مبادرة الاحتضان.. هل تحل "ليلى" أزمة التبني المشروط؟

كيف تربي طفلا ذكيا وناجحا وسعيدا؟ (فري بيك)
مبادرة الاحتضان في مصر تفتح بابا لكفالة اليتيم داخل الأسرة (بيكسابي)

شيماء عبد الله-القاهرة

"أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين، وأشار بإصبعيه، يعني السبابة والوسطى"، هذا الحديث النبوي الشريف فتح بابا أغلقته من بعده الأعراف.

وهي صورة ذهنية دعمتها الدراما عن الأبناء المحتضنين والمكفولين عائليا، وبنت جسورا هائلة من التخوفات لدى كثيرين، حيث ترسخت المفاهيم الرافضة لاحتضان الأطفال، وتأثيره على مستقبل العائلات المحتضنة، وكيف تتحول كلمة يتيم أو مجهول النسب إلى علامة لا تزول من دفتر حياة طفل لم يرتكب جرما ولم يتسبب في أذى.

لكن مبادرة جديدة بدأ صداها في الانتشار في مصر، ترتكز على عودة فكرة الاحتضان العائلي وكفالة الأيتام داخل بيوت العائلات.

فروق
فرق واضح بين التبني الذي حرمه الدين الإسلامي وبين الاحتضان والكفالة. فمفهوم الكفالة، الذي انتشر منذ أوائل الألفية الثانية كبديل عن التبني، كان قائما على الكفالة المادية للطفل في مكانه، وزيارات متقطعة من أجل الدعم النفسي.

أما مفهوم الاحتضان، الذي تبنت مبادرة "الاحتضان في مصر" عودته من جديد للأسر العربية والمصرية على وجه الخصوص من خلال مؤسسة المبادرة يمنى دحروج، فهو يقوم على تربية الطفل داخل منزل العائلة، والتكفل به ماديا ومعنويا ومعاملته كطفل ينتمي للأسرة، مع الاحتفاظ فقط باسم والديه الأصليين ونسبه العائلي.

وعند السن المناسبة، وتحت إشراف نفسي، تشرح الأسرة المحتضنة أسباب اختلاف اسم الأب والأم المربيين عن تلك الأسماء المدونة في أوراقه الرسمية.

"ليلى" تقلب الموازين
"ليلى" الفتاة التي أتمت عامها الأول، كان انضمامها لأسرة يمنى دحروج هو شرارة انطلاق المبادرة.

منذ عام 2015، فكرت الأسرة في احتضان طفل يتيم ليتربى مع الأسرة التي تعمل وتعيش في العاصمة السعودية الرياض.

وبدأت الفكرة بطلب الفتوى قدمته الأم المحتضنة لدار الإفتاء المصرية، تسأل عن مدى مشروعية فكرة الاحتضان، لا التبني، والمحاذير التي عليها اتباعها لكي لا تخالف الشرع.

جاءها الرد سريعا بأن عليها فقط الالتزام بعدم كتابة اسم الطفل باسمها، حتى لا تختلط الأنساب وتضيع الحقوق الشرعية، بالإضافة لالتزامها بحسن التربية والتكفل بالتنشئة وفقا للمعايير التربوية الإسلامية والمعاملة الحسنة لليتيم.

فرحت الأسرة بالرد، لكن السفر خارج مصر وقف عائقا أمام التنفيذ لأعوام متتالية، حتى استقرت الأسرة بمصر، فبدأت خطواتها الرسمية لاحتضان ليلى الطفلة الرضيعة التي توفيت عائلتها.

كان وجودها عاملا كبيرا في تحفيز عدد كبير من الأسر على البدء في تنفيذ فكرة الاحتضان، وتحوّل وسم # شكرا_ليلى على موقع فيسبوك إلى مظاهر حب للطفلة التي ساهمت في احتضان آخرين هم محمود وحمزة وآسر وأحمد.

