أمهات ذوي الاحتياجات الخاصة.. ابني مختلف وهكذا أدمجه في المجتمع
ليس سهلا أن يولد طفل مختلف في العائلة.. مختلف في طريقة أو سرعة نموه، في حاجاته وتفكيره، في قدرته الجسدية والذهنية.
ويصبح لزاما على الأهل تحمل مسؤولية المولود صحيا ونفسيا واجتماعيا، وتقوم بعض الجمعيات بالمساندة قدر الإمكان.
حضانة في المنزل
لم يكن سهلا على فاطمة كريم أن تستقبل مولودها بعد 11 عاما من انتظار الأمومة ويأتي طفلها حسن بمتلازمة داون.
تقول فاطمة للجزيرة نت إن مشاعر متناقضة انتابتها من خوف وقلق خاصة أن فحص متلازمة داون يحتاج لشهر "لتأكيد ما هو مؤكد، والخوف ماذا أستطيع أن أقدّم له وأساعده، وبدأت البحث لفهم حالته وطاقته وماذا يستطيع أن يفعل؟".
تؤكد فاطمة أن أسوأ ما حصل هو رفض الحضانات استقبال ابنها خاصة أنها سيدة عاملة، فأقامت حضانة مجانية ببيتها بعد انتهاء دوام عملها.
وأعلنت على موقع فيسبوك أنها تستقبل الأطفال من عمر سنتين إلى ست سنوات في نشاطات منزلية تشمل ألعابا معينة ورسما ورقصا وتحضير "كيك"، وأيضا نشاطات خارجية في الحدائق العامة وركوب الدراجات الهوائية، والمشي، وكان ذلك لمساعدة حسن على الانخراط مع الأطفال والتعلم منهم.
وتذكر أنها انزعجت من طبيبين "المفترض أنهما أوعى!"، الأول سألها لماذا تريد الإنجاب مرة ثانية ونسبة أن يحمل الطفل المتلازمة ذاتها 10%؟! في حين قالت لها طبيبة أخرى "الله يساعدك على هذه المصيبة"!
وعن الاختلاط في المجتمع تقول فاطمة إنها مسؤولية الأهل أن يعرفوا كيف يقدمون طفلهم بشكل طبيعي ويدفعونه لمشاركة مجتمعه، ويلحقونه بمدارس ليعيش حياة طبيعية.
وعما إذا تعرض حسن ابن الخمسة أعوام ونصف العام لأي إزعاج تقول إنها تعليقات من أولاد صغار. وتتفهم الأمر إذ "لم يصدف أن التقيت أنا مثلا بأشخاص مثله في المدرسة والجامعة ولا العمل، لأنهم لا يعيشون في مجتمعنا في حالات دمج، فكيف سيتعرف عليهم المجتمع"، وقالت إن هذا المجهود يصبح على عاتق الأهل في تعريف المجتمع بهؤلاء.
وتشير إلى أن الأشخاص المصابين بمتلازمة داون لديهم ذكاء عاطفي واجتماعي، ويعرفون كيف ينخرطون في المجتمع إذا عُلموا، وهذا ما تقوم به، إذ إن من يلتقي حسن على فترات متقطعة يلاحظ مدى تقدمه وتحسنه من الناحية الاجتماعية وطرق التواصل والنطق، وكيف يفهم ويعبر عن ذاته.
المطلوب الدمج
وتخبر هنا يموت حجازي أنها شعرت أن لدى ابنها كريم مشكلة في التواصل وهو بعمر ثمانية أشهر، وكان السبب ماء في الأذن، وخضع لأربع عمليات، وبدأ الآن بالتحسن في عمر السبع سنوات.
