دليلك لاستخدام منصات الضيافة المجانية في السفر

منصات تبادل الضيافة على الإنترنت لا توفر فقط أماكن إقامة مجانية وإنما فرصة للتعارف عن قرب مع السكان المحليين (غيتي)

هل استيقظت يوما على أريكة شخص غريب تماما في منزل بمدينة زرتها للتو؟ وهل قضيت وقتا ممتعا مع رفقاء تراهم للمرة الأولى في حياتك، في وجهة جديدة تقضي فيها عطلتك؟ وهل جربت أن تكون شجاعا ومنفتحا وفضوليا تجاه زوار مدينتك، وتعرض اصطحابهم في جولة محلية لاستكشاف المعالم أو تجربة مطعم محلي؟

دعنا في هذا المقال نأخذك في رحلة للتعرف على "منصات تبادل الضيافة وخدمات السفر المحلية"، وكيف يمكنك من خلالها أن تستمتع بتجربة سفر مفيدة وممتعة، مع تجنب المخاطر المحتملة المرتبطة بهذه المنصات.

ما هذه المنصات؟

تُعد "منصات تبادل الضيافة" (HospEx) أحد أشكال الخدمات التشاركية التي تعتمد على الشبكات الاجتماعية لتوفير أماكن إقامة مجانية، وخدمات سياحية للمسافرين دون مقابل مادي. ويقوم هذا النموذج على الثقة والتفاعل بين الأفراد من خلال تلك المنصات، حيث يتشارك الزائرون في الإقامة مع أحد السكان المحليين في المدينة، التي يسافرون إليها مقابل تجربة التبادل الثقافي مع الغرباء.

يقوم نموذج الضيافة على الثقة والتفاعل بين الأفراد وقد ظهر كبديل للتجارب السياحية التجارية (غيتي)

ظهرت هذه الخدمات كبديل للتجارب السياحية التجارية في العقدين الماضيين في دول الغرب، من أجل أن تتيح للمسافرين حول العالم التنقل بطريقة منخفضة التكاليف، وأكثر إنسانية واحتكاكا بالسكان المحليين، وبدأ التعاطي مع هذه المنصات في السنوات الأخيرة الماضية في المنطقة العربية.

وقد تطورت هذه المنصات لتشمل مجتمعات رقمية تقوم على مبادئ الاستضافة، وتبادل الخبرات والتعرف على ثقافات جديدة وتكوين علاقات ودية عبر العالم، وأصبحت تضم مئات الآلاف أو ملايين من المستخدمين، مما يجعلها أكثر من مجرد بدائل للفنادق، إذ أضحت شكلا من أشكال التواصل العابر للحدود.

منصة "كاوتش سيرفينغ"

كلمة "كاوتش سيرفينغ" (Couchsurfing) هي عبارة مستحدثة تعني التنقل لبضعة أيام من منزل لآخر، والنوم في أي مكان متوفر مثل الأريكة ثم الانتقال إلى منزل آخر. نشأت هذه المنصة باعتبارها مؤسسة غير ربحية مقرها في مدينة سان فرانسيسكو الأميركية في عام 2003، وأصبحت مع مرور السنوات أبرز منصة تبادل ضيافة عالمية ورائدة للمسافرين.

شعار "كاوتش سيرفينج" Couchsurfing:
"كاوتش سيرفينغ" عبارة مستحدثة تعني التنقل لبضعة أيام من منزل لآخر والنوم في أي مكان متوفر (الجزيرة)

وتُقدّم المنصة للمستخدمين تجربة سفر فريدة من نوعها، تتيح لك طلب إقامة قصيرة مجانية لدى مضيفين محليين في أي بلد في العالم، مما يمنحك فرصة لاكتشاف الأماكن من منظور أهلها، وبطريقة تحمل الكثير من الألفة والرفقة للمسافرين المنفردين (solo-traveler)، فضلًا عن تجربة استضافة مسافرين في منزلك، وتبادل الخبرات الثقافية وبناء صداقات عالمية.

