مصممون ورسامون.. كيف تحولت اللوحات إلى أزياء يمكن ارتداؤها؟

حفصة علمي-باريس
ويمكننا القول إن الموضة ظهرت بشكل أوضح مع صناعة الأزياء الراقية "الهوت كوتور" بباريس في النصف الثاني من القرن 19، عندما بدأت الطبقة البرجوازية المطالبة بتغيير تصاميم أزيائها باعتبارها حافزا فكريا وجماليا، وقبل كل شيء كانت حافزا اقتصاديا.
وهذا يعني أنه رغم طابعها الفني فإنها تبقى أسيرة إيقاع موسمي محدد وكميات كبيرة، على عكس الفن الذي لا يرتبط بقيود أو مراسيم معينة، لأنه إنتاج مستقل للتعبير الذاتي.

مصممون وفنانون
ومن بين الأمثلة التي توضح الاهتمام المتزايد لمصممي الأزياء بروائع الفنانين والرسامين مجموعة المصمم الفرنسي إيف سان لوران لعام 1965 التي استوحاها من لوحة الفنان التجريدي الهولندي بيت موندريان بعد وفاته بعقدين من الزمان.
كان سانت لوران معجبا بأسلوب الرسام المتقن من حيث بساطة الخطوط وأناقة الألوان، لكن حرصه على تقديم الملابس الفاخرة تعارض بشكل كبير مع معتقدات الرسام الهولندي، الذي كان يرغب في تحرر العالم من الأشياء المادية الزائلة والتركيز على الأمور الوجدانية من خلال فنه.
وأما بالنسبة للفنان الشهير بابلو بيكاسو فقد رحّـب بالتعاون مع راقصة الباليه الروسية أولغا خوخلوفا في عرض مسرحي من إخراج سيرجي دياجيليف عام 1917.
وقام بيكاسو بتصميم أزياء الباليه وستارة المسرح، ولم يُفقده عمله هذا بصمته المتميزة المتمثلة في الأشكال التكعيبية والجريئة.
كما لعب سلفادور دالي -فنان السريالية الإسباني الأكثر شهرة في العالم- دورا مهما في تاريخ الموضة، وابتكر قطعا أنيقة وجذابة بالتعاون مع المصممة إلسا شيافاريلي.
وكان فستان السهرة الأبيض بطبعة جراد البحر الأشهر على الإطلاق حينها، بالإضافة إلى الصورة الترويجية لمجوهرات مرصعة بالأحجار من تصميمهما عام 1949.
وقرر بعض المصممين العودة إلى الماضي، وتخصيص مجموعاتهم لاتجاهات فنية مختلفة لاستعارة أفكارهم وأعمالهم، مثل دار هيرمس، التي استوحت الطبعات الاستوائية من لوحات الفنان الفرنسي هنري روسو لمجموعة ربيع صيف 2014.

تأثير الموضة على الفن
تعود الروابط بين الفن والموضة إلى عصر النهضة على الأقل، وتأثر الفنانون الإيطاليون بالموضة، وأسهموا في صنع الأزياء وتصميم أنماط التطريز والنسيج كذلك، مثل تمثال جاكوبو بيليني للفنان أنطونيو ديل بولايولو.
وتقول أليس ماركل في كتابها "الفن والموضة" (2005) "إن القرن 16 كان عصر السفر والاستكشاف العظيم والسعي وراء معرفة أزياء وعادات الدول الأخرى".
واستمر تفاعل الفن والموضة حتى القرن 17، ففي مجتمع مدينة لورين الدوقية الفرنسية، حيث احتلت الأزياء مكانة راقية جدا، قام الفنان جاك كالوت -وهو واحد من أهم الرسامين الفرنسيين- برسم أزياء الطبقة البرجوازية في فترة حكم لويس الثالث عشر، وأزياء اللوردات والسيدات بأدق التفاصيل في سلسلة "النبلاء"، التي ضمت 12 رسما توضيحيا للأزياء في ذلك الوقت.
رسم قبعات الرجال المزينة بالريش وسراويلهم القصيرة الواسعة، والنساء بفساتين بطبقات مختلفة القصات والطول من الدانتيل الفخم وأكاليل اللؤلؤ.
وجد الفنانون في أوروبا إلهامهم في الملابس والموضة، ويعد الفنان الفلمنكي الباروكي المعروف باسم روبنز أفضل مؤرخ لتطور الأزياء من خلال كتابه "كتاب الأزياء"، إذ قام بتجميع عدد كبير من الرسوم لأزياء من أواخر القرن 14 إلى القرن 18.
وضمت مجموعته تصاميم لأزياء البلاط الفلمنكي والرغندي، والأزياء الألمانية والملابس التركية والفارسية والعربية في أواخر القرن 16.

حماية الأعمال الفنية
لا يصبح العمل الفني المحمي بحقوق الطبع والنشر ملكا عاما عند وفاة مالكه، ووفق قانون حقوق الطبع والنشر الأميركي الحديث، فإن المصنفات التي يقوم بها الأفراد (وليس الشركات)، وهي ملكية شخصية، تتم حمايتها بالكامل طوال حياة الفنان أو المؤلف وتستمر إلى سبعين عاما من وفاته، ثم تتغير ملكية العمل الفني من خلال نقل ملكية حقوق الطبع والنشر إلى وريث أو إلى طرف ما.
وإذا أراد المصمم استخدام الأعمال الفنية المحمية بموجب حقوق الطبع والنشر لإنشاء مجموعته، فمن الضروري أن يفكر أولا في تقديم طلب ترخيص من الفنان أو مالك الحقوق الاقتصادية، في حال لم يكن الشخص نفسه.
كما يجب الحصول على موافقة الفنان بشكل مسبق في ما يتعلق بحقوقه المعنوية في العمل الفني الخاص به، وذلك وفقا للقانون المعمول به على حسب المكان والحالة.