شهدن انفجار مرفأ بيروت.. صحفيات ناجيات: رأينا الموت بعيوننا
صورة "سلفي" مليئة بالغبار والدم أخذتها الصحفية فابيان عون لتطمئن أهلها أنها لا زالت على قيد الحياة؛ ففي لحظة واحدة بينما كانت توقف سيارتها تحت إحدى الأشجار في شارع الجميزة المقابل لمرفأ بيروت تبدلت ملامح الشارع والمدينة والوطن.
سمعت فابيان 3 أصوات لانفجارات، آخرها دفع زجاج السيارة والمرآة الخارجية إلى الداخل، وسقطت الشجرة على سيارتها.
جهنم على الأرض
تخبر فابيان الجزيرة نت أنها استجمعت قواها وخرجت مذهولة من السيارة من دون أن تشعر أن "حنفية دم" مفتوحة في رأسها.
كانت بعيدة بضعة مئات من الأمتار عن الانفجار الكارثي، لم تفهم ماذا حدث؛ سيارات في وسط الشارع وركام فوقها، وأشخاص سقطوا عن الشرفات ودم وغبار وجثث وصراخ وصفارات إنذار.
مشت مع الشخص الذي حضرت لإجراء لقاء صحفي معه والمصاب بالرضوض أيضا، وراء الناس للوصول إلى مستشفى الوردية في المنطقة، وصلا فوجداه مهدما، ويتم إخلاء للمرضى، حاولا الوصول إلى مركز الصليب الأحمر، ولم يجدا فيه أي أحد لمساعدتهما بسبب كثافة الجرحى.
كانت فابيان تدعو الله أن يعيدها لأولادها. وبينما كانت تسير من دون أن تجد مساعدة، حملها شخص في سيارة دفع رباعي ووضعها إلى جانب 3 أشخاص، أحدهم توفي عند الوصول إلى المستشفى، وعرفت فيما بعد أن هذا الشخص أخذ السيارة من الطريق لتخليص الناس ومساعدتهم ثم ردها لأصحابها.
في عدة مستشفيات لم يستطع أحد استقبالهم، لكن في واحد منها وضعوا لها ضمادة على رأسها كي لا تغيب عن الوعي، كان أهلها وزوجها وصلوا إليها وأخذوها إلى مستشفى في منطقة كسروان، حيث انتظرت دورها حسب تراتبية الأوضاع الحرجة.
تقول فابيان "كتب لي عمر جديد"، بعد أن أجريت عمليات التقطيب لبعض الجروح في رأسها وأذنها، ويديها ورجليها.
وتضيف "شاهدت جهنم بعيني، صحيًّا أنا أفضل من غيري، لكنني نفسيا مدمرة، فمنذ أسبوع أتناول المهدئات، وعندما أذهب للنوم يعود مشهد تطاير الناس من بيوتهم والجثث كأنها فيلم، وكأنه مشهد جهنم على الأرض".
خافت فابيان من المواد التي تطايرت عليها أن تكون مؤذية، نووية أو جرثومية، فلم تسمح لأهلها بالاقتراب منها حتى تداوت واغتسلت.
إنه مسلخ بشري
غابت الصحفية هلا حداد عن صفحتها الناشطة على فيسبوك، حتى أعلنت إحدى الزميلات أنها مصابة وحالتها حرجة. تقول للجزيرة نت إنها سمعت صوت طيران، وكانت توقف سيارتها أمام منزلها في مار مخايل، وانتظرت حتى الساعة السادسة حتى يأتي التيار الكهربائي لتصعد إلى المنزل.. طلبت من أمها ومن المساعدة المنزلية الدخول للممر بين الغرف حيث اعتاد الناس الاختباء خوفا من قصف الطيران.
تقول هلا إنها شعرت بهواء يحملها إلى فوق والدها المريض، واعتقدت أن الخزانة وقعت عليها، لتجد أن شباك الألمنيوم والزجاج تحطم على كامل جسمها من الخلف، وبدأ الدم ينهمر منها ومن أمها وأبيها ومن المساعدة المنزلية أيضا. وفي الوقت نفسه، كان أخوها في المصعد الذي دفعه الانفجار صعودا وقذف بابه وسمعت صوته أنه آت.
