لأول مرة.. المغرب يتقصى انتشار العنف ضد الرجال

سناء القويطي-الرباط
كان زواجا تعيسا بالنسبة للمغربي عبد العزيز (اسم مستعار)، فلا يكاد يمر أسبوع دون أن تتحول زوجته إلى وحش كاسر فتهاجم محله التجاري وترمي بضاعته أرضا أمام عيون زبائنه وجيرانه.
لم يكن أمام عبد العزيز سوى التعايش مع الوضع ومع نوبات غضب زوجته من أجل ابنه الصغير، فقد كان يخشى أن يحرمه الطلاق من رعايته وتربيته.
حمل هذا الرجل الأربعيني همومه ومخاوفه إلى الشبكة المغربية للدفاع عن حقوق الرجال بالدار البيضاء، هناك وجد آذانا تنصت له وتدعمه وترشده لطريق تنتهي عندها الحياة المريرة التي غرق فيها.
شبكة للدفاع عن حقوق الرجال
يقول رئيس الشبكة المغربية للدفاع عن حقوق الرجال بالدار البيضاء عبد الفتاح البهجاجي إنهم تابعوا ملف عبد العزيز قبل أن ينتهي بالانفصال وتنازل الأم عن حضانة الابن (13 عاما) مقابل احتفاظها بالنفقة الشهرية.
عبد العزيز واحد من حالات العنف التي استقبلتها شبكة الدفاع عن حقوق الرجال بعدما تأسست سنة 2008.
يقول رئيس الشبكة إنها جاءت استجابة لحاجة المجتمع لخدماتها بالنظر للعنف المنتشر في المجتمع المغربي ولسوء تطبيق مواد مدونة الأسرة.
ويرى البهجاجي أن تطبيق المدونة أظهر حيفا يطال الأزواج خاصة فيما يتعلق بالنفقة والتطليق للشقاق والحضانة، مشيرا إلى قضايا يتم فيها الحكم بالنفقة بمبالغ تفوق دخل الزوج في غياب معايير موحدة تأخذ بعين الاعتبار الحالة المعيشية للزوج ومداخيله.

العنف يخترق كل الطبقات
واستقبلت الشبكة منذ تأسيسها حوالي 24 ألف حالة عنف ضد الرجال، ويقول البهجاجي إن 25% من الحالات التي ترد عليهم سنويا تتعلق بعنف جسدي، إضافة إلى أنواع أخرى من العنف تتعلق بالطرد من بيت الزوجية، والاستيلاء على مقدرات الزوج من أموال ووثائق، وعنف قانوني كحرمان الأب من رؤية أبنائه وتقدير مبالغ كبيرة في النفقة وغيرها.
والعنف ضد الرجال بحسب البهجاجي، يخترق كل الطبقات الاجتماعية والمستويات الثقافية، فهو موجود في البيوت الراقية والهشة، بين الأميين والمتعلمين والمثقفين، بين الشباب وكبار السن.
وبحسب تجربته الطويلة في المجال، فالرجال أصبحوا اليوم أكثر جرأة على البوح بما يتعرضون له من عنف مادي ومعنوي وسوء معاملة في بيت الزوجية، وهو ما يظهر من خلال الحالات التي تقصد الجمعية أو جمعيتان أخرييان تأسستا قبل سنتين تشتغلان في المجال نفسه.
ومع ذلك يقر البهجاجي بأن النساء هن أكثر ضحايا العنف الزوجي والأسري، لكن هذا لا ينبغي -وفق رأيه- أن يخفي حقيقة تعرض الرجال أيضا للعنف في بيت الزوجية.
فالمسألة كما يرى لا تتعلق بجنس معين، بل بطبيعة المغاربة الذي يفتقدون ثقافة الحوار والإنصات ويلجؤون للعنف لمواجهة الخلافات والاختلافات.

