العنف العائلي.. جزائريات خلف أبواب الزوجية

محمد أمير-الجزائر
"كان يضربني بلا رحمة ولا شفقة، فيمسك برأسي وشعري ويرميني على الحائط، كان البيت بالنسبة لي شبيها بالمعتقل، لم أقدر على المقاومة أو الاستمرار في تلك المعيشة فقررت الانفصال".
هكذا تروي "أم احمد" البالغة من العمر 33 سنة من محافظة تيارت غرب الجزائر للجزيرة نت قصة تعنيفها على يد زوجها الذي كانت تحلم معه بعيشة حلوة ملؤها المودة والاحترام، لكن لا شيء تحقق وبات الحلم سرابا.
أيام الرعب
تجلس إلى النافذة فتأخذ حيزا بسيطاً من الكرسي، مغمضة العينين، تطوي يديها المقهورتين من ضرب زوجها، ترتعش خوفا وكأن زوجها لا يزال يعنفها.
تصمت ثم تتحدث بنبرة حزينة وتسترسل ذكريات مريرة أسمتها بأيام الرعب. وتقول "كان يضربني لأتفه الأسباب، ظننت أن زواجي بمن أحب سيسعدني ولم أتخيل يوما بأن الرجل الذي اخترته سيهينني وأنا في شهر العسل".
وتضيف "رغم أنني عملت المستحيل للزواج منه بعد رفض عائلتي له بحجة تناوله للمحظورات".
ولا تزال تتذكر الضحية ما تعرضت له من تعنيف لتسترجع تلك اللحظات وهي منهكة القوى في لحظة تغلب الدمعة الكلام "بدأت أتعرض إلى الضرب على يد زوجي منذ أيامي الأولى من الزواج".
وتبين "كان دائما تحت تأثير الخمور فيمارس معي كل أنواع القهر والعذاب حتى أصبت بانهيار عصبي استدعى نقلي للمستشفى".
وتضيف "قطع عني أي اتصال بأهلي حتى لا أطلعهم على ما يحدث معي، ولم أكن وقتها أريد أن أخبرهم بما يحدث لسبب بسيط أنا من اخترت الزواج منه والحمد لله طلبت الطلاق وكان لي ذلك".

استفحال الظاهرة
وتشهد الجزائر ارتفاعا ملحوظا في نسبة العنف ضد المرأة خلال السنوات الأخيرة، ممن يتعرضن للعنف سواء في الوسط الأسري أو بالشارع.
وتذكر آخر الإحصائيات لمصالح الأمن أن ما يقارب ثمانية آلاف حالة عنف ضد المرأة خلال التسعة أشهر الأولى فقط من السنة الجارية، وهو رقم بعيد كل البعد عن الواقع.
أرقام مخيفة
ولا يخلو يوم من لجوء العديد من النسوة لمصالح الأمن لتدوين شكاوى ضد أحد معارفهن أو غرباء، بسبب تعرضهن للضرب المبرح والإهانة اللفظية والجسدية بسبب صراعات عنيفة خصوصا بين الأزواج. وتشير إحصائيات تعنيف الأزواج لزوجاتهم إلى أرقام مخيفة.
وتظهر الأرقام العامة لمديرية الأمن الوطني -التي باتت تسجل فيما يتعلق بالعنف ضد المرأة- أرقاما تستدعي الوقوف عندها نظرا لتنام كبير للظاهرة حيث إنه سنة 2016 تم تسجيل أكثر من ثمانية آلاف حالة عنف ضد النساء، 50% منها حالات عنف أسري.
وأحصت الجزائر في نفس السياق ما يزيد على 7586 امرأة معنفة خلال الأشهر التسعة الأولى من سنة 2017، فضلا عن اللواتي لم يقدمن شكوى ضد المتورطين، وغالبا ما يكون السبب خوفا من الأزواج ومن رد فعل المجتمع.
وبلغة الأرقام أيضا فإن نسبة العنف ضد المرأة يصل إلى 65%، وأن الرجال يتسببون في ذلك بنسبة 90%.
وتؤكد الدراسات بهذا الخصوص -بخصوص 450 حالة أجرتها فيما سبق منظمات حقوقية- أن ثلث المعنفات متزوجات و10 %مطلقات و25% عازبات.
عدم التبليغ
ورغم كل هذه الأرقام المخيفة المسجلة فيما يتعلق بالعنف ضد المرأة فإن الرقم الحقيقي أكبر من ذلك بكثير بسبب عدم إقدام النساء المعنفات بالتبليغ لعدة اعتبارات، ويتكتمن عن ذلك بسبب طبيعة المجتمع والأعراف المتداولة محليا التي غالبا ما توبخ المرأة المبلغة ضد تعنيفها.
وتعترف وزارة التضامن الوطني وشؤون المرأة بأن الأرقام المقدمة لا تعكس ما يحدث على أرض الواقع، وأن هناك كثيرا من المعنفات لا يصرحن بالعنف نظرا لاعتبارات عديدة منها اجتماعية وثقافية.