إعلان

إلى جانب الإقامة، تُمكِّنك "كاوتش سيرفينغ" من إعادة اكتشاف مدينتك من خلال الانضمام إلى المجتمع المحلي للمنصة، إذ تُنظم فعاليات منتظمة مثل لقاءات التبادل اللغوي، ودروس الرقص، واستكشاف المدينة مشيًا، والعديد من الأنشطة الثقافية والرياضية، مما يمنحك فرصا مستمرة لتكوين صداقات جديدة وتوسيع دائرتك الاجتماعية، سواء كنت مسافرًا أو مقيمًا، إلى جانب التعرف على الثقافة المحلية بشكل أعمق من خلال التفاعل مع السكان المحليين، وتقليل نفقات السفر.

موقع منصة "جذور الثقة Trustroots
تتيح المنصات التعرف على الثقافة المحلية بشكل أعمق من خلال التفاعل مع السكان المحليين (الجزيرة)

ورغم اعتماد المنصة على مبدأ التبادل المجاني للضيافة؛ فقد اعتمدت منذ مايو/أيار 2020 نموذج اشتراك مدفوع في بعض البلدان، مع التأكيد على أن المضيفين غير مسموح لهم بفرض أي مقابل على إقامة ضيوفهم، وإن كان هذا لا يمنع من رد شيء ما لمضيفك في المقابل، مثل هدية بسيطة أو وجبة طعام تعدها خصيصا في منزلهم، أو من خلال تعليمهم كلمات من لغتك الأم، تقديرا لوقتهم وقبولهم طلب استضافتك.

منصات ضيافة أخرى

وإلى جانب "كاوتش سيرفينغ"، هناك العديد من المنصات التي تربط المسافرين بالسكان المحليين للإقامة أو التجارب الثقافية أو تنظيم الجولات. والأمر اللافت للانتباه أن جميع تلك المنصات نشأت في الغرب كانعكاس لشيوع ثقافة التنقل والسفر، خاصة في دول الاتحاد الأوروبي، وبريطانيا والولايات المتحدة. ومن أبرز تلك المنصات:

"مرحبا بك"

منصة مرحبا بك (BeWelcome) منصة ضيافة غير ربحية يُديرها متطوعون تأسّست في فبراير/شباط 2007 في فرنسا، وتعد الأكبر عالميا في هذا المجال وبمشاركة أكثر من 254 ألف عضو من 222 دولة. وتعمل المنصة على مبدأ الضيافة المجانية دون أي رسوم تسجيل أو اشتراك في موقعها الإلكتروني؛ إذ يقدّم المضيفون أماكن إقامة متنوعة بلا مقابل، ويُشجّعون على استقبال الرحالة والمسافرين.

شعار منصة "جذور الثقة Trustroots
منصة "مرحبا بك" نشأت في فرنسا وهي  الأكبر عالميا إذ يشارك فيها أكثر من 254 ألف عضو  (الجزيرة)

"جذور الثقة"

"جذور الثقة" (Trustroots) هي أيضا منصة غير ربحية مسجلّة في العاصمة الألمانية برلين منذ مارس/آذار 2014، ويبلغ عدد أعضائها حاليا 120 ألفا، ويمكن الاشتراك بها عن طريق موقعها الإلكتروني، ولا تستوفى أي رسوم عن الاشتراك فيها.

شعار منصة "جذور الثقة Trustroots
تعمل المنصة على مبدأ الضيافة المجانية دون أي رسوم (الجزيرة)

وتستند مهمة المنصة على تشجيع الثقة وروح المغامرة، والتواصل بين الثقافات، عبر توفير منصة تجمع الأشخاص ذوي الاهتمامات المشتركة عبر دوائر (Circles)، أو مجموعات متخصصة لأنشطة متنوعة مثل ركاب الدراجات، والتنزه سيرًا، وتسلق الجبال، فضلا عن محبي الطبخ وهواة التصوير، وحتى دائرة للنباتيين، وكل ذلك بغرض تبادل الخبرات عبر منتديات ومنشورات المدونة الرسمية للمنصة.

"استضيفي أختا"

انطلقت منصة "استضيفي أختا" (Host A Sister) في عام 2019 كمجموعة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، وأسستها إحدى المسافرات المنفردات حول العالم لتوفير بيئة آمنة للمسافرات، ومساعدتهن على استضافة بعضهن بعضا حول العالم بلا مقابل.

إعلان

وسرعان ما نمت المجموعة لتضم أكثر من 703 آلاف عضو من شتى القارات، بفضل المبادرات التي أطلقتها المنصة لتمكين النساء ليتعرفن على ثقافات جديدة ويكتسبن الثقة خلال السفر.

