برنامج مغربي للمتكفلين بالنساء ضحايا العنف.. هل يسهم في كبح الظاهرة؟

"كنت أريد على الأقل من يسمعني، كان الطريق أمامي مظلما، أسير دون وجهة لا أعرف أين أضع رجلي يمينا أو يسارا، احتجت لمن يتفهم وضعي دون أن يحكم علي، ودون أن يقول اصبري، فقد صبرت أكثر من اللازم وانقضى وسع تحملي".
هذا بعض مما حكت للجزيرة نت سلمى نور (اسم مستعار لمغربية في الثلاثينات وأم لطفلتين دون السادسة) حيث تعرضت لجميع أشكال التعنيف من قبل زوجها لفترة طويلة: ضرب وشتم وتجريح ومنع من زيارة الأهل وحبس بالبيت.
الحاجة للدعم واستعادة التوازن
يقول فيصل الطهاري، أخصائي علم نفس إكلينيكي ومعالج نفسي، إن العنف الذي يمكن أن تتعرض له المرأة بمختلف أشكاله يعد إحدى الصدمات النفسية التي تتلقاها المرأة في حياتها، والخروج منها يستدعي قوة وإرادة نفسية واستعادة توازن.
ويشير، في حديث مع الجزيرة نت، إلى أن الأذى النفسي الناتج عن العنف يمكن أن يستمر على المدى المتوسط والبعيد، وقد يظهر في شكل اكتئاب أو قلق، وقد يؤدي للتفكير في الانتحار أو الإقدام عليه.

وجاء في دراسة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي (مؤسسة عمومية استشارية) أن العنف ضد الفتيات والنساء بالمغرب ظاهرة متفشية على نطاق واسع. عام 2019 تعرضت 7.6 ملايين امرأة من أصل 13.4 مليونا أعمارهن بين 15 و74 سنة لشكل واحد على الأقل من أشكال العنف، أي ما يمثل 57% من النساء.
ويعتبر البيت عموما أكبر فضاء يشهد العنف، بمعدل انتشار يبلغ 52%، وهو ما يمثل 6.1 ملايين امرأة.
وتحتاج المعنفة، حسب الطهاري، للإنصاف القانوني (أي أن المعتدى يأخذ جزاءه) ووقف العنف خصوصا في حالة العنف الزوجي أو داخل الاسرة، والدعم النفسي من قبل المحيط الأسري والأصدقاء.
ويؤكد الطهاري الحاجة لتدخل الأخصائيين النفسيين، وفي بعض الأحيان الحاجة للمعالج النفسي للتمكن من إرجاع التوازن والاندماج مرة أخرى في حياة عادية.
ويعتبر أن إعادة الاستقرار النفسي للمعنفة تمكنها من اتخاذ باقي الخطوات كالتمكين الاقتصادي والدمج والترافع.
من جهتها تؤكد رجاء أحمين (33 سنة) مساعدة اجتماعية، ومنسقة مراكز الاستماع للنساء ضحايا العنف، أن المرأة المعنفة تحتاج للدعم النفسي بالدرجة الأولى.
وتوضح، للجزيرة نت، كيف تصل المعنفات لمركز الاستماع، وكيف تصاب بعضهن بهيستريا البكاء، وحدثتنا عن الحالة غير المستقرة التي تصل بها النساء نتيجة فقد الثقة بالنفس وفي المحيط.
الحاجة للتخصص
قررت سلمى (شاهدة حكايتنا) ذات يوم مغادرة البيت رفقة بناتها، وطلب الدعم من جمعية متخصصة في التكفل والاستماع والمواكبة.
تقول بسخرية من اجتاز محنة وبقيت مرارتها "فضل الجمعية عليّ كبير، بمساعدة أخصائية نفسية اليوم أنا مختلفة كثيرا عما كنت، عدت أقدر نفسي، وكنت قد اعتدت المهانة والتجريح والشتم، عادت البسمة لمحياي، وعدت أمشط شعري وأعتني بهندامي".
ويلعب المجتمع المدني دورا أساسيا في مرافقة النساء ضحايا العنف، وأحيانا يغيب التخصص، ويحضر متطوعون للإنصات للنساء، بهدف ملء استمارات وتجميع معطيات. ويسجل الطهاري أن إعادة سرد الأحداث، أحيانا قد لا تكون مطلوبة، وإذا لم يكن سبقها استعداد نفسي قد تصبح مؤذية. ويشدد على أن الإنصات ليس علاجا، إذا لم يكتمل بمرحلة التوجيه للمتخصصين.
وقال الطهاري إن الاشتغال في هذا المجال يحتاج إلى التكوين (التدريب) والتخصص، وعدم الاقتصار على جمع البيانات لتقديمها للترافع.
مسار تدريبي
وتؤكد المتخصصة الاجتماعية رجاء أحمين أن الحاجة للتكوين (التدريب) دائما موجودة، وتقول إن العنف يتطور، والتكوين على القوانين وتعزير الممارسات الفضلى لخلايا التكفل ضرورة.
وأطلقت وزارة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة، في ديسمبر/كانون الأول الجاري، برنامجا تحت اسم "تكفل" لتدريب العاملين المتكفلين بالمعنفات. ويمتد البرنامج على مدى 3 سنوات لفائدة الفضاءات متعددة الوظائف والجمعيات ومراكز الاستماع.
وأكدت وزيرة التضامن والمساواة والأسرة جميلة المصلي، حسب بيان الوزارة، أن برنامج التكوين شامل وطموح يستدعي العمل بكل عمق إنساني ومصداقية وجدية لازمة لضمان نجاحه.
ويشرف على برنامج "تكفل" فريق من الخبراء، يعمل على مد المشاركات والمشاركين بمجموعة من المعارف والأدوات التطبيقية اللازمة لحسن تملك المقاربات والقوانين الجديدة المنظمة لعملهم، لتقديم خدمة ذات جودة وأثر على وضعية النساء.
وقالت الوزيرة، حسب البيان، "نحن في حاجة إلى كفاءات تواكب الصعوبات المستجدة في مجال التكفل بالنساء في وضعية صعبة، لإيجاد الحلول المناسبة في إطار الوساطة الاجتماعية".

