هل تفهم النساء الرياضيات؟.. لماذا نفشل في تذكر اسم عالمة معاصرة؟

Nagwan Lithy - عالمة الفيزياء دونا ستريكلاند أثناء تسلم جائزة نوبل (وكالة الأنباء الأوروبية) - هل تفهم النساء الرياضيات؟.. لماذا نفشل في تذكر اسم عالمة معاصرة؟
عالمة الفيزياء دونا ستريكلاند أثناء تسلم جائزة نوبل (الأوروبية)

زهراء مجدي-القاهرة

ظلت دونا ستريكلاند لأيام تفكر: "هل حقا فزت بجائزة نوبل؟" فالأمر برمته ضرب من الجنون، ولم يمكنها تخيله ذات ليلة. فمنذ 55 عاما لم تفز امرأة بجائزة نوبل للفيزياء، ولم تفز بها منذ بدء منح الجائزة سوى امرأتين: ماري كوري وماريا غوبيرت ماير التي فازت بها منذ 115 عاما، بمعدل مرة كل نصف قرن، حتى أصبحت الكندية ستريكلاند ثالث امرأة تحمل نوبل في علم الفيزياء بعد تطويرها تقنية لتوليد نبضات قصيرة للغاية من الليزر، والمفيدة في العديد من التطبيقات، ومن بينها جراحات العيون.

أفكار نمطية.. علماء الفيزياء ذكور
تعجب ستريكلاند مقبول؛ ففي ثوان يولد عقل الإعلام والجمهور والطلاب وأساتذة الجامعات صورة عما يبدو عليه الفائز بجائزة نوبل على أنه ذكر أبيض وكبير في السن، وهذا لا يخالف الحقيقة، لأن 97% من الفائزين بجائزة نوبل للعلوم كانوا كذلك، مما يؤثر على مخيلتنا حتى من قبل أن ننخرط في هذه التفاصيل على أرض الواقع.

ففي دراسة منشورة بمجلة علم النفس التربوي، يتعلم الأطفال ربط العلوم بالرجال في سن مبكرة، حتى أنه خلال الدراسة قام أقل من 1% من أطفال المدارس الابتدائية الأميركية والكندية برسم امرأة عندما طُلب منهم تخيل عالم في معمله.

ففي اليوم العالمي للمرأة في العلوم، ما زالت تثير ندرة النساء الحائزات على جوائز نوبل في العلوم تساؤلات حول جدية المرأة في دخول هذا المجال وجدارتها بالنجاح في التكنولوجيا والهندسة والفيزياء والرياضيات، وربما كان ذلك واضحا في تغطية فوز ستريكلاند بالجائزة لكونها امرأة على ما قدمته لتفوز بنوبل.

أظهرت الدراسات أن اللائي قررن الاستمرار يواجهن عوائق واضحة أو ضمنية للتقدم، ويقابلن بتحيز هو الأشد في بيئة عمل يغلب عليها الذكور.

عالمة الفيروسات الفرنسية فرانسوا بري-سينوسي الحائزة على جائزة نوبل في الطب سنة 2008 بالاشتراك مع عالم آخر (رويترز)
عالمة الفيروسات الفرنسية فرانسوا بري-سينوسي الحائزة على جائزة نوبل في الطب سنة 2008 بالاشتراك مع عالم آخر (رويترز)

التمويل للرجال فقط
يحتاج الأكاديمي عادة إلى خوض رحلة طويلة مع الأبحاث، وتستغرق الأبحاث وقتا بدورها، لذا يجد الأكاديمي نفسه مضطرا للبحث عن تمويل، ولكن تحصل النساء على تمويل بنسبة أقل من الرجال، كما أن النسبة القليلة التي يتم قبولها تكون في منح أصغر.

وبالفعل، هناك دراسة قام بها باحثون من كليتي إمبريال ولندن وجامعتي هارفارد وكاليفورنيا، وكانت هي الأولى من نوعها عن مقدار التمويل البحثي الممنوح للأكاديميين من الذكور والإناث، واستمرت منذ عام 1997 إلى 2010، لأكثر من ستة آلاف بحث في مؤسسات بريطانية.

