زجاجات الرضاعة الصناعية تهدد صحة طفلك.. إليك طريقة التعقيم المثالية
اكتشف فريق من الباحثين في جامعة "دبلن" (Dublin) أن زجاجات الرضاعة المصنوعة من مادة "البولي بروبيلين" (Polipropilen) تُفرز جزيئات بلاستيكية دقيقة بكميات هائلة، ويرى الخبراء ضرورة إجراء بحوث إضافية لمعرفة مدى خطورة تلك الجزيئات على صحّة الرضّع.
وفي تقرير نشرته مجلة "لو نوفيل أوبسرفاتور" (Nouvelobs) الفرنسية، سلّط الكاتب جان بول فريتز الضوء على هذه الدراسة التي أظهرت أن الخطر لا يأتي فقط من زجاجات الرضاعة، بل أيضا من المايكرويف وغلايات الماء ومضخات الرضاعة الطبيعية.
ويقول البروفيسور ليوين شياو -أحد أعضاء فريق البحث- "الدراسة التي قمنا بها تشير إلى أن الاستخدام اليومي للمنتجات البلاستيكية مصدر مهم لانبعاث جزيئات البلاستيك الدقيقة، وهو ما يجعلنا معرضين لهذه الجزيئات أكثر مما كنا نعتقد في السابق".
ويؤكد فريق الباحثين بقيادة الدكتور دونزو لي أنّ "الأطفال يتعرضون للمواد البلاستيكية الدقيقة عند استهلاك الحليب المجفف في زجاجات البولي بروبيلين. وهذا النوع من البلاستيك هو المكوّن الأساس لـ82.5% من الزجاجات ومنتجات الأطفال الأخرى على غرار اللهايات المتاحة على الإنترنت".
ولتحديد كمية المواد البلاستيكية الدقيقة التي يمتصها الأطفال في عامهم الأول استخدم دونزو لي وزملاؤه 10 زجاجات معروضة عبر الإنترنت من 48 منطقة في مختلف أنحاء العالم.
واعتمد الفريق على توصيات منظمة الصحة العالمية بشأن استخدام الزجاجات، ومنها طريقة تنظيف الزجاجة وتعقيمها، وطريقة تحضير الحليب، ثم قارنوا النتائج بما مثّل نسبة العائلات التي تعتمد على الزجاجات في إرضاع الأطفال، وكميات الحليب المستهلكة، وذلك للخروج بنتائج دقيقة عن مدى تعرض الأطفال لتلك الجسيمات في أول 12 شهرا.
أوروبا على رأس القائمة
توصّل الباحثون إلى أنه يمكن تقليل خطر الجزيئات بنسبة 30% بواسطة تغيير طريقة غسل الزجاجات، كما لاحظوا تباينا في عدد الجزيئات التي تطلقها الزجاجات وفق شكل الزجاجة، وأدنى مستوى تم قياسه بلغ أكثر من 640 ألف جزيء في كل لتر حليب.
أما بالنسبة للكميات التي يمتصها الأطفال، فقد كشفت النتائج عن أنّ متوسط الامتصاص اليومي لكل طفل يقدر بـ1.58 مليون جزيء.
وحسب الدراسة، فإن الأطفال في أوروبا هم الأكثر تضررا بـ2.61 مليون جزيء يوميا، حيث يمتصّ الرضّع في كل من فرنسا وبلجيكا 4 ملايين جزيء، ويبلغ المعدل في المملكة المتحدة وهولندا وبولندا وإيطاليا 3 ملايين جزيء. وفي أفريقيا بلغ المعدل 527 ألف جزيء، وفي آسيا 893 ألف جزيء، وفي أميركا الجنوبية 1.01 مليون جزيء، وفي أميركا الشمالية 2.28 مليون جزيء.
ويقول البروفيسور دونزو لي إنه "خلال اليوم الأول بعد الولادة يمكن أن يستهلك الطفل ما ييبلغ 430 ألف جسيم، وبالنسبة للبلدان المتقدمة يستمر استهلاك الجسيمات الدقيقة في الزيادة شهرا بعد شهر، ليبلغ الحد الأقصى في الشهر الخامس والسادس.
ومن الشهر السادس إلى السابع ينخفض استهلاك الجسيمات الدقيقة بسبب انخفاض استهلاك الحليب المجفف، وإدماج الأطعمة في النظام الغذائي. ومع ذلك، بحلول نهاية السنة الأولى يزداد التعرض للجسيمات بالعودة إلى استعمال الزجاجة عند عودة الأمهات المرضعات إلى العمل".
ويقول الباحثون إنهم اكتشفوا أن "التعقيم وتسخين الماء بدرجات عالية يزيد جدا من انتشار اللدائن الدقيقة". وقد لاحظوا على سبيل المثال أن هناك فرقا هائلا بين تسخين الماء عند 25 درجة مئوية و95 درجة، إذ تزيد كمية الجزيئات من 600 ألف إلى 55 مليون جزيء في كل لتر. كما أن تحريك الزجاجة قبل الرضاعة يؤدي إلى إطلاق مزيد من الجزيئات.