وتوفّر المنصة مجموعة من الخدمات الحصرية الموجّهة للنساء بهدف تعزيز الأمان والدعم المتبادل أثناء السفر. من بين أبرز هذه الخدمات، ميزة الاستضافة (HOST)، حيث تقوم العضوات بعرض مساحات إقامة مؤقتة داخل منازلهن لاستقبال المسافرات.

موقع منصة "جذور الثقة Trustroots
تقدم نصائح للباحثين عن مضيفين جيدين بمنصات الضيافة ومن أبرز قراءة التقييمات والتعليقات المتوفرة (الجزيرة)

كيف نختار مضيفا بشكل صحيح؟

للعثور على مضيف موثوق، إليك بعض النصائح:

  1. تحقق من الملف الشخصي: اختر مضيفين لديهم ملفات مكتملة، صور واضحة، وقصص شخصية. كلما كان الملف أكثر تفصيلًا زادت الثقة.
  2. اقرأ التقييمات والتعليقات: يُنصح المستخدمون بقراءة التعليقات والمراجعات بعناية، مما يعطي فكرة عن مدى موثوقية المضيف وكيفية تعامله، واختر مضيفين لديهم عدد كبير من التقييمات الإيجابية.
  3. التواصل المسبق بفاعلية: اسأل وناقش توقعاتك، وتأكد من التفاصيل المهمة لك، وتعرف على المضيف أكثر.
  4. حافظ على المحادثات داخل المنصة: من الأهمية بمكان إبقاء جميع الرسائل والمحادثات داخل المنصات الرئيسية وتجنب نقلها إلى تطبيقات خارجية تضم معلومات شخصية مثل "واتساب"؛ حيث تساعد هذه الخطوة على حماية المعلومات وتتبعها وتوثيق المحادثات، مع ضرورة عدم الكشف عن معلومات شخصية مهمة مبكرا.
  5. وضع خطط بديلة: أبلغ شخصا موثوقًا بمكان الإقامة وقم بوضع خطة بديلة في حال حدوث ما يثير القلق بشأن مكان الإقامة أو غير ذلك.

تجربة المنصات: بين المغامرة والمخاطر

خلال السنوات الأخيرة، اكتسبت منصات تبادل الضيافة مثل ""كاوتش سيرفينغ" شهرة واسعة في صفوف الشباب والمغامرين من مختلف أنحاء العالم، لِما توفره من بدائل غير تقليدية للإقامة، وتجارب سفر أكثر إنسانية وتنوعا.

منصات الضيافة تمنح المسافرين فرصة للانخراط في الثقافة المحلية والتعرف على أشخاص من خلفيات مختلفة (غيتي)

فهذه المنصات لا تتيح فقط الإقامة المجانية أو منخفضة التكلفة، بل تمنح المسافرين فرصة نادرة للانخراط في الثقافة المحلية، والتعرف على أشخاص من خلفيات مختلفة، وتبادل القصص والخبرات. ولكن مع هذه المزايا قد تأتي أيضا مخاطر وتحديات تستحق التأمل والحذر منها، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالأمان الشخصي، خاصة بالنسبة للمسافرات بمفردهن.

ومن أبرز المخاطر المحتملة:

  • الاختلافات بين التوقعات والواقع: قد يفاجأ المستخدم عند الوصول إلى مكان الإقامة بظروف لا تتوافق مع ما وُصف في الملف الشخصي، سواء من حيث النظافة، أو الراحة، أو السلوك.
  • غياب الشعور بالأمان: في بعض الحالات، قد يشعر الضيف أو المضيف بعدم الارتياح أو الريبة عند اللقاء الشخصي.
  • انتهاك الخصوصية: الوجود في منزل شخص غريب قد يحد من خصوصيتك.
  • دوافع خفية: يستخدم بعض الأشخاص منصات الضيافة لأغراض لا تتعلق بالضيافة أو التبادل الثقافي، مثل التعارف الحميمي أو استعراض الذات أو مقاصد أخرى غير معتادة.
  • استغلال النساء: يجب على المسافرات بمفردهن توخي الحذر من طلبات الاستضافة من لدن الرجال، إذ قد يتعرضن لمحاولات تحرش جنسي.
  • المضايقات والسلوك العدواني: قد تتنوع الحالات من مواقف تستدعي الانسحاب الفوري إلى حالات خطيرة تتعلق بالعدوان الجسدي أو اللفظي.