واعتقدت هلا أن الانفجار وقع في المبنى، لا تعرف كيف استجمعت قواها بعد أن حاولوا الاتصال بالصليب الأحمر من دون استجابة، لتنزل من البناية المدمرة وتقف على الطريق وتصرخ طالبة المساعدة، فوجدت حولها الجرحى والقتلى. والناس يصعدون الدرج للوصول إلى مستشفى الروم الذي كان مدمرا ويخلي مرضاه.
وتقول هلا للجزيرة نت إن شابا وصبية كانا يمران بسيارة صغيرة، طلب أخوها منهما أن يأخذاها إلى المستشفى والسيارة تسير بصعوبة بين الركام، وبقرب سيارة للصليب الأحمر وضع أحدهم إلى جانبه جثة امرأة مقطوعة الرأس فبدأ الجميع الصراخ "فنزلنا من السيارة وبدأنا السير باتجاه مستشفى الوردية الذي كان مدمرا أيضا".
رأت هلا أناسا يحملون أطرافهم المقطوعة ويسيرون باتجاه المستشفيات، من مستشفى إلى آخر تنقلت بصعوبة مع عائلتها للحصول على أكسجين، وفي أحدها حصلت لها أزمة عصبية، فقفزت عن الكرسي بسبب قسوة المشاهد في طوارئ المستشفى، تقول إنه "لم يكن مستشفى، كان المشهد أشبه بمسلخ أو ملحمة، حيث الأشلاء وأعضاء الناس الداخلية خرجت من أجسامهم، ثم نقلت إلى مستشفى آخر.
تقول إنها شعرت بأن الله ساعدها على التنفس لحين وصولها إلى المستشفى، وتبين لاحقا أن لديها ثقبا في الرئة إلى جانب جروح خيطت، ثم عولجت الرئة. وخرجت بعد أسبوع، وما تزال في طور التعافي.
ليس وجه والدي
للصحفية رنا أسطيح قصة عن والدها جوزيف سائق التاكسي الذي اتصل بأخيها كي لا يسلك طريق الكارنتينا بسبب ازدحام السير. وبعد أقل من دقيقة انفجرت بيروت، وبسبب الإرباك لم يدركوا أنه تحدث قبل الانفجار أو بعده.
على مجموعة العائلة في واتساب اطمأن الجميع على بعضهم، ولكن الوالد لم يجب رغم أنه عادة يتواصل طوال الوقت مع عائلته.
تقول رنا إن الساعة ونصف ساعة التي مرت كانت أصعب وقت في حياتها، فهاتفه في البداية لم يلتقط إشارة، ثم بدأ يرن من دون جواب. "وعرفنا لاحقا أنه كان في المكتب في الأشرفية، وأن الحائط والسقف سقطا وتناثر عليهم الزجاج، فأسعف والدها زميله من تحت ركام المكتب وطلب منه إنقاذ نفسه وعدم انتظار المساعدة لأنهم قد لا يصلون إليهم".
وكانت رنا نشرت على صفحتها صبيحة يوم 5 أغسطس/آب الجاري منشورا تحدثت فيه عن إصابة والدها في وجهه، والذي كان في منطقة الأشرفية لحظة انفجار المرفأ، لافتة إلى أنه قضى 20 عاما من عمره في الغربة، ناضل وكافح ليرجع بلده".
بدأ جوزيف السير مشيا لمستشفى الروم، ثم أوتيل ديو، وكانت الطوارئ مزدحمة جدا، فعاد ليأخذ سيارته وذهب لمستشفى جبل لبنان، وكانت الحال نفسها، هناك استطاع الاتصال بأخيها من الشارع، وكان هاتفه ما يزال تحت ركام المكتب، أخذوه وهو ينزف إلى مستشفى بلفيو، و"كان عبارة عن ساحة حرب الناس، تتداوى في أماكنها ولا مكان لأحد، الطوارئ فيها نحو 150 شخصا، والبدء كان بالحالات الأكثر خطورة".
إصابات والدها كانت بجروح عميقة في وجهه، وانقطع جزء من أنفه وخده بالزجاج، وكانت عيناه متضررتين بشكل مخيف. وتنوه إلى إن الصورة التي شاركتها على حسابها كانت الأقل فظاعة، بعد أن عولج قليلا، ولا تعرف كم قطبة في جسمه.
وتقول ليس أصعب من أن "نكتشف أننا الذين ننقل الخبر أصبحنا جزءا منه".