الخطر لا يأتي فقط من الزجاجات
وحسب الدراسة، لا تنبعث الجسيمات من الزجاجات فقط، بل أيضا من غلايات الماء الكهربائية التي يستخدمها البعض لتسخين المياه.
وفي هذا السياق، أشار فريق الباحثين إلى أن اختبارات أُجريت على 3 غلايات من ماركات مختلفة في بريطانيا، أظهرت انبعاث نحو 10 ملايين جزيء من البولي بروبلين في اللتر الواحد إثر كل عملية تسخين. وهذا هو الحد الأدنى فقط، لأنه من الشائع عدم تنظيف الغلاية بعد كل استخدام، ومن ثم يمكن أن تتراكم الجزيئات الدقيقة.
كما أظهرت الدراسة "أن التسخين في المايكرويف يمكن أن يزيد انبعاث الجسيمات الدقيقة جدا بسبب غليان الماء".
ولا تُعدّ مضخات الرضاعة الطبيعية آمنة بنسبة 100%، لأنها تكون غالبا مصنوعة من مادة البولي بروبيلين، ويمكن أن تتسبب أيضا في إطلاق الجسيمات الدقيقة أثناء التنظيف والتعقيم.
ويؤكد الباحثون أنه بسبب ما كشفته الدراسة من انبعاث الجزيئات البلاستيكية الدقيقة بكميات كبيرة من كل المنتجات المصنوعة من مادة البولي بروبيلين (زجاجات الأطفال، والغلايات، وصناديق حفظ الطعام، وعلب المكرونة)، فإن هناك حاجة ملحة للبحث عن حلول تكنولوجية جديدة.
كيف نقلل المخاطر؟
يشير البروفيسور جون بولاند -أحد مؤلفي الدراسة- إلى أن نتائج الاختبارات أظهرت حجم المخاطر التي لا يمكن تجاهلها.
ويضيف "لم نكن نرغب في تحذير الآباء دون دليل، خاصة إذا لم يكن لدينا ما يكفي من معطيات عن العواقب المحتملة للجسيمات البلاستيكية الدقيقة على صحة الأطفال. وندعو المسؤولين السياسيين إلى إعادة تقييم القواعد الحالية المتعلقة بإعداد الوصفات عند استخدام الزجاجات البلاستيكية".
وتابع "وجدنا أنه من الممكن تقليل مخاطر الجسيمات البلاستيكية الدقيقة عن طريق تغيير عادات التعقيم وإعداد الحليب".
ووفقا للدراسة، يجب أن تنظّف الزجاجة بمعدل 3 مرات على الأقل يوميا بالماء المغلي في وعاء غير مصنوع من مادة البولي بروبيلين. كما يجب غلي الماء المستخدم في تحضير الحليب في وعاء غير بلاستيكي، وتركه ليبرد في درجة حرارة الغرفة قبل وضعه في "زجاجة بلاستيكية عالية الجودة".
كما يوصي الباحثون أيضا بعدم رجّ الخليط بقوة في الزجاجة، أو إعادة تسخينه في البلاستيك.
الحاجة إلى بحوث إضافية
يؤكد الكاتب أن خطورة الجسيمات البلاستيكية الدقيقة من المسائل المطروحة بإلحاح في أوساط الخبراء والباحثين، ولا يتعلق الأمر بالأطفال فقط.
وفي هذا الشأن، يقول الدكتور فيليب شابل الذي أشرف على دراسة أجريت عام 2018 توضح وجود جزيئات بلاستيكية في البراز البشري "تبدو مستويات التعرض للجزيئات الدقيقة في الدراسة مثيرة للقلق، لكن حجم تأثيرها على صحة الرضّع يتطلب القيام بأبحاث إضافية، حيث لا يزال هناك كثير مما لا نعرفه عن تأثير الجسيمات البلاستيكية الميكروية والنانوية على صحة الإنسان".
ويوضح الكاتب أن الدراسات العملية المتاحة حاليا أُجريت غالبا على الحيوانات، وقد أظهرت أضرارا تسببها الجسيمات النانوية البلاستيكية على الأسماك مثل تلف الدماغ والاضطرابات السلوكية.
وأظهرت دراسات أخرى أجريت على الفئران وجود مشاكل في القناة الهضمية، أو خلل في طريقة استقلاب الكبد للدهون. لكن وفقا للكاتب فإنه بالنسبة للبشر، لا يزال هناك العديد من التساؤلات المطروحة.
وفي انتظار أن تُظهر الأبحاث مزيدا من النتائج الموثوق بها علميا، يقول مؤلفو الدراسة الأيرلندية إنه "يجب القيام فورا بتقييم المخاطر المحتملة للجسيمات الدقيقة، والجسيمات النانوية على صحة الإنسان، وتطوير تقنيات تصنيع البلاستيك التي تولّد منتجات لا تتحلل بسهولة في الماء أو في البيئة".