وجاءت النتيجة بتوزيع أموال المنح على 80% من الذكور، بالتأكيد الفرق يبدو ضخما، لكنه أضخم لو اطلعت على الاختلافات في مجموع المبالغ النقدية وحجم المنح بين الجانبين غير المتماثلين، وهذا رغم أن النساء تشكل 50% من عدد الطلاب في الاتحاد الأوروبي، و45% من طلاب الدكتوراه، ولكن ثلث الباحثين هم من النساء، وأقل من الثلث منهن يصلن إلى المناصب العليا، ولكن من أين جاء هذا الفارق الكبير؟

كان هناك تفسير وجيه لإحباط فرص الأكاديميات في التنافس على مستوى متكافئ للحصول على المنح، فقد كشفت دراسة نشرتها الأكاديمية الوطنية الأميركية للعلوم، عام 2012، عن تفضيل السيرة الذاتية للباحث إذا كانت تحمل اسم ذكر مقابل التي تحمل اسم أنثى، ثم تصنيف الذكور على أنهم أكثر كفاءة ومنحهم رواتب أعلى وتقديم التوجيه المهني لهم، على عكس موقف هيئة التدريس وإدارة المنح من الإناث.

عالمة الفيزياء الفلكية جوكلين بيل بورنيل حرمت من نيل جائزة نوبل في الفيزياء سنة 1974 عن اكتشاف النجوم النابضة رغم أنها أسهمت باكتشافها (الفرنسية)
عالمة الفيزياء الفلكية جوكلين بيل بورنيل حرمت من نيل جائزة نوبل في الفيزياء سنة 1974 عن اكتشاف النجوم النابضة رغم أنها أسهمت باكتشافها (الفرنسية)

هل تفهم النساء الرياضيات؟
على غرار دراسة تمويل المنح؛ قام باحثون اقتصاديون من جامعتي نورث وسترن وشيكاغو بدراسة سياسة تعيين الجنسين في مجال الرياضيات والهندسة، وكانت النتيجة أن أرباب العمل من الجنسين يؤمنون بأن الرجال أفضل من النساء في الرياضيات، ولديهم الحافز لتوظيفهم، فقط بمعرفتهم لجنس المتقدم قبل رؤيته واختباره، وإن تقديم معلومات كاملة عن أداء المرشحين يقلل من التمييز، ولكنه لا يزيله؛ مما أظهر أن التحيز لا يؤثر في تقدير مهارات النساء وحسب، بل أيضا يعيق قدرتها على تصحيحها، حتى لو وصلتنا أخبار عن نساء متفوقات يفزن بجائزة نوبل.

تتكرر دوما أفكار نمطية لدى الجنسين بأن النساء لا تحب الرياضيات، وتفشل في الهندسة، لتأتي النتيجة -في النهاية- أن النساء قادرات على التعلم والإدراك لكن يفشلن أمام السياقات الثقافية والصور النمطية والسياسة التعليمية القائمة على التمييز.

فقد نشرت مجلة "ساينس" عام 2008 نتيجة لتحليل نتائج اختبار معياري للعلوم عند الأطفال في سن 15 عاما في جميع أنحاء العالم، والتي جاءت مخالفة للصورة النمطية عن تدني مستوى فهم الإناث للعلوم.

جاءت نتيجة الإناث متخلفة عن الذكور في الاختبار، إلا أن حجم الفجوة كان متناسبا مع حجم الفجوة بين الجنسين الواقع في بلدانهم على مستوى التعليم، ليتقلص الفارق إلى ما يقارب الصفر في البلدان التي تتساوى فيها فرص التعليم مثل السويد والنرويج؛ مما يؤكد أن التحيزات الثقافية هي السبب في عدم وجود الكثيرات مثل ستريكلاند.

على هذا الوضع يبدو أن النساء يواجهن بالفعل عددا من العوائق الهيكلية والمؤسسية في المهن الأكاديمية للعلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات؛ ومن المرجح أن تستمر الفجوة بين الجنسين في القوى العاملة العلمية للأجيال القادمة.

وفق بحث أجراه باحثو جامعة "ملبورن"، جاء أن الأمر سيستغرق أكثر من مئتي عام قبل أن تشغل أعداد متساوية من الرجال والنساء مناصب عليا في الفيزياء، و280 عاما في علوم الكمبيوتر، لكن نحتاج ستين عاما فقط لنشهد تكافؤا في الرياضيات في ضوء الاتجاهات الحالية.

لكن تخيل إجابة سؤال لم تجبه الأبحاث: كم عاما نحتاج لرؤية ستريكلاند جديدة في الفيزياء؟

المصدر : الجزيرة