
كيف نواجه الظلم والطغيان ونتربى على قيم الحق والعدل؟
وعرّف الدكتور صفي الدين البغي بأنه "طلب شيء مع تجاوز الحدود الشرعية"، مشيرا إلى ورود اللفظ في القرآن 96 مرة، وذلك يؤكد خطورته، موضحا أن البغي يتجسد في الظلم والعدوان، سواء على مستوى الحكام أو الأفراد، كبغي الزوج على زوجته أو التجاوزات في أماكن العمل.
أما الطغيان فهو "البغي الممتد والمتعدد المجالات"، مثل تجاوز فرعون الذي ادّعى الألوهية. وذكر أن الإسلام حذر من عواقبهما في الدنيا والآخرة، مستشهدا بقوله تعالى: "إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنفُسِكُم"، مؤكدا أن الظلم يبدأ بظلم النفس قبل الآخرين.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsالصمود والتحرر: إعادة الكرامة المهدورة لأمتنا
من معالم الصراع بين الحق والباطل
مصارع الطغاة وتحرير المستضعفين
وأشار صفي الدين إلى أن أسباب البغي متعددة، أهمها الغنى المفرط الذي يدفع إلى الاستغناء عن الله، مستحضرًا قوله تعالى: "كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ، أَن رَّآهُ اسْتَغْنَىٰ".
كما عدّ السلطة المطلقة من دون رقابة سببا رئيسيا للطغيان السياسي، قائلا إن "السلطة المطلقة فساد مطلق"، ودعا إلى وجود آليات رقابية مثل "أهل الحل والعقد" في الدولة الإسلامية.
ولفت إلى دور الهوى والجهل في تغذية البغي، مستشهدا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ"، مؤكدا أن البعد عن الأخلاق والإيمان يُعيد الإنسان إلى الجاهلية.
نماذج من القرآن
واستعرض الضيف نماذج قرآنية للطغيان، كفرعون الذي جمع بين طغيان الحكم (هو وهامان) والاقتصاد (قارون) والدين (السحرة)، مشبها ذلك بالأنظمة الشمولية المعاصرة التي تسيطر على الإعلام والتعليم.
وأوضح أن "الطغيان لا يقتصر على الحكام"، بل يشمل الأحزاب التي تفرض هيمنتها دون انتخابات، أو الدول الكبرى التي تنتهك حقوق الشعوب عبر "حق الفيتو".
كما تناول الطغيان الأمني، منتقدا تدخل الأجهزة الأمنية في تفاصيل الحياة اليومية، كمراقبة الخطباء أو فصل الأساتذة بسبب أسئلة امتحانية، قائلا "هذا الطغيان يُربي جيلا ضعيفا ولا يصنع إلا المتطرفين".
وحذّر الدكتور صفي الدين من الطغيان الاقتصادي الذي تمارسه الدول القوية عبر نهب ثروات الدول الفقيرة، مستشهدا بقارون الذي خسف الله به الأرض، وانتقد النظام المالي العالمي الذي يفرض هيمنة الدولار رغم انفصاله عن الذهب، واصفا إياه "بالطغيان المالي".
وفي الجانب الأخلاقي، دعا إلى مواجهة محاولات فرض الشذوذ الجنسي عبر مؤتمرات دولية، قائلا إن "ثقافة الجندر تريد اقتحام قلعة الأخلاق الإسلامية"، كما نبّه إلى خطورة النفاق الاجتماعي الناتج عن الخوف من فقدان الوظيفة أو الرزق، مؤكدا أن "المؤمن لا ينافق لثقته بقضاء الله".
مصائر أمم سابقة
واستذكر الضيف مصير الأمم الطاغية في القرآن، كقوم عاد وثمود، مؤكدا أن "كل طاغٍ سيزول ولو طال به الزمن"، وذكر أن العقوبة الدنيوية للبغي سريعة، كما في حديث النبي صلى الله عليه وسلم "أسرع العقوبات البغي وقطيعة الرحم"، بينما ينتظر الطغاة عذاب أشد في الآخرة، لقوله تعالى: "وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ".
وأشار إلى "سنة المباغتة الإلهية" التي تُنهي ظلم الطغاة فجأة، مستحضرا سقوط الأنظمة المستبدة في التاريخ المعاصر، قائلا "من كان يظن سيطرته الأبدية يدمر بين عشية وضحاها".
وشدد الدكتور صفي الدين على دور العلماء في مقاومة الطغيان عبر نشر الوعي وتعزيز الشورى ومراقبة الحكام، ودعاهم إلى غرس قيم العدل والإيمان، مشيرا إلى أن "الجهل والخوف والفساد أعمدة الطغيان، والعلماء هم من يقوضونها".
ولفت في هذا السياق إلى دور العلماء التاريخي في حماية الهوية الإسلامية ومواجهة المحاولات الاستعمارية، مضيفا أن "العلماء ورثة الأنبياء، وعليهم أن يقودوا الناس بالقسط".
ودعا الدكتور صفي الدين المشاهدين إلى الاعتبار بمصير الطغاة، مستذكرا قوله تعالى: "فَأَمَّا مَن طَغَىٰ، وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا، فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَىٰ"، مؤكدا أن التمسك بالقرآن وقيم العدل هو الدرع الواقي من انحرافات العصر