أن تحقيق الشهرة في مجال الإعلام أمرٌ سهل، ولكن الصعوبة تكمن في مدى تأثير الصحفي من خلال عمله.
وترى سنار أن عمل الصحافة خطر على جميع الصحفيين من كلا الجنسين، لكنه أشد خطورة بالنسبة للمرأة لأنها تتعرض للتهديد أو الرفض من العائلة والمجتمع، فقط لأنها امرأة، لكن كل هذا لم يعد عائقا أمامها بسبب تركيزها على النجاح وتقديم محتوى مغاير عما تنتجه الصحافة المحلية.
وترى سنار أنه لو توفر الدعم الكافي للصحفيين وفُعّلت قوانين الحماية الصحفية وشكلت لجان إلغاء التمييز بين الجنسين في العمل؛ ربما سيكون ذلك دافعًا وفرصة مهمة لتميز ونجاح الكثير من الصحفيات في المستقبل القريب.
كما حصلت الصحفية أرزو نوري حكيم على المركز الثاني لأفضل تغطية صحفية لقضايا المرأة خلال عام 2020، وكان المركز الثالث من المسابقة نفسها من نصيب الصحفية نهلة نجاح، التي تعمل أيضا مراسلة لموقع الجزيرة نت.