بين مؤيد ومعارض.. ماذا يعني قانون تجريم الطلاق بالثلاث للمسلمة بالهند؟

شمشاد حسين-نيودلهي
كان دكتور آفاق يناقش زوجته رافضا زواج ابنه الأكبر، الذي كان مصرا على الزواج من زميلته بالمكتب، حيث يعمل مهندس تخطيط، وعندما حاولت الأم إقناع زوجها قال لها باللغة المحلية، "أنت طالق، طالق، طالق".
ومهندس شاب من ولاية آندهرا براديش تزوج فتاة من اترا براديش بمديرية بهرائتش قبل ثلاث سنوات من واقعة الطلاق. وكانا يسافران بالقطار إلى بهرائتش والسفر يستغرق يومين تقريبا. وهما في طريقهما ثار الخلاف بينهما على أمر ما، فلفظ الزوج في لحظة الغضب "طالق، طالق، طالق"، حينها صدمت الزوجة واتصلت بأبيها وأخبرته عما جرى. ورجع الزوج لمحطة القطار بعدما تسلمها والدها.
الطلاق بالثلاث جريمة
وبدأت المفاوضات بين الأسرتين ليتراجع الزوج وقد أراد ذلك، ولكن أباه رفض، كونه يرى أنها لا تحل له حتى تنكح شخصا آخر فيطلقها وتنكح ابنه بعد، والبنت رفضت ذلك قائلة إنها تفضل الموت على ذلك.
وعندما جاء قانون خاص بقضية الطلاق بالثلاث الذي يجعل هذا النوع من الطلاق جريمة، اتصل بها الزوج وقال إنه سيأتي إليها ليأخذها إلى بيته.
والآن، لم يعد مسموحا لأحد أن يطلق زوجته ثلاثا في مجلس واحد، لأنه أصبح جريمة في نظر القانون، فقد أقر البرلمان الهندي في 30 يوليو/تموز الماضي مشروع قانون يحظر الطلاق بالثلاث في مجلس واحد، بل جعله جريمة جنائية يُعاقب من يرتكبها بالسجن ثلاث سنوات وغرامة مالية، كما أن هذا الطلاق سيعتبر ملغى وغير واقع.
وسيسري القانون بعد الموافقة الرسمية من رئيس الجمهورية والمرور بالإجراءات الرسمية الأخرى.
القانون الجديد يجرّم الطلاق بالثلاث، سواء كان الطلاق شفهيا أو خطيا أو من خلال رسالة نصية أو بالبريد الإلكتروني.
وعارض العلماء المسلمون هذا القانون من أول يوم، واعتبروه تدخلا في قانون الأحوال الشخصية للمسلمين، وبالتالي في الشريعة الإسلامية.

طلاق شاعرة بانو غيّر القانون
أصدرت المحكمة العليا بالهند حكمها في قضية شاعرة بانو يوم 22 أغسطس/آب 2017، مبينة أن الطلاق بالثلاث في مجلس واحد الذي يوصف "بالطلاق البدعي" لدى المذهب الحنفي السائد يعتبر مُلغى وغير واقع.
وكانت المدعية شاعرة بانو رفعت شكواها لدى المحكمة العليا لاعتبار طلاق زوجها لها ملغى، حيث طلقها زوجها رضوان أحمد يوم 10 أكتوبر/تشرين الأول 2015 ثلاثا بلفظ واحد، كونه ينافي الطريقة الشرعية ويسد طريق الرجعة أمام الزوجين.
وطالبت المدعية بإيجاد حل، بناء على المواد (14 و15 و21) من الدستور الهندي التي تضمن الحقوق الأساسية للمواطن. كما أشارت إلى أن الطلاق البدعي (الطلاق بالثلاث في مجلس واحد) ممنوع في البلاد الإسلامية.
وكانت هيئة قانون الأحوال الشخصية للمسلمين لعموم الهند -التي تأسست من قبل المسلمين بهدف حماية القانون طرفا سابعا من الدفاع في القضية- أكدت لدى المحكمة أنها ستبدأ حملة توعية بين المسلمين لإنهاء هذا النوع من الطلاق، لكنه لم يتوقف حتى بعد حكم المحكمة العليا هذا، وفي هذا السياق تم إصدار قانون الطلاق بالثلاث.
حماية الحقوق الزوجية للمسلمة
القانون الذي يسمى بقانون "حماية الحقوق الزوجية للمرأة المسلمة" يحتوي على ثلاث فقرات، الأولى تفصّل المعلومات الأساسية عن القانون، والفقرة الثانية تشتمل على بندين ينصان على:
1- إعلان الطلاق بالثلاث من شخص لزوجته بكلمات إما شفهيا أو مكتوبا أو بأي شكل إلكتروني يكون مخالفا للقانون، وبالتالي ملغى.
2- كل من يرتكب ذلك يعاقب بالسجن الذي قد يمتد لثلاث سنوات وغرامة مالية يحددها مدير المنطقة.
أما الفقرة الثالثة فتشتمل على ثلاثة بنود وهي:
1- المرأة تستحق نفقة العيش لأطفالها الصغار ولنفسها بحسب ما يأمر به مدير المنطقة.
2- الأطفال الصغار يكونون برعاية الأم.
3- تكون هذه الجريمة خاضعة للمتابعة لدى المحكمة.
للمعارضين رأي آخر
من جهتها، انتقدت الأحزاب المعارضة القانون المشار إليه، على أساس أنه يخالف الحرية الدينية لكل الطوائف للعمل بأحوالها الشخصية مهما كانت.
واتهمت الحزب الحاكم باستهداف حقوق فئة دينية في البلاد، والتي يحميها الدستور بوضوح، ووصفته بأنه تدخل صريح في قانون الأحوال الشخصية الذي يحترمه الدستور.
ويرى بعضهم أن "القانون" ظلم للمرأة المسلمة وليس حماية لحقوقها، والاعتراض على بنود القانون يتمثل بسؤالين أساسيين:
أولا: إذا اعتبر القانون الطلاق بالثلاث ملغى دون أن يكون له أثر، فكيف يكون جريمة توجب العقوبة على الزوج؟
ثانيا: إن تم زج الزوج بالسجن لمدة طويلة، وهي ثلاث سنوات، فكيف يتمكن من توفير العيش لزوجته وأطفاله الصغار من داخل السجن؟