شروط الاحتضان
للاحتضان شروط عدة نشرتها الصفحة الرسمية للمبادرة، بحسب وزارة التضامن المصرية، للموافقة على الاحتضان سواء للأسر أو المطلقات أو النساء اللاتي لم يسبق لهن الزواج، أهمها تشابه ديانة الأسرة مع الطفل، وأن يحملوا الجنسية المصرية.

ويجب على الأسرة المحتضنة أن تتوفر فيها مقومات النضج الأخلاقي الذي يثبته بحث اجتماعي تقوم به الإدارة المختصة.

ومن المقومات ألا تقل مدة الزواج عن ثلاث سنوات، يعفى منها من يثبت معاناته من عقم دائم، كما أن شرط السن له بعض الاستثناءات، تحددها اللجنة كذلك.

ثم إن خلو الصحيفة الجنائية للأسرة البديلة من أي تاريخ إجرامي يعد شرطا أساسيا للموافقة على الاحتضان، علاوة على ألا يزيد عدد أطفال الأسرة الأصليين عن اثنين، كما لا يسمح للأسرة برعاية أكثر من طفل، أو طفلين شقيقين بالأساس.

مقر إقامة الأسرة ودخلها، بالإضافة لوقتها وظروف عمل طرفيها، من العوامل المؤثرة في الموافقة على الاحتضان، لكي يسمح بتوفير بيئة ملائمة للطفل، مع تعهد الأسرة كتابةً بالحفاظ على نسب الطفل وحضور الدورة التدريبية التي تنظمها وزارة التضامن الاجتماعي لشرح أسس الكفالة.

ولم تكن الشروط التي نشرتها المبادرة، كافية للرد على سيل الأسئلة التي توالت من خلال الصفحة الرسمية عن الوقت المناسب لإبلاغ الطفل بحقيقة نسبه، والقبول بالمدارس، والتقبل العائلي والمجتمعي للطفل المحتضن، وإقناع الزوج بالفكرة، فضلا عن معاملة الأطفال الأصليين للأسرة للطفل المحتضَن. وجميعها أسئلة أجابت عنها دحروج في فيديوهات متتالية على صفحتها في فيسبوك لزيادة طمأنة الجمهور المستهدف ونشر الفكرة، وهو ما تم بالفعل، مع ازدياد حالات الاحتضان ونشرها عبر صفحتها.

تنمر العائلة الممتدة
مع زيادة التفاعل مع فكرة المجموعة، انتقلت مبادرة الاحتضان إلى الكويت والجزائر والمغرب والإمارات، ليس فقط لدعم الأسر المحتضنة، ولكن كذلك لدعم المحتضنين، فأنشأ شباب محتضنون، فوق 18 عاما، مجموعة على إنستغرام تخصصت في الدعم النفسي للمحتضنين لمساعدتهم على تخطي الأزمات النفسية الناتجة عن الاحتضان.

رسائل وشكاوى تصل للمجموعة، منهم من يشكو تنمر المجتمع، ومنهم من يبكي لتنمر العائلة بعد فقدانه لأبويه بالتبني، مثلما حدث مع إحدى الفتيات بعد وفاة أبيها وأمها بالكفالة، فلم تجد سوى البغض من عائلتها الكبرى التي كانت تتقبلها على مضض في حياة أبويها، وبعد رحيلهما لم يعد هناك ثمة دافع لبقاء الفتاة، فلم تجد مكانا تذهب إليه، إلا بعد أن اكتشفت أن أبويها قاما بتأمين حياتها المستقبلية بكتابة شقتهما باسمها كي لا تعود للشارع بعد وفاتهما.

وفي دراسة أجريت في جامعة مونت كلير حول تبني الأطفال وتأثيره على صحتهم النفسية، أظهرت النتائج أن سن ثلاث سنوات فيما بعد هو أفضل وقت لبدء إبلاغ الطفل تدريجيا بقصة احتضانه، وكلما تأخر الوقت كان الطفل أكثر عرضة لحدوث مشاكل نفسية في مرحلة البلوغ، وهناك بعض الحالات ربما تسعى بدوافع خفية للانتقام من أسرتها المتبناة بعد أن عرفت متأخرا حقيقة نشأتها.

المصدر : الجزيرة

إعلان