لا يزال سلوكا مقبولا
وكانت السلطات قد اعتمدت عدة إستراتيجيات وبرامج ومخططات متتالية لمحاربة العنف ضد النساء منذ سنة 2002، وأقرت إطارا قانونيا خاصا وهو القانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، ودخل حيز التنفيذ منذ 2018، لكن المجلس الاقتصادي والاجتماعي (مؤسسة استشارية رسمية) يرى أن كل هذه الإجراءات لم يكن لها وقع ملموس على الجهود الرامية لتقليص حدة هذه الظاهرة والقضاء عليها.
وحسب المندوبية السامية للتخطيط (مؤسسة عمومية مكلفة بالإحصاء) يتبين أن العنف لا يزال سلوكا مقبولا، بل هو مبرر، إذ تعتبر حوالي 38% من النساء و40% من الرجال أن تحمل المرأة للعنف الزوجي مقبول للحفاظ على استقرار الأسرة، ويرى 21% من النساء و25% من الرجال أن من حق الزوج ضرب زوجته وتعنيفها، في حال خروجها من البيت دون إذنه.
ويبقى الاشتغال على التنشئة الاجتماعية، والتوعية عبر الإعلام من مداخل محاصرة الظاهرة، فهل يسهم تكوين العاملين في التخفيف من آثار العنف المبني على النوع، والحد من انتشاره؟
أما سلمى نور فتحرض النساء كافة لعدم السكوت على العنف والإفصاح والتبليغ، قائلة "لا تخافي، الرزق بيد الله، لا تقبلي بالعنف كيفما كان".