سافر إلى مراكش.. مدينة الدفء والسحر والتجارب الغنية
مراكش- من الصعب أن تجد عاشقا للسفر والسياحة لم يسمع بمراكش المدينة المغربية الحمراء وبسحرها وجمالها، ولم يتق إلى زيارتها مثله مثل مشاهير العالم في الفن والثقافة والسياسة والرياضة.
صيتها يسبقها في كل مكان عند أهل المغرب كما عند الأجانب، فهي ضمن أفضل 10 وجهات سياحية في العالم وفق تصنيف موقع "تريب أدفايزر" (Trip) المشهور، وتلك الصور الجميلة المتنوعة، والتي تخلفها في ذهن من يزورها، تبقى خالدة لا تبرح مكانها في الذاكرة.
من تطأ قدمه أول مرة أرض مراكش يشعر بدفء وترحيب لا يضاهيه شعور آخر، هكذا يصف أمير شعوره الأول وهو يتنفس أولى نسمات المدينة حين يحل بمطار مراكش قادما من مدينة دبي في رحلة مباشرة لقضاء عطلته برفقة زوجته واثنين من أولاده.
ويصل مفعما بالشوق لزيارة المدينة ومآثرها التاريخية ومتاحفها وحدائقها، في حين تزيد من حماسته تلك الحركة الدائبة للطائرات الواصلة إلى المدرج أو المنطلقة في سماء المدينة.
وحين تقع عين هذا السائح الثلاثيني على حامل الأمتعة بابتسامته الجميلة التي تعلو وجهه القمحي، وبهندامه البسيط الأنيق، يشعر بوجهه المألوف وكأنه سبق أن رآه في مكان ما في بلده.
شعور الهدوء والراحة النفسية والسعادة تبرزه الأكاديمية المصرية سارة حامد حواس للجزيرة نت، وهي تتحدث بحماسة واضحة عن زيارتها الأخيرة لمدينة الطبقات المتراكبة، والموسومة بالفطرة والعفوية كما تراها.
جامع الفنا
يصل أمير إلى المدينة عصرا، لكن لا شيء من اليوم ضاع، كما يشرح له المرشد السياحي حسن بوقديد، الذي اختار أن يرافقه طيلة أسبوع في المدينة.
وبعد وقت قصير من رحلة دامت لساعات، يبحث أمير في مفكرته التي دون فيها الأمكنة التي يود زيارتها بألوان زاهية وألصق صورها.
وأول هذه الأمكنة، ساحة جامع الفنا التي تبدو في الصورة هادئة وصاخبة في الوقت ذاته، بلون سمائها الصافي وناسها الذين يملؤونها جيئة وذهابا.
وحين يصل الساحة العتيقة تكون قد امتلأت بزوارها وأيضا محبيها من ساكنة المدينة، كما اتخذ عدد منهم أماكنهم على شرف المقاهي المطلة عليها ينتظرون الاستماع بوقت غروب الشمس وهم يرتشفون كؤوس الشاي المنعنع أو عصير الليمون الطازج، وبعضهم يقصد المطعم المفتوح حيث تقدم الوجبات الشعبية اللذيذة، لعل أهمها "الطنجية" التي تنضج وسط الرماد.
كثير منهم اختار أن يتجول بين "حلقات" يقدم فيها الحكواتي آخر حكاياته عن بطولات مضت وقصصا تبحث عمن يعي معانيها، أو سماع موسيقى شعبية، أو التحلق حول مروض الأفاعي وهو يغازلها وجها لوجه.
ويتراءى في جانب من الساحة متحف التراث المادي واللامادي، الذي ساهمت في إغنائه منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) بمناسبة اختيار المدينة عاصمة للثقافة الإسلامية بشراكة مع المؤسسة الوطنية للمتاحف، كما تقول للجزيرة نت سهيلة الجناني عن المنظمة مبرزة أنها تعتبر إحدى المدن التي تحتوي على أكبر عدد من المتاحف العمومية والخاصة في المغرب.
كوتشي
يقطن أمير في فندق من 4 نجوم، غير بعيد عن وسط المدينة وباقي المزارات التي يستطيع الوصول إليها عبر سيارة الأجرة "تاكسي صغير" ذات اللون الأصفر الفاتح، والمنتشرة في كل مكان بثمن قد لا يتعدى دولارا واحدا أو دولارين.
لكن المدينة التي تعد من الوجهات العالمية الأقل سعرا بالرغم مما تقدم لزوارها من متعة، تتوفر أيضا على فنادق مصنفة من البسيط جدا إلى الطراز العالي جدا، أو الإقامة في دور الضيافة (الرياض) المنتشرة في المدينة القديمة، والتي هي عبارة عن دور تقليدية كبيرة بفنائها حديقة جميلة.
ويقترح حسن اليوم على أمير جولة عبر عربة الكوتشي، وهي تجربة فريدة لا يمكن تفويتها عند زيارة المدينة. وما إن تبدأ العربة في التحرك، حتى يسمع قرع الأجراس المعلقة في عنق الحصانين في تناغم تام مع وقع الحوافر على أسفلت الطريق.
