فلسطينية فازت بجائزة أميركية.. رنا زيادة المعلمة الغزية التي ألهمت العالم
توجت المعلمة الفلسطينية رنا زيادة مسيرة 16 عاما في التعليم باختيارها من "مؤسسة المرأة العالمية" في الولايات المتحدة الأميركية، ضمن 60 امرأة ملهمة على مستوى العالم.
لكن طموح المعلمة الأربعينية ليس له حدود، وقالت للجزيرة نت "أشعر بالفخر لاختياري إلى جانب نساء قياديات وملهمات في مجالات مختلفة، وسأواصل العمل حتى يكون للفتاة الفلسطينية دورها الريادي والطليعي".
وخلال حصتها الدراسية في "مدرسة الزهراء الثانوية للبنات" شرق غزة، حضرت الجزيرة نت جانبا منها، بدت رنا زيادة متفاعلة مع طالباتها، وتجتهد في تبسيط القواعد الحسابية، وقد ارتسمت على وجهها ابتسامة فيما حرصت على توزيع نظراتها في أرجاء الفصل وإظهار الاهتمام بكل طالبة.
تقول زيادة "الرياضيات ليست لغة أرقام جامدة، إنها أم العلوم، ومن يتقن الرياضيات يبدع في جميع العلوم الأخرى؛ لكن ذلك بحاجة إلى معلم يتمتع بعلاقة إنسانية قوية مع طلبته، ويكسب ثقتهم، قبل قدراته التدريسية".
بداية الحكاية
ورثت رنا حب مهنة التعليم عن والدها الذي عمل معلما لسنوات طويلة في الجزائر، التي شهدت مولد رنا، قبل عودة الأسرة إلى غزة في منتصف التسعينيات من القرن الماضي.
كانت رنا ترى مدى الحب الذي يبديه الطلبة لوالدها واحترامهم له، فكان ذلك دافعها للسير على خطاه، فتخصصت في الرياضيات، والتحقت بسلك التعليم.
ولم تشأ رنا أن تكون معلمة تقليدية، ومنذ بداياتها الأولى في التعليم حرصت على التميز، من خلال ابتكار أساليب إبداعية لتبسيط القواعد الحسابية، وزرع حب الرياضيات في نفوس طالباتها.
تقول رنا "كثيرون يتساءلون ماذا نستفيد من الرياضيات، ويجدون صعوبة في تعلمها وفهمها؛ لكن إذا تم ربط الرياضيات بالحياة، وتطبيق قواعدها لحل المشكلات الحياتية، تصبح المادة جميلة وجذابة".
مسيرة نجاح
وإلى جانب إبداعها في مسيرتها التعليمية، أرادت رنا تطوير نفسها بحصولها على درجة الماجستير في مناهج وطرق تدريس الرياضيات، وقد حازت خلال هذه المسيرة الطويلة على الكثير من الجوائز التقديرية.
وتقول "الجوائز ليست هدفا؛ لكنها تشجع على مواصلة النجاح، وبذل كل جهد لخدمة المجتمع".
وحازت رنا عام 2015 على جائزتي فلسطين للإبداع والبحث التربوي، والمركز الأول في مسابقة إلهام فلسطين، وعام 2017 فازت بلقب المعلم الأول على مستوى فلسطين، إضافة إلى فوزها في العام نفسه بمسابقة "مبادرتي" التي أطلقتها وزارة التربية والتعليم في غزة.
كما اختيرت العام الماضي ضمن أفضل 50 معلما حول العالم من قبل "مؤسسة فاركي" (Varkey Foundation) في بريطانيا، الشريكة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" (UNESCO)، إضافة لفوزها في العام نفسه بجائزة مؤسسة التعاون الدولية على مستوى فلسطين.
قصة ملهمة
وتشعر رنا بكثير من الفخر والرضا بما قدمته خلال مسيرتها في التعليم، وترى في هذه الجوائز التي حصلت عليها تقديرا لها، وتشجيعا لغيرها من المعلمين والمعلمات لبذل كل جهد من أجل الارتقاء بالتعليم وبمستوى الطالب الفلسطيني.
