تعمل بها كويتيات ووافدات.. كورونا ينعش مهنة الخطّابة في الكويت

في زمن كورونا انخفضت تكاليف الزواج (غيتي)

لم يستطع محمد الانتظار أكثر، بدا تأجيل مشروع الزواج قرارا عبثيا في ظل التصريحات الضبابية لمنظمة الصحة العالمية التي لم تستطع تحديد مدة بقاء هذا الوباء القاتل في أرجاء العالم حتى الآن، وإلى أن يحزم الفيروس أمتعته ويرحل، قد يضطر الشاب الراغب في الزواج للبقاء عازبا لأجل غير مسمى.

هذا الضيف الثقيل الذي حلّ على العالم فجأة دون سابق إنذار، قلب حياة الناس رأسا على عقب، وحمل في طياته القول المأثور "مصائب قوم عند قوم فوائد"، ففي حين فقد الكثيرون وظائفهم وأحبابهم، استطاع البعض الآخر أن يشق لنفسه طريقا للرزق وسط فوضى البطالة العارمة التي خلفها كورونا.. و"الخطّابة" من أبرزها.

خطّابة الفريج

"الخطّابة" مهنة قديمة في الكويت، عملت بها نساء كويتيات ووافدات على حد سواء، وكانت الوجهة الأولى للعائلات الراغبة في تزويج أبنائها وبناتها، حيث كانت الخطابة امرأة ذات معارف وصلات كثيرة بسبب كثرة تجولها في "الفريج" (أي الحي)، وزيارتها جميع الجيران، وبالتالي كانت معرفتها الوثيقة بسكان المنازل تخولها التوفيق بين "رأسين بالحلال".

يقول محمد غازي للجزيرة نت إن عمره تجاوز 30 عاما ولم يجد فتاة تشاركه حياته بعد، ولم تجد والدته بدًا من طرق باب الخطّابة أم أمين، مضيفا "تشتهر الخطابة أم أمين بمجموعتها الخاصة على تطبيق واتساب (عازبات في الكويت) التي تختص بإرسال مواصفات وبيانات الشباب والفتيات الراغبين في الزواج، مثل العمر والمستوى الدراسي والعمل وكل ما يلزم معرفته من تفاصيل".

ويعزو محمد أسباب قبوله باللجوء للخطابة إلى أن الظروف الحالية التي فرضها كورونا لا تساعد إطلاقا على تبادل الزيارات الاجتماعية بين المعارف والأصدقاء، وحتى الأماكن العامة والفعاليات والمناسبات باتت على قائمة الانتظار هي الأخرى، وبالتالي لا سبيل للتعرف على شريكة حياة بنفسه دون مساعدة طرف ثالث.

الخطابة أم أمين: انخفاض المهور بسبب الأوضاع الاقتصادية وإقفال صالات المناسبات يوفران مبلغا كبيرا للشاب (غيتي)

تواصل رغم التباعد

بحكم مكانة أم أمين ومعرفة وثقة الجميع فيها، استطاعت تطبيق التباعد الاجتماعي عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، وتقول للجزيرة نت إنها تعيش في الكويت منذ 24 عاما، وبدأت مهنتها هذه من خلال ترددها على المساجد وتعرفها على نساء الحي، حيث كانت القصة في البداية لا تعدو أكثر من كونها فعل خير، لكنها رأت أنه لا مانع من أن يكون ذلك مقرونا بأجر مادي ليستفيد الجميع.

وفي حين وجدت الحداثة طريقها إلى مهنة الخطابة من خلال تطبيق واتساب، خلعت هذه العادة عباءتها التقليدية وأصبح الوصول للخطابة أكثر سرعة وسهولة مما كان عليه في السابق خاصة في زمن كورونا، الذي ساهم في ازدياد أعداد المقبلين على الزواج لأسباب عدة.

خفض المهور

وتذكر أم أمين من هذه الأسباب "انخفاض المهور بسبب الأوضاع الاقتصادية، فلم يعد ممكنا لأحد طلب مهر عال في هذه الظروف الصعبة، إضافة لإقفال صالات المناسبات للحد من التجمعات، مما يوفر مبلغا طائلا للشاب باختصار الزفاف على الأهل والمقربين جدا بحفل بسيط في المنزل، وبالتالي تقليص الكثير من المصاريف مثل البوفيهات وزينة السيارة والزفة والكثير من هذه الطقوس المرتبطة بإقامة حفل زفاف عادي".

وتوافق أم يزن، التي تعمل هي الأخرى خطّابة، على ما قالته زميلتها في المهنة أم أمين، وتضيف "ساهمت في خطبة 6 فتيات منذ بداية أزمة كورونا بأجر 100 دينار كويتي (نحو 330 دولارا أميركيا) على كل قراءة فاتحة تمت عن طريقي، وهو الأجر المتعارف عليه لدى كل الخطابات تقريبا"، ويتم تحصيل المبلغ مرة واحدة من الطرف الذي تواصل معها أولا.

عمل أم يزن مدربة قيادة سيارات للفتيات ساعدها على توسيع شبكة معارفها من العازبات والباحثات عن شريك حياة (غيتي)

عصفوران بحجر

تقول أم يزن إن عملها مدربة قيادة سيارات للفتيات ساعدها على توسيع شبكة معارفها من العازبات والباحثات عن شريك حياة، مبيّنة أنها ضربت عصفورين بحجر، فهي تكسب الأجر والثواب، وتزيد غلتها (دخلها) الشهرية ما أمكن ذلك.

ومن الحالات التي كتب لها التوفيق على يد أم يزن، ابنة السيدة نادية، وهي معلمة كانت قد أرسلت بيانات ابنتها على مجموعة واتسابية، وعمر ابنتها (25 عاما) وتعمل هي الأخرى مدرسة كوالدتها.

وأكدت نادية أنه لا ضير في السعي لتزويج ابنتها على سنة الله ورسوله، خاصة وأن الشباب الراغبين في الزواج باتوا قلة بسبب أعباء الحياة المعيشية، وتكاليف الزواج الباهظة، وارتفاع إيجارات الشقق في الكويت، مبينة أن تكوين أسرة هو حلم لكل شاب وفتاة مهما كانت الظروف ومهما بلغت الأعمار.

المصدر : الجزيرة