استثناء بريطاني.. مسلمات يبلغن أعلى المناصب وهن يرتدين الحجاب
تختط المملكة المتحدة لنفسها مسارا متفردا في التعامل مع الأقلية المسلمة بصفة عامة والمرأة المحجبة بوجه خاص، ما يجعل أي مقارنة بين وضع المرأة المسلمة في بريطانيا ووضعها في دول أخرى مثل فرنسا على سبيل المثال، تقود لاعتبار بريطانيا نموذجا متقدما في التعامل مع مسألة الحجاب.
وحققت المرأة المحجبة في بريطانيا خطوات مهمة في الوصول لمراكز ووظائف سامية، كان آخرها نجاح المواطنة البريطانية المسلمة رافيا أرشد في تقلد منصب قاضية كأول سيدة محجبة تصل لهذا المنصب، لتضاف مهنة القضاء لقائمة من المهن التي نجحت المرأة المحجبة في الوصول إليها، كما هي الحال بالنسبة لمنصب عمدة مدينة، والعمل في جهاز الشرطة والأمن.
ولعل بريطانيا من الدول الغربية القليلة جدا التي تقبل نساء محجبات في صفوفها، وهو يجعل باب الوظائف الحكومية مفتوحا نسبيا أمام النساء المحجبات، ويرسخ النموذج البريطاني في التعامل مع الأقليات ومن ضمنها الأقلية المسلمة.
وعلى الرغم من تورط رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون في الإساءة للنساء المنتقبات، وما يثار حول الرجل من كونه أحد وجوه الشعبوية في العالم، فإن المملكة المتحدة، تحافظ على خط واضح يفصلها عن إقصاء المرأة المسلمة من الفضاء العام.
نموذج ملهم
وكان لخبر تعيين القاضية رافيا أرشد، وقع إيجابي على الأقلية المسلمة في بريطانيا، واستأثر باهتمام إعلامي كبير، فهذه السيدة حققت إنجازا تاريخيا ربما سيفتح الباب لنساء أخريات، للوصول لمنصب قاضية وهن يرتدين الحجاب، بالنظر لما لهذا المنصب من تقدير وإجلال في المجتمع البريطاني، وتكشف القاضية أنه سبق وطلب منها البعض نزع حجابها إن أرادت الترقي في مهنتها.
ومع ذلك أصرت هذه السيدة المسلمة على مواصلة مسيرتها بالحجاب، مقتنعة بأن النجاح سيكون حليفها به، وأيضا لأنها وكما تصرح بنفسها كانت تعرف أنها تحمل قضية وأنها لو نجحت في الوصول لمنصب القاضية ستكون ملهمة للنساء المسلمات المحجبات في بريطانيا وخارجها.
وتعي رافيا أرشد، القاضية في محكمة شؤون الأسرة، رمزية ما حققته من إنجاز، ولهذا فهي تخرجه من إطار المجد الشخصي، وتضعه في سياق إلهام النساء المسلمات، ومنحهن الأمل في إمكانية النجاح في مسارهن المهني بغض النظر عن ارتدائهن الحجاب من عدمه.
ومباشرة بعد قرار تعيينها وجهت القاضية المسلمة التي تمتلك 17 عاما من الخبرة القانونية، خطابها للنساء المنتميات للجالية المسلمة وللنساء بصفة عامة بأن لا يكترثن بالمظاهر ولا يعبأن بالملاحظات والنظرة للمرأة المحجبة وحتى غير المحجبة "فقط اكسري كل القوالب والصور النمطية وحققي حملك وهدفك".
عمدة محجبة
وتعتبر راقية إسماعيل أول سيدة محجبة من أصول صومالية تصل لمنصب عمدة منطقة إزلنغتون شمال العاصمة لندن، وذلك بعد سبع سنوات من العمل في مجلس هذه المدينة، قبل أن تراكم خبرة وشعبية مكنتاها من تقلد منصب العمدة والمكلفة بكل المهام الشرفية في مدينتها.
وعلى غرار القاضية أرشد، فإن العمدة راقية إسماعيل، تؤكد أهمية الوصول لمثل هذه المناصب من أجل إلهام الأقلية المسلمة، وخصوصا المرأة المسلمة، ولا ترى في منصبها تشريفا شخصيا بقدر ما هو جسر للربط بين المرأة المسلمة والمحجبة وبين المجتمع.
وبالنظر لخبرتها في العمل التطوعي، لمدة 20 عاما، فقد تبنت العمدة منذ وصولها لمنصبها قبل عامين، سياسة صارمة في مساعدة المحتاجين، خصوصا أن الأقليات المهاجرة ولا سيما من ذوي البشرة السمراء تعيش ظروفا معيشية صعبة في بريطانيا، كما كانت من أشد المدافعين عن المهاجرين واللاجئين، وتصف نفسها بأنها "صوت من لا صوت له".
وتتذكر راقية بكثير من التأثر كيف أنها أصبحت تحضر حفلات الحصول على الجنسية وتقلدها المواطنين البريطانيين الجدد. وبعد أن وصل والداها إلى بريطانيا كلاجئين، ها هي اليوم تصبح عمدة وتشرف على حفل الحصول على جواز السفر البريطاني.
وتعتبر العمدة البريطانية أن أهمية أن تتولى سيدة مثلها منصبا قياديا، بالنظر لانتمائها للأقلية المسلمة وأيضا لكونها من ذوي البشرة السمراء، يجعلها تساهم في صنع القرار "عوض أن يتم اتخاذ القرار وتشريع القوانين من قبل أشخاص لا يعرفون أي شيء عن حياتنا"، بحسب قولها.
الحجاب والشرطة
ربما قد يفاجأ البعض عندما يعلم أن الشرطة البريطانية في بعض المناطق ومنها "ويست ميدلاندس" قد سبق وناقشت إمكانية السماح بارتداء النقاب بين صفوفها، لكن المطلب سرعان ما تم التخلي عنه عام 2017، وهذا مثال عن النقاش المتقدم في بريطانيا مقارنة بالدول الأوروبية الأخرى.
أما فيما يتعلق بالحجاب، فإن الشرطة البريطانية اتخذت قرارا باعتماد الحجاب، كزي مسموح به في صفوفها، بل إن بعض مراكز الشرطة قامت باعتماد أزياء تتماشى مع المعتقد الإسلامي ومع ما يجعل الشرطية المحجبة مرتاحة أثناء أداء عملها، كما أن الحكومة الأسكتلندية اعترفت بالحجاب من ضمن الأزياء الرسمية للشرطة.
الاندماج في المجتمع البريطاني
وترى رغد التكريتي رئيسة الرابطة الإسلامية في بريطانيا أن وضعية المرأة المسلمة بصفة عامة جيدة مقارنة بدول أخرى خصوصا في فرنسا، مضيفة أن التحديات لا تزال كثيرة للوصول للمناصب العليا.
ودعت رغد إلى السعي للحفاظ على المكتسبات التي حققتها المرأة المسلمة والدفاع عنها، وعدم التراخي بالقول إن وضعية المرأة المحجبة في بريطانيا أفضل بكثير من نظيرتها في دول أوروبية أخرى.
وفسرت قدرة أبناء الأقلية المسلمة خصوصا من النساء، على اختراق بعض الوظائف المهمة بطبيعة الأقلية المسلمة في بريطانيا "التي نجحت في الاندماج في المجتمع البريطاني منذ ستينيات القرن الماضي، ولم تعش بشكل منعزل بل تفاعلت مع المجتمع وأصبحت جزءا منه".