تهديد وابتزاز وتشهير.. الجرائم الإلكترونية تتسع بالعراق والنساء ضحاياها
منذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003 تجتاح ظاهرة انتشار الجرائم الإلكترونية البلد، لا سيما الجرائم التي تستهدف النساء، ومنها جرائم الخيانة الزوجية أو ابتزاز الفتيات والقذف والتشهير وهتك العرض بحقهن عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، مما تسبب بمشكلات كبيرة عصفت بتماسك الأسر العراقية.
ويرى مختصون أن أسباب انتشار تلك الجرائم يعود إلى ضعف تطبيق القانون في العراق حاليا، إضافة إلى تراجع المنظومة الأخلاقية والقيمية في المجتمع، وغياب الوازع الديني، وتفشي الفقر والبطالة التي تعيشها بعض الأسر العراقية.
ويرى المحامي والخبير القضائي طارق حرب أن الجرائم الإلكترونية بمختلف أنواعها مثل القذف والسب والتحرش الجنسي والتهديد بالسلاح والإرهاب، وزادت جرائم الابتزاز والمخدرات خلال فترة التباعد الاجتماعي منذ تفشي جائحة كورونا وباتت تشكل ٣٥% مقارنة بالجرائم الجزائية الأخرى.
كما تستهدف بعض الجرائم الإلكترونية الترويج لجرائم جنائية كبرى بسبب غياب الثقافة القانونية في هذا النوع من الجرائم، كما يقول النائب عن اللجنة القانونية في البرلمان العراقي حسين علي العقابي للجزيرة نت.
ونوه العقابي إلى أن اللجنة ضغطت وما زالت لتشريع قوانين جديدة بشأن الجرائم الإلكترونية، لكن الملف يراوح مكانه على طاولة البرلمان العراقي دون إقرار، معتبرا أن تشريع هذا القانون بات ضرورة ملحة، من أجل نشر الثقافة القانونية في المنظومة الإلكترونية. وأشار إلى أن القوانين الجزائية العراقية لا تغطي تلك الجرائم بشكل واضح ومفصل، وهناك منطقة فراغ بحاجة إلى تغطيتها قانونيا.
الصلح العشائري
ولعل الجرائم التي تأخذ وجهة الخيانة الزوجية تعد من أكثر أنواع الجرائم الإلكترونية في العراق، وقد لا ترتقي الجريمة إلى الخيانة الزوجية بحد ذاتها، ولكنها تكيف وفق المادة الـ ٣٧٧ من قانون العقوبات العراقي، بحسب المحامي والخبير القضائي فاضل مسلم الطائي.
ويقول الطائي إنه نادرا ما يتم اللجوء إلى المحاكم العراقية في مثل تلك الجرائم، لأن معظمها قد تحل عن طريق الصلح العشائري والتفاوض، بسبب لجوء أغلب الرجال إلى استخدام تلك الجرائم ومنها الخيانة الزوجية ضد الزوجة، من أجل الضغط عليها، كي تتنازل عن حقوقها المالية، مشيرا إلى أن مثل تلك الجرائم هدمت العديد من الأسر العراقية، وشردت أطفالها.
ويوضح الطائي أن المواد القانونية العراقية الحالية لا تتلاءم مع المفاهيم الجديدة للواقع المعاصر، كونها نصوصا قانونية قديمة وقد وضعت قبل التطور التكنولوجي الحاصل، وتحتاج إلى تعديل، بالإضافة إلى تشريع نصوص جديدة تتناسب مع طبيعة الفعل.
فقدان هيبة الدولة
من جهتها ترى الإعلامية العراقية زينب ربيع عبد الكريم أن "المجتمع الشرقي تحكمه العادات والتقاليد والدين، ومن الممكن فبركة أي شيء، يتعارض ويتنافى مع الأعراف الدينية والاجتماعية، فتكون المرأة فريسة سهلة، وتعتبر هذه حالات معينة وليست كثيرة، ولكن في ظل الموروثات الاجتماعية والقضايا الدينية، يبقى هنالك الكثير من الرجال ممن يعزز ذكورية المجتمع، ويتعكز على نصوص دينية وتشريعات قديمة".
وتشدد الإعلامية العراقية على ضرورة فرض هيبة الدولة، قائلة إن الظرف الأمني وعدم الاستقرار في العراق من الأسباب الرئيسية في انتشار مثل تلك الجرائم، معتبرة أن المبتز لن يستطيع تهديد أي فتاة في حال وجود مؤسسة أمنية يهابها الشارع العراقي.
وخلصت إلى أن الموضوع مرهون بتفعيل الجهد الأمني وملاحقة وتتبع هؤلاء المجرمين، وفرض الإجراءات والعقوبات الصارمة ضدهم.
عدوانية الرجل الشرقي
أما الناشطة في مجال حقوق الإنسان وحقوق المرأة هناء محمد الشمري فترى أن الاستغلال السيئ للتكنولوجيا في مواقع التواصل الاجتماعي يعود للنظرة القاصرة لبعض الرجال تجاه المرأة، حيث بإمكان الرجل الشرقي أن يعبر عن كل نزواته المنحرفة والعدوانية دون حسيب أو رقيب، ودون أي وازع أخلاقي، وهذا ما نراه واضحا للعيان ومكشوفا بشكل كبير في مجتمعاتنا.
وتشير الشمري إلى أن التصدي لهذه الظاهرة ومحاربتها يجب أن يكون بتكاتف جميع المؤسسات العراقية، ومنها الجهات التشريعية والتنفيذية، وكذلك وسائل الإعلام والناشطين في منظمات المجتمع المدني في تحمل مسؤولية حماية المجتمع، وحماية المرأة العراقية على وجه الخصوص، من التعرض للاضطهاد والاستغلال.
وتؤكد الشمري أن المنظمات النسوية ومنظمات حقوق الإنسان تعمل على تكثيف برامج توعية وتمكين المرأة، وتقديم يد العون لها، وكذلك تنظيم الورش التثقيفية والمعلوماتية للنساء وزيادة وعيها وتثقيفها على كيفية حماية أنفسهن من الاستغلال والابتزاز.