ماذا عن التجارب الشخصية؟

تشير العديد من الشهادات الواقعية إلى أن أغلب تجارب استخدام منصات الضيافة تكون إيجابية وثرية، لكنها أحيانا لا تخلو من لحظات قلق أو ريبة، إذ تشير إحدى المستخدمات من واقع تجربتها إلى أن معظم المضيفين على منصات الضيافة، سواء في الماضي أو الحاضر، كانوا من الرجال.

إعلان

ولذلك، كمسافرة بمفردك، من المهم أن تتعلمي قول "لا" بوضوح وثقة عند الحاجة. فهذه المهارة ليست فقط وسيلة لحماية نفسك، بل تُعد درسا أساسيا في "مدرسة الحياة"، يُكسبك وعيًا أكبر بحدودك الشخصية، ويعزز من قدرتك على الحفاظ على راحتك وسلامتك أثناء السفر.

العديد من الشهادات الواقعية تشير إلى أن أغلب تجارب استخدام منصات الضيافة تكون إيجابية وثرية (غيتي)

ويشير مسافر آخر إلى تجربته قائلا "رغم أنني خضت عشرات التجارب الإيجابية في الإقامة مع مضيفين عبر منصات الضيافة، إلا أنني واجهت أيضا بعض التجارب السلبية. ومع ذلك، فإن هذه التجارب السلبية كانت في أغلبها مزعجة فقط، وليست خطرة أو تهدد السلامة. وأدرك تماما أن كوني رجلا كان له دور في مدى شعوري بالأمان".

من واقع تجربة ثالثة لإحدى المسافرات، تؤكد بعد تجارب كثيرة في منصات تبادل الضيافة ومقابلة العديد من المضيفين حول العالم أن أفضل وسيلة للحد من المخاطر تكمن في:

– يُنصح بمحاولة السفر أو الإقامة مع صديقة أو شريكة سفر أو أي رفيق موثوق إن أمكن، فوجود مرافق يُعزز من الإحساس بالأمان.

موقع "كاوتش سيرفينج" Couchsurfing استخدام داخلي من صفحتهم
من الضروري توضيح الحدود الشخصية بشكل صريح قبل وأثناء الإقامة عند شخص اخترته من منصات الضيافة (مواقع التواصل)

– ينبغي البحث عن المضيفين الذين يملكون حسابات موثقة على المنصة، ويفضل دائما اختيار من لديهم تقييمات إيجابية وسابقة؛ من الأفضل قراءة ما لا يقل عن 5 مراجعات والتأكد من آراء أشخاص لهم خلفية مشابهة.
– توضيح الحدود الشخصية بشكل صريح قبل وأثناء الإقامة، وذلك لتجنب أي لبس أو سوء تفاهم.
– إبلاغ شخص مقرب عن تفاصيل استضافتك وموعد الوصول والمغادرة، والمدينة واسم المضيف، لتكون على تواصل مع ذلك الشخص في حال الضرورة.

هل هذه المنصات آمنة؟

في الحقيقة، لا توجد إجابة قاطعة، إذ تؤكد أغلب التجارب أن درجة الأمان نسبية؛ فهي تعتمد على صدق وشفافية الأعضاء وتفاعلهم ضمن مجتمع كبير متنوع الثقافات. ومع أن اتباع الاحتياطات ونصائح الأمان يساعد في تقليل المخاطر، إلا أن الاعتماد الأكبر يبقى على وعي المستخدم نفسه، وحدسه، وقراءته الدقيقة للملفات الشخصية، والتقييمات الملحقة بها.

Family walking in airport
سلامة التجربة تقع على المستخدم نفسه فالمنصة توفر وسيطا يمكن استخدامه بشكل إيجابي أو سلبي (غيتي)

تبقى المنصات مجتمعات مفتوحة كالحياة تضم ملايين المستخدمين، مما يعني أن الخطر لا يمكن أن يلغى تماما، بل يُدار بذكاء وحذر. وهنا تأتي القاعدة الذهبية: المنصة توفر وسيطا يمكن استخدامه بشكل إيجابي أو سلبي، لكن سلامة التجربة تقع على المستخدم نفسه.

المصدر: الجزيرة

إعلان