أول بحث يقيس العنف ضد الرجال
ولقياس انتشار العنف ضد الرجال وأشكاله، أطلق المغرب لأول مرة بحثا وطنيا تشرف عليه المندوبية السامية للتخطيط، وهي جهاز حكومي مكلف بالبحوث الوطنية وبتعداد السكان.
وبعدما اقتصر آخر بحث رسمي حول العنف على قياس انتشار العنف ضد النساء، يسعى البحث الوطني حول "وقائع الحياة لدى الرجال والنساء 2019" لاستقصاء آراء أفراد الأسر المغربية حول أشكال العنف الذي تعرضوا له في مختلف الأوساط سواء في فضاءات عمومية أو خاصة، أو في العمل وعبر الإنترنت أو في بيت الزوجية.
البحث الذي انطلق في فبراير/شباط ويستمر إلى يونيو/حزيران المقبل، يشمل حوالي ثلاثة آلاف رجل، تتراوح أعمارهم ما بين 15 و74 عاما موزعين على مختلف المدن المغربية.

الرجل يتعرض للعنف أيضا
وتتقصى استمارة البحث المتعلقة بوقائع الحياة لدى الرجال، وهي في حوالي 50 صفحة، ما إذا كان الرجل موضوع البحث قد تعرض للإهانة أو الإذلال أو الترهيب أو التهديد بالكلام أو مقاطعته من طرف زوجته أو خطيبته، أو ما إذا كانت هددته بفسخ العلاقة الزوجية والطرد من بيت الزوجية أو الخيانة أو حرمانه من الأبناء.
كما تتضمن أسئلة حول ما إذا كان الرجل قد تعرض للإيذاء الجسدي أو الصفع أو الضرب أو الركل أو الخنق أو التهديد باستخدام سكين أو استعماله فعليا، أو تعرض للإجبار على إقامة علاقة حميمية لم يكن يرغب فيها، أو أجبر على القيام بأعمال جنسية لم يرغب بها أو رأى أنها تحط من شأنه أو تذله.
ويتطرق البحث لأشكال أخرى من العنف وسوء المعاملة سواء من طرف رجال ونساء قد يكونون من الأقارب، أو في مكان العمل أو الدراسة، أو في الأماكن العمومية.
ويخصص البحث فصلا لدراسة تفشي ظاهرة العنف الإلكتروني، وآخر للاعتداءات الجسدية والجنسية التي تعرض لها الرجل خلال مرحلة الطفولة، هذا إلى جانب رصد تصورات المبحوثين عن العنف بصفة عامة والعنف في إطار الزوجية، ثم مدى معرفة وتقييم القوانين والتدابير المتعلقة بالعنف.

وقائع وليس ظاهرة
ترى الباحثة في علم النفس الاجتماعي بشرى المرابطي أن العنف ضد الرجال في المغرب ليس ظاهرة لكنه "وقائع وملابسات متناثرة في جغرافية متنوعة داخل المغرب وقد تتحول مستقبلا إلى ظاهرة".
وتشير المرابطي في حديث للجزيرة نت إلى أن عنف النساء تجاه أزواجهن ليس وليد اليوم، لكنه كان موجودا تاريخيا وأكثره "العنف الرمزي"، وأوضحت أن "المرأة كانت تستدعي العالم الخرافي واللا مرئي للسيطرة على الرجل وسحب السلطة منه خاصة في فضاء البيت".
ورغم أن هيمنة الأفكار الذكورية في الثقافة العربية كانت تمنع الرجل من الإفصاح عن تعرضه للعنف من طرف الزوجة، فإن المرابطي تعتقد أن "انتشار الثقافة الحقوقية وارتفاع درجة التعليم والوعي الديني والثورة الرقمية وبرامج الإعلام فسحت المجال للرجل الذي يعيش وضعية التعنيف من طرف الزوجة للبوح أكثر مما مضى".
تعنيف متراكم من الزوج
ومن بين الأسباب التي تراها الباحثة دافعا للمرأة لممارسة العنف ضد الرجل، سوء المعاملة والتعنيف المتراكم من طرف الزوج، مما يجعلها تبادله العنف كرد فعل، إلى الخيانة الزوجية والمستوى المادي المتدني للزوج أو البخل والانسحاب من تحمل مسؤولية الأسرة.
ومن بين الأسباب أيضا بعض الاضطرابات النفسية التي تقود للعنف تجاه الشريك في إطار رد فعل نفسي.
وتشير الباحثة إلى اضطرابات الشخصية المتسلطة التي من أعراضها تملك الشريك ومحاصرته وعزله عن المحيط القريب والبعيد لضمان امتثاله للزوجة.