الاحتضان في الأردن.. أمومة اختيارية تمنح المستقبل لأطفال أبرياء
رولا عصفور-عمان
أصبح الاحتضان (دمج الطفل المجهول النسب الذي لا يُعرف له أب أو أم ببيئة أسرية طبيعية) مفهوما مقبولا اجتماعيا في الأردن، حتى إن لازمته تحفظات بعض الأسر على الإفصاح عن احتضان طفل أو طفلة كنتيجة طبيعية لنظرة المحيطين بهم، التي تقتصر على مفهوم ضيق للمعنى الإنساني النبيل للأمومة الاختيارية، ولأهمية منح أطفال لا ذنب لهم الحق بحياة تجعل مستقبلهم أفضل.
احتضان بنت
وافقت منى (اسم مستعار) على احتضان بنت في اليوم السابع من عمرها، بعدما ضاق صبرها وهي تنتظر أكثر من عام على قائمة الحصول على ولد.
ورغم تخوفها هي وزوجها من ردود أفعال المحيطين بهما؛ فإنهما شعرا بالسعادة لخوض تجربة الأمومة والأبوة التي حرما منها.
عام 2012 أصبحت منى أمّا لبنت عمرها سنة، من خلال برنامج الأسر البديلة التابع لمؤسسة نهر الأردن. وتتمنى لو يسمح لها باحتضان كل الأطفال الفاقدين للسند ليتحقق حلمها منذ الصغر أن تكون كافلة يتيم للحصول على الأجر والثواب.
مشكلة عدم التشابه
تتعرض الطفلتان (6 و7 سنوات) للإحراج من قبل الغرباء بسبب عدم التشابه بينهما وبين أبويهما، إلا أن منى حرصت على تعليمهما تجاهل التعليقات السخيفة.
وتؤكد منى للجزيرة نت أن "عائلتها وعائلة زوجها تنحازان لطفلتيها وتغدقان عليهما الحب والدلال، ولم تواجها أي مشكلة في المدرسة، خاصة أن المديرة حرصت على عدم إخبار المعلمات بوضع الطفلتين حتى لا يتم التفريق بينهما وبين أقرانهما.
ولا تنكر منى أنها كأم تخشى عليهما من المستقبل، ومن عدم تقبل المجتمع لهما أو تعرضهما للتجريح.
وتنصح قبل خوض تجربة الاحتضان بالتفكير جيدا في أبعادها، والتأكد من المقدرة على حسن تربية الطفل.
علاقة قائمة على المودة
تزوجت هند جرار في السابعة والعشرين من عمرها، والعلاقة بينها وبين زوجها قائمة على المودة والرحمة.
تقول أم كريم للجزيرة نت "حرصت على أن يكتمل الأجر والثواب بالالتزام بتعاليم الدين والشرع في الاحتضان، ومن حسن حظي أن الصغير أصبح ابن شقيقتي بالرضاعة".
وعن سبب اختيارها لولد، أوضحت أن المجتمع العربي ذكوري بطبعه ويساند الرجل أكثر من المرأة، وأنها شخصيا لا تحتمل قسوة المجتمع على طفلة لا ذنب لها.
تقسيم المهام
تقتسم أم كريم وزوجها مهام تربية الطفل، فالأب مسؤول عن تنمية شخصيته وأخلاقه ودينه، والأم تهتم بصحته ورعايته وتعليمه.
ويؤكد كريم عبد الله (22 عاما) للجزيرة نت أن "الفضل في تفوقي الدراسي والرياضي يعود لهما، لمساهمتهما في بناء شخصية قادرة على النجاح والتحدي".
الأب والأم البيولوجيان
لا يفكر كريم في البحث عن والديه البيولوجيين، لكنه يدعو لهما بالرحمة وأن يسامحهما الله ويكرمهما كما تعلم من محتضنيه.
وتكمن مشكلة حياته في عدم التعامل معه كإنسان بغض النظر عن ظروف وجوده، حيث إنه يواجه صعوبة أثناء مراجعة الدوائر الحكومية بسبب جهل بعض الموظفين بالقوانين والتشريعات الخاصة بهذه الفئة، إضافة لحرمانه من التأمين الصحي عن طريق أبيه المحتضِن له.