ويصادف أمير في طريقه عشرات العربات، وحين يتقاطع اثنان منها يتبادل السائقان التحية في حركة خفيفة دون أن تغادر الابتسامة محييهما، بينما تتراءى للوهلة الأولى صومعة الكتبية شامخة، وشاهدة على تاريخ مجيد.
حدائق
تواصل العربة حركتها الدؤوبة في شوارع المدينة المتسمة بالنظافة، فالزيارة لا تزال طويلة ومشوقة، وستقود أمير حتما إلى قصور ومتاحف وحدائق، وإذا اختار جولة أكبر تمتد لممرات النخيل الفاتنة، فإنه سيستمع حتما بأجواء الواحات الجميلة.
وفي الجولة الأولى، والتي يمكن أيضا أن تكون عبر حافلة سياحية مكشوفة أو دراجة هوائية مستأجرة، يتعرف أمير على حديقة "المنارة" الشاسعة، وصهريجها الكبير، والذي يخفي وراءه حكايات يمتزج فيها الخيال بالواقع، حكاية تدريب جنود الموحدين ومن بعدهم، في حين تظهر هندسة مياه الأمطار التي تتجمع فيها وتصل عبر سواقي هندست بعناية عبقرية.
إنها العبقرية نفسها التي يكتشفها المرء عند زيارة قبور السعديين، أو قصر البديع أو قصر الباهية، وهما الشاهدان على حقب لإمبراطوريات مرابطية وموحدية وسعدية مزدهرة، كانت المدينة عاصمة لها طيلة قرون.
أما سارة، فتبدأ جولتها بزيارة مراقد رجالات مراكش السبعة، الموجودين قرب أسوار المدينة، منهم سيدي يوسف بن علي الصنهاجي، الإمام السهيلي. وتقودها الجولة إلى حدائق ماجوريل الغناء، أو متحف إيف سان لوران، أو دار دنيس ماسون التي ترجمت معاني القرآن الكريم، وكلها عناوين لشغف الأجانب بهذه المدينة الساحرة ووضعها بصمتهم عليها كما بصمت هي فكرهم وروحهم.
تسوق
تترك الأماكن الجميلة قطعة منها في قلوب زائريها، تدفعهم إلى الاحتفاظ بتذكارات أو شراء هدايا يقدمونها للأحباب عند عودتهم. لكن في مراكش، الأمر أكثر من ذلك، فمهما أخذت من تذكار فإنه شعور بعدم الاكتفاء يلزمك.
وتواصل سارة جولتها مشيا باتجاه الأسواق التقليدية في المدينة العتيقة بأبوابها الشاهقة المزخرفة، وتصادف البيوت العريقة بهندستها الجميلة وأبوابها التي افتتنت بها، كما تلتقي أصحاب الحرف اليدوية وبائعي البهارات والزيوت التقليدية، كما المصنوعات الجلدية، بينما تتم ما بدأته خلال الطواف الروحي على رجالات المدينة السبعة، سواء بضريح أبي العباس السبتي أو الإمام السهيلي.
وتكتشف سارة روح الدعابة عند أهل المدينة على دفء ترحيبهم، التي لا تخلو منها أحاديثهم ومجالسهم، وتقودها الجولة إلى المطاعم الصغيرة في باب دكالة حيث يمكن أن تأخذ قسطا من الراحة قبل استئناف المسير.
ويشد انتباه ضيفة المدينة الحمراء زيت الأرغان الذي يُعصر أمامها، وتستمتع وهي ترى ثمار شجرتها تتحول إلى زيت سحري يفيد البشرة والجسم والشعر.
وأما أمير، فيجد في طريقه متحف مراكش، ومدرسة ابن يوسف العتيقة والقبة المرابطية، والحدائق السرية التي تقدم أيضا مكان راحة واستجمام، يمتزج فيه عطر النبات بالجمال الأخاذ للمباني والأبواب.
عطش لم يرو
قدم أمير إلى مراكش منتصف مايو/أيار من السنة الجارية، لكن حسن يؤكد له أن زيارته يمكن أن تكون مناسبة للمدينة طيلة السنة، فجوها المعتدل الخالي من الرطوبة خريفا وشتاء، وشمسها الدافئة ربيعا وصيفا، يجعلها وجهة محببة للباحثين عن الراحة وأيضا الأنشطة الرياضية والثقافية المختلفة، وأيضا لإقامة حفلات الأعراس والتمتع بـ"شهر العسل" بما أنها مصنفة ضمن المدن الأكثر رومانسية في العالم، بل تعد أيضا وجهة معروفة لسياحة المؤتمرات الكبرى.
ويقضي أمير يوم عطلته الأخير في مراكش، وإذا ما قرر تمديدها كما يفعل كثيرون، فإن له الخيار أن يبقى بها أو يزور ضواحيها القروية والجبلية، كما يشرح له مرشده حسن، بل إنها تعد منطلقا لاكتشاف مدن أخرى عبر القطار أو الطيران منخفض التكلفة.