بالفيديو-أنامل مبدعة من المغرب وتشيلي.. حديث نسائي حضاري بمراكش
عبد الغني بلوط-مراكش
قرب منسج تقليدي، تتبادل فيليبا ونجاة نظرات ود وإعجاب قبل أن تنخرطا في عمل مشترك لنسج قطعة ثوب صغيرة.
تطوعان خيوط الصوف الناعم بين أناملهما في تناغم تام، كأنهما صديقتان قديمتان في حين لم يمر على لقائهما سوى سويعات قليلات.
تقول نجاة السعداوي رئيسة تعاونية للنسيج بإقليم الحوز في ضواحي مراكش للجزيرة نت "عشت لحظات إنسانية جميلة وأنا أتحدث إلى نساء قدمن من الضفة الأخرى ليشاركنني متعة العمل اليدوي المبدع".

التلاقي الحضاري
في لقاء عفوي بمعرض الصناعة التقليدية بمدينة مراكش، جسدت كل من النساجة المغربية نجاة والنساجة التشيلية فيليبا وزميلاتها كل معاني التلاقي الحضاري.
جلسن يكتشفن القواسم الثقافية والإبداعية المشتركة للضفتين في مجال الأدوات والتقنيات المستعملة في مجالهن، ويتبادلن أيضا أحاديث نسائية حول آمالهن وطموحاتهن وشغفهن بالمهن اليدوية وما يضفيه على حياتهن من رونق وجمال.
يقول الأستاذ والمترجم المغربي سمير مودي للجزيرة نت إن هذا التقارب تجسيد لكونية الصناعة والحرف التقليدية باعتبارها تعبيرا فنيا مشتركا بين كل الشعوب.

النساء يصنعن الجمال
ترسم نجاة ابتسامة مشرقة وهي تتلمس طريقة صنع صائدة أحلام بواسطة "شعر الحصان" المتين، في حين تبدو فيليبا وهي تغازل الصوف المغربي، مثل طفلة وجدت لعبة محبوبة في ركن قصي من البيت. تنظران مرة أولى إلى زربية (سجادة يدوية) مغربية بألوان زاهية ومرة أخرى إلى شال صوفي لاتيني مطرز بجمال ظاهر.
تقول السيدة فيليبا ذات الملاح الأصيلة لسكان أميركا الجنوبية للجزيرة نت بكلمات إسبانية ممزوجة بلهجة محلية (الأيمارا) من أقصى شمال الشيلي وهي تنظر إلى المترجم لتتأكد من فهمه لكلماتها "سعيدة جدا لاكتشافي عالما جديدا، في كل مرة يزيد يقيني أن المرأة قادرة على صنع الجمال من أي مكان جاءت وأينما حلت".

أثواب "الأيمارا" تقي البرد القارس
حين تتحدث نجاة وفيليبا تبدوان كأنهما نهلتا من منبع واحد، تذكر الأولى التي بدأت تعلم حرفتها في سن صغيرة جدا بدار سي سعيد (منزل أثري تحول إلى متحف) أن ألوان كل قطعة قماش تنسجه سيدة مغربية قد يعكس مزاجها.
في حين تقول فيليبا التي امتهنت النسيج منذ أكثر من 45 سنة، إن أثواب "الأيمارا"، تقي في الغالب من البرد القارس، لكنها تحمل رسائل وإشارات تقليدية تغني عن الكلام في مواقع شتى.
ويلاحظ سمير مودي المهتم بثقافة وأدب إسبانيا وأميركا اللاتينية أن هذا المشترك بين الثقافات يمكن من دعم الحوار بين الحضارات، معتبرا أنه نوع من لغات التعبير التي تتجاوز الكلمات فتلجأ للون والمادة والزخرفة كوسائط تعبيرية تلعب دور الوسيط الحضاري بين شعوب يبدو للوهلة الأولى أنها لا تمت لبعضها البعض بأية صلة.

فخار الكنز الإنساني الحي
لم يكن حديث الشجن عن النسيج وحده ما أدفأ هؤلاء النسوة ذات مساء بارد من أواخر أيام يناير/كانون الثاني الماضي، فالتأمل في قطع الفخار الأسود الموضوعة بعناية فوق الرفوف منحتهن أيضا شعورا بالرضا والأمان.
وتقول السيدة مونيكا بينيكاس المنحدرة من مدينة كينشمالي الصغيرة في وسط جنوب الشيلي "قد تختلف التقنية التقليدية لصنع الخزف التقليدي، لكن يبقى الكثير من تفاصيل العمل اليدوي متشابهة".
وتضيف رئيسة اتحاد الصناع التقليديين المحليين، والمصنف في خانة "الكنز الإنساني الحي" منذ سنة 2014 للجزيرة نت "أربعون سنة من ملامسة الطين وزخرفته، تجعلني أجد قواسم مشتركة بين صناعته في المغرب وتشيلي".

الانفتاح الثقافي
تأتي مشاركة السيدات التشيليات في معرض مراكش في إطار الانفتاح الثقافي للمغرب على الثقافات الأخرى. ومن يتابع ذلك اللقاء العفوي يلاحظ أن المسافة بين البلدين العريقين لا تمنع أن تكون هناك نقط تقاطع وتشابه بين الحرف التقليدية في الضفتين، وخاصة في صناعة الفخار والنسيج.
ويضيف الأكاديمي سمير مودي "تبقى الحرف والصناعة التقليدية على اختلاف قاراتها وأنماط عيش أهلها ولغاتهم، تعبيرا عن الارتباط بالأرض من خلال استعمال مواد طبيعية، وبالعادات، ما دامت القطع التي تبدعها يد الصانع والصانعة تدخل ضمن الاستعمالات اليومية للبلد.

تحف لغة القلب
بينما يتابع بعض ضيوف المعرض حديث النساء وانسجامهن باهتمام بالغ، تضيف نجاة بثقة ظاهرة "بينما يعمل المهندس بعقله، تجد الصانع التقليدي في كل أنحاء العالم ينجز بقلبه وروحه ويضع بصمته في كل قطعة لتغدو تحفة فنية".
تستمر نجاة في نسج عقد ناظمة قبل أن تتابع "في ورشتنا تحدثنا بلغة لسان مختلفة، لكن لغة القلب ترجمت كل معاني الإنسانية التي تحملها كل واحدة منا".
تبدو النساء منسجمات إلى حد بعيد، لا يردن فراقا، عناق حار في نهاية الورشة وكؤوس شاي بعثت الأمل في لقاء قريب لمتابعة حديث نسائي حضاري لا ينتهي.