ويحلم كريم بإحراز بطولات عالمية في رياضة الجوجيتسو (من أنماط الفنون القتالية البرازيلية) بعد حصوله على المركز الأول في عدد من البطولات المحلية والعربية بدعم من الجامعة التي يدرس فيها، وذلك من خلال إيجاد جهة حكومية أو خاصة تهتم برعاية مسيرته الرياضية.
مبادرة الاحتضان في الأردن
أسست ميادة صباح مبادرة "الاحتضان في الأردن" عام 2009 بعد احتضان ابنها جواد، بهدف مشاركة الأمهات تجربتها وإطلاعهن على الأساليب الواجب اتباعها لضمان تأمين البيئة السليمة للطفل المحتضن.
وتؤكد ميادة للجزيرة نت أن "مسؤولية حماية الطفل المحتضن وتعزيز ثقته بنفسه تقع على عاتق الزوجين، وعدم إعطاء المجتمع والبيئة المحيطة هالة تشعر الطفل بالخوف من ردود أفعال المحيطين".
أحببتك قبل أن أراك
"أنا مش ماما"، جملة قد تدمر نفسية الطفل وتدفعه للتمرد ورفض الالتزام بتوجيهات الأم ونصائحها، ويستعاض عنها بالقول "أحببتك بقلبي وتمنيتك قبل أن أراك، أنا محظوظة بوجودك بحياتي، أنت بركة البيت ومصدر السعادة فيه".
ويفضل تهيئة الطفل بالمراحل العمرية الأولى من خلال قراءة القصص ومشاهدة الأفلام التي تتحدث عن أنواع العائلة، ومفهوم الترابط الأسري القائم على الحب.
الحديث عن الأسرة البيولوجية
بعد أن يتفهم الطفل معنى الاحتضان ويتقبل فكرته، نبدأ بعكس قصته ونخبره أن حكايته تشبه الحكايات التي قرأناها وشاهدناها.
ونتدرج بالحديث عن أسرته البيولوجية وأن أمه البيولوجية لم تتمكن من العناية به لأسباب لا نعرفها، مع مراعاة عدم إرباكه.
وتختلف ردود أفعال هذه الفئة بحسب شخصيتهم؛ لذا يجب تجنب الكذب عليهم، وإتاحة الفرصة لهم لطرح الأسئلة وعدم التخوف من رغبتهم في البحث عن والديهم البيولوجيين.
زيادة طلبات الاحتضان
أظهرت كشوف مديرية الأسرة والحماية في وزارة التنمية الاجتماعية الأردنية احتضان 1159 طفلا وطفلة منذ عام 1967 وحتى عام 2018، مما يؤكد أن هناك ارتفاعا في طلبات الأسر الأردنية باحتضان أطفال فاقدي السند بحسب القانون.
وعن دوافع الأسر لطلب الاحتضان، يوضح مدير المديرية محمود فالح الجبور للجزيرة نت أن "الدافع الديني والرغبة في الحصول على الأجر والثواب يعكس طبيعة المجتمع الأردني وتمسكه بتعاليم الدين الحنيف".
ويسعى الزوجان من خلال الاحتضان لتحقيق حلم الأبوة والأمومة وتوطيد العلاقة بينهما من خلال شريك ثالث يتحملان مسؤوليته ويساهم في تجنب الإحراج من التعرض لأسئلة ونصائح -من الغرباء- تتعلق بأسباب عدم الإنجاب.
تشريعات حق الحضانة بالأردن
حرص الأردن على نص لتشريع حق الحضانة لمجهولي النسب منذ منتصف ستينيات القرن الماضي، ويحق للأسرة التي منحت حق الاحتضان التقدم بطلب احتضان طفل ثانٍ شريطة مرور عامين على احتضان الأول، على أن يكون من الجنس نفسه، ولا يحق المطالبة باحتضان طفل ثالث.
وتشترط للموافقة على الاحتضان ألا يقل عمر الزوج عن 35 عاما ولا يزيد على 55 عاما، وألا يقل عمر الزوجة عن 30 عاما ولا يزيد على 50 عاما، ومضي مدة لا تقل عن خمس سنوات على زواجهما.
وتؤكد النصوص أن توفر الأسرة الحاضنة الرعاية المطلوبة (التربوية، والصحية، والنفسية، والمادية، والاجتماعية)، وأن يتمتع الزوجان بأوضاع صحية وجسدية ونفسية تضمن قدرتهما على تنشئة الطفل تنشئة سليمة.