الإصلاح بالتوعية وليس بالتجريم
ويقول أمير الجماعة الإسلامية بالهند سعادة الله الحسيني للجزيرة نت، "الطلاق بالثلاث في مجلس واحد ظاهرة اجتماعية غير مُرضية، إلا أن هذه الظاهرة ينبغي إصلاحها عن طريق التوعية والإرشاد وليس عن طريق تجريم هذا الأمر".
بينما التأمل بهذا القانون ينم عن نية وراءه بأنها ليست حماية حقوق وإصلاح ظاهرة سيئة، وإنما نشر التفكيك والعداء في الأسر المسلمة، فليس من المعقول إصدار قانون على عمل اعتبرته المحكمة العليا ملغى، والحكم على الزوج بالسجن لن يزيد أسرته إلا ضياعا ويوقعها في مشاكل كبيرة، بحسب الحسيني.
ويضيف أن قطع العلاقات مع الزوجة من دون الطلاق أو النفقة ظاهرة موجودة في جميع الفئات، والتقنين الخاص للمسلمين بهذا الخصوص مع تجريم الطلاق يدل على التمييز بين فئات البلاد الدينية حتى في القانون الجنائي، وهذا تناقض صريح مع أسس دستورية.
القانون تدخل في الشريعة الإسلامية
كما أصدرت الجامعة الإسلامية الشهيرة بـ"دار العلوم" ديوبند بيانا يوم 31 يوليو/تموز الماضي اعتبر القانون تدخلا صريحا في الشريعة الإسلامية، وقال رئيس الجامعة الشيخ المفتي أبو القاسم النعماني، "إن القانون يناقض حقوق المرأة، كما يخالف الحرية الدينية التي يضمنها الدستور".
وأعلنت هيئة الأحوال الشخصية للمسلمين أنها ستقدم شكوى للمحكمة العليا ضد هذا القانون، كما أن الجناح النسوي للهيئة قام بتنظيم التظاهرات ضده.
فاطمة مظفر عضو الهيئة والناشطة الاجتماعية والتعليمية والتي قادت التظاهرات تقول، "هذا القانون سوف يسيء للمرأة حتما ويؤدي لتدمير الأسرة المسلمة".
وتضيف أن الحكومة لها حق التشريع، ولكن بشرط أن يتوافق مع روح الدستور والحقوق الأساسية التي يضمنها الدستور، وهذا ما لم يرعه هذا القانون.
أما البروفيسور طاهر محمود الخبير في قانون الأحوال الشخصية وعضو النيابة القانونية بالهند فيقول، "هذا القانون يفقد العقلية من حيث أصل القانون، إلا أنه لا يسد الطريق أمام الطريقة الشرعية للطلاق".
وصرح بأنه لا يؤيد القانون أصلا، ولكن في حال أصبح قانونا، فالواجب الأخذ بالحيطة والحذر إلى أقصى حد ممكن، وفي حالة الاضطرار يجب اللجوء للطريقة الشرعية للطلاق، وهذا لا يمنع منه القانون.