بدأت المشكلة بعمر ثلاث سنوات أثناء البحث عن مدرسة، ولم تقبل به المدارس حينها ولم يكن يتكلم ولا يعبر. فانتظر الأهل حتى عمر الخامسة وكانت فترة تخبط وبكاء لتقبل الوضع، حتى قُبل في مدرسة، وتقبله رفاقه وأهلهم الذين ساعدوهم لأن أولادهم كانوا يحبونه ويطلبون دائما أن يخرج معهم.
تحاول هنا قدر الإمكان أن تكون داخل مجتمع مريح لا ينظر بشكل مختلف أو مؤذ لابنها الذي بلغ 10 سنوات، وهو يتكلم كلمات قليلة وكأنه في الثالثة من عمره.
يحاول البعض ملاطفته وسؤاله عن اسمه، ولكن كريم لا يستطيع أن يجيب، فيستغربون أنه بهذا العمر ولا يعرف كيف يتكلم، مما يجعل أهله يشرحون وضعه دوما.
وتقول هنا للجزيرة نت "نشعر بنظرة الناس ونعرف ماذا يدور برأسهم، ونكون بجهوزية دائمة للدفاع، وإخبارهم عن قدراته، ومواهبه كأنه يشكل ديناصورا من المحارم مثلا"، وتضيف أن لديه نقاط قوة كالذاكرة القوية والتحليل ليصل لما يريده، ما يجعلها تنظر إلى نصف الكوب المملوء.
وتبين أنهم كأهل يعملون على استقلالية كريم لتخليص أموره بنفسه وبدؤوا في المدرسة، وتأمل أن تتوسع للمجتمع. وكل ما تسعى إليه هو دمجه ودائما ما تُوجَّه إلى التعاطي معه بشكل منعزل أو كحالة خاصة.
الحب هو السر
تخبر جيهان هاشم الجزيرة نت أن أخاها وليد "25 عاما"، كان قد تعرض أثناء ولادته لنقص في الأكسجين بسبب خطأ طبي سبب تأخر نموه الحركي. وليس لديه القدرة على القراءة والكتابة.
وتقول إن وليد لا يتكلم إلا القليل من الكلمات المختصرة، وهو "متفائل يستمد الجميع منه القوة، ومكافح وشجاع وإيجابي وحنون، نحبه ونفتخر به، وهو نعمة البيت".
وتضيف جيهان أنه لم يحصل يوما أن خجلوا بوجوده بل بالعكس، كانوا متابعين له في أدق التفاصيل، كما أن التربية لعبت دورا كبيرا بتكوين ثقته بنفسه، إضافة للمدرسة الخاصة التي انخرط بها حتى عمر 14، إذ تعلم فيها الكثير، وأكثر ما يزعجه هو التوقف عن المدرسة التي كانت تُؤَمن أيضا للأهل مرافقة نفسية للتعرف أكثر على قدراته ونقاط القوة لديه.
يشارك وليد في الكثير من النشاطات العائلية الممكنة كالذهاب إلى مطاعم وحفلات وأسواق تجارية ومسارح "قبل كورونا والحجر". ولكن بعض الأمكنة غير المجهزة تحول دون خروجه أحيانا لأنه يتنقل على كرسي متحرك. وله في بيته خصوصيته واستقلاليته، ويحب السفر وقام أخوه بتحقيق أمنيته، فسافر وتأقلم وكون صداقات، ثم عاد وسافر مع مجموعة مرة أخرى.
المشكلة في لبنان
تقول جيهان إنه لا يوجد في لبنان مركز متخصص لحالته يؤمن له فرصة عمل، فهو شخص فعال يساعد الأهل في تحضير الأغراض وترتيبها، كما لديه هواية التصوير. ويقوم بتدبير حاجياته وحده من ارتداء الثياب وتناول الطعام والتحرك عبر كرسيه بحرية.
"تقدم وليد وتفاؤله وصبره سببها الحب ثم الحب ثم الحب"، تقول جيهان التي تؤكد أن الحب أنجع دواء ويخلق من الاختلاف طاقة مميزة، كما يستمد من الإيمان القوة والرجاء.