وقالت "اختياري كامرأة فلسطينية ملهمة، إلى جانب رئيستي دولتين، ورائدة فضاء، وعضو في منظمة الأمم المتحدة للمرأة، ليس تكريما لي وحسب، وإنما شهادة تقدير للمعلمين الفلسطينيين، الذين يعملون وسط ظروف صعبة وقاسية بسبب الاحتلال والحصار".
وبخصوص طريقة اختيارها من ضمن الملهمات حول العالم، أوضحت رنا أن الاختيار لا يتم عن طريق التقديم أو الترشيح؛ لكن بمتابعة الأعمال والأنشطة لفترة طويلة.
ولم تتوقف رنا عن التواصل مع طالباتها خلال الشهور الماضية منذ تفشي جائحة كورونا، وتعطل المدارس والمسيرة التعليمية، وابتكرت طرقا إبداعية حرصا منها على عدم انقطاع الطالبات عن التعليم كليا.
ولم يقتصر عطاء رنا على طالباتها فقط، وبادرت إلى إطلاق مشروع تزويد 50 طفلا من أسر فقيرة لا تتوفر لديهم وسائل اتصال وإنترنت، بأوراق عمل أوصلتها لهم إلى المنازل عبر طالبات متطوعات يتابعن معها؛ من أجل الحفاظ على استمرارهم في التعليم خلال أزمة كورونا.
وتعتقد رنا أن تجربتها خلال أزمة كورونا، واهتمام مؤسسات دولية أبرزها وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" (UNRWA) بمبادراتها، دفعت مؤسسة المرأة العالمية إلى متابعتها بصمت، وكانت أبرز أسباب اختيارها من بين النساء الملهمات عبر العالم.
إنجازات ونجاحات
كانت مبادرات رنا الذاتية خلال أزمة جائحة كورونا استكمالا لمسيرة طويلة من الإبداع، وهي ترى أن هذه الجائحة ليست أسوأ ما مر به الشعب الفلسطيني، الذي يعاني الويلات منذ عقود تحت الاحتلال.
وقالت رنا، التي تعرض منزلها للقصف والتدمير خلال الحرب الإسرائيلية الأولى على غزة عام 2008، "الظروف الصعبة يجب ألا تشكل عائقا أمام مسيرة التعليم والإبداع، والشعب الفلسطيني من أكثر شعوب العالم إيمانا بأهمية التعليم، ومن أشدهم حاجة له، وهذا ما يفسر تميز الطالب الفلسطيني في كل مكان".
رنا، وهي متزوجة ولديها 4 أبناء، تقول إنها تأمل أن تجد مردود ما تبذله من جهد في أبنائها، وأن يجدوا من يهتم بهم في مسيرتهم التعليمية.
وتكرس رنا حياتها من أجل الارتقاء بمستوى التعليم، وخصوصا تعليم مادة الرياضيات، وقد نجحت في ابتكار أسلوب تدريس نوعي يعتمد على الرحلات المعرفية لطالبات المرحلة الثانوية، وأطلقت موقعا إلكترونيا تفاعليا يحتوي على أقسام متنوعة تربط الرياضيات بالعلوم الأخرى، وتتفاعل مع طلبتها والمهتمين من خلال "فصول دراسية افتراضية" بالتعليم الإلكتروني عن بعد، وتختبر مدى استفادتهم بالأسئلة والاختبارات.
طموح
تقول رنا إن أحلامها وتطلعاتها ليست شخصية، وإن كانت تأمل بأن تنال لقب "أفضل معلمة في العالم"؛ لكن هذا ليس الغاية، وإنما تتطلع إلى اليوم الذي تأخذ فيه المرأة الفلسطينية دورها الذي تستحقه في طليعة المجتمع، وأن تتصدر مواقع القيادة إلى جانب الرجل.
رنا، التي ترأس "مركز فلسطين لصناعة العقول"، لا تعتبر نفسها معلمة رياضيات فقط؛ بل تتعامل مع طالباتها كموجهة ومرشدة لهن، وقد ظهر تأثيرها على الكثيرات منهن.
ريم داود وأماني يونس طالبتان لدى رنا، وقد بدا تأثرهما كبيرا بمعلمتهما، قالتا للجزيرة نت "مع الأستاذة رنا الرياضيات ليست عقدة، وحتى الحياة أصبحت أسهل وأجمل، وكل يوم تزرع فينا الأمل والإصرار على النجاح والإبداع".