ويرى د. نور الدين بقيس المتخصص في علم الاجتماع بجامعة الجزائر أن هذه الأرقام لا تعكس حقيقة حجم العنف الممارس ضد المرأة بالمجتمع فهي أرقام بسيطة جدا.
ويقول "بل بالعكس إذا عدنا للأرقام المقدمة من المصالح الرسمية فهي قدمت ما يريد على 12 ألف حالة عام 2012".
ومعنى ذلك أنها "في تراجع ولا بد من توضيح أن ما نسميه عنفا ضد المرأة من خلال الإحصائيات المقدمة يعكس عدد الحالات التي تم التبليغ عنها فقط وفي الغالب هي اعتداءات جسدية".
ويضيف "فإذا أخذنا مثالا بسيطا وافترضنا 20% فقط من حالات الطلاق التي تسجل سنويا تحدث قبل الطلاق، وأثناء الشجار نوع من أنواع العنف للمرأة، فهذا يستلزم وجود ما لا يقل عن 13600 حالة بحكم أن حالات الطلاق بلغت 86 ألفا سنة 2017، وبالتالي الأرقام لا تعكس حجم الظاهرة".
الرجولة والقوامة
وتبقى الأسباب المؤدية لظاهرة تعنيف النساء متعددة وفق تصريح بقيس فـ "المجتمع الجزائري لا يزال في جزء من ممارساته يحكم لقيم تقليدية تكرس هيمنة وسيطرة الرجل على المرأة، وعلاقة الخضوع بينهما مثل خضوع الزوجة لزوجها والأخت لأخيها والبنت لأبيها، وفي جزء من العلاقات التقليدية بين الرجل والمرأة يتحول العنف ضد المرأة في بعض الأحيان إلى جزء من ممارسة الرجولة والقوامة ويزيد من قيمة الرجل".
عنف مسكوت عنه
ويؤكد مختصون بالشأن الاجتماعي أن هناك أشكالا أخرى من العنف ضد المرأة ما يسمى بالسوسيو-ثقافي، مثل منعها من اختيار صديقاتها، وشريك حياتها ونوع التخصص بالدراسة ونوعية النشاط المهني.. إلخ.
وهو الوضع عندما يتصدر مع النجاح الدراسي الذي يتبعه النجاح المهني الذي ينتج بدوره الاستقلالية المالية للمرأة، ويدخل المجتمع في صراع ما بين الحفاظ على القيم التقليدية التي تحد من حرية المرأة وتضعها للسيطرة الذكورية وبين القيم الوافدة الحديثة التي تفتح الباب واسعا لتوسيع هامش حضور المرأة بالمجتمع لدرجة تصبح مديرة وقاضية وضابطة.
ويلح بقيس على أنه بنجاح المرأة في بعض الميادين يحدث نوع من الخلل والاضطراب ويظهر من خلال العنف الممارس عليها، لذلك فحسب بقيس فإن هذا العنف حاليا لن يتراجع بل سيأخذ أشكالا أخرى حسب تطور حضور المرأة بالمجتمع.
وتشهد المحاكم العديد من القضايا المتعلقة بصراعات عنيفة بين الأزواج سببها العنف الأسري، وغالبا ما يكون القانون صارما في مثل هذه القضايا بتوجيه أحكام قاسية ضد المتهمين فيها.
ويحمي القانون النساء من العنف، ويعرض كل متورط في جريمة عنف ضدهن بالحبس النافذ وتعويضات مالية، وفق قانون العقوبات المعدل المتعلق بالعنف ضد المرأة الذي يضع هذه الجريمة في أقصى مراتب الجزاء حتى يضمن لها حقوقها كاملة.
ويقول المحامي المعتمد لدى المحكمة العليا ماني سعادة محمد الحبيب للجزيرة نت "القانون المعدل والمتمم لقانون العقوبات أتى بأحكام تحارب العنف بكافة أشكاله، سواء ما تعلق بالعنف الجسدي أو الجنسي، وذلك من أجل تأمين المرأة والعائلة بصفة عامة".
ويتضمن القانون المعدل مادة تقر حماية الزوجة من الاعتداءات العمدية التي تسبب لها جروحا أو عاهة أو بتر أحد أعضائها أو الوفاة، مع إدراج عقوبات متناسبة مع الضرر الحاصل للضحية ويضع صفح الضحية حدا للمتابعة القانونية إلا (في حالة وفاة الزوجة أين يكون الصفح عذرا مخففا فقط) حفاظا على فرص استمرار الحياة الزوجية.

العنف اللفظي أو النفسي
كما ينص القانون -حسب الحبيب- على تجريم أي شكل من أشكال التعدي أو العنف اللفظي أو النفسي أو المعاملة المهينة الذي بحكم تكراره تبين إصرارا على إيذاء الضحية، ويتخذ العنف شكل التعدي الجسدي الذي لا تنجر عنه بالضرورة جروح كما يضع الصفح من قبل الضحية في هذه الحالات حدا للمتابعات الجزائية.