سباق التسلح العالمي للذكاء الاصطناعي.. إسرائيل في المقدمة ولا ذكر للعرب
وجد باحثان أن الدول العشرة الرائدة التي تتصدر دول العالم في مجال التسلح بالذكاء الاصطناعي هي -على التوالي- سنغافورة وألمانيا وأميركا والسويد وإستونيا وبريطانيا وكندا وإسرائيل والصين وكوريا الجنوبية
تأتي إسرائيل ضمن الدول العشر الرائدة في العالم بمجال البحث والاستثمار بالذكاء الاصطناعي، بينما تغيب الدول العربية بشكل كامل عن القائمة.
ونشر مؤخرا الباحث ترونغ غاي -مدير قطاع الطاقة والخدمات العامة في مؤسسة "أرثر دي ليتل سنغافورة" (Arthur D. Little’s Singapore)- والباحث أبيشيك سريفاستافا -مدير إدارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في ذات الشركة- بحثا مشتركا في غاية الأهمية تحت عنوان "سباق التسلح العالمي للذكاء الاصطناعي – كيف يمكن للأمم تجنب التخلف عن الركب؟" (The global AI arms race – How nations can avoid being left behind).
اقرأ أيضا
list of 4 itemsمستقبل الوظائف في زمن الجوائح والروبوتات والذكاء الاصطناعي والطاقة البديلة
فيسبوك تعلم الآلات ما الذي يجب أن تنساه لتزداد ذكاءً
التنمر الإلكتروني مشكلة كبرى تواجه منصات التواصل لكن الذكاء الاصطناعي يقف بالمرصاد
حيث ناقشا من خلاله المشهد العالمي الحالي للذكاء الاصطناعي، وما هي الدول الرائدة والمتخلفة في هذا المجال الحيوي، كما قدما أيضا رؤى واقتراحات في غاية الأهمية لقادة العالم وصناع القرار الذين يرغبون في العمل من أجل تطور دولهم واكتساب ميزة تنافسية في هذا السباق المستقبلي الحاسم للذكاء الاصطناعي، وكيفية تحقيق النمو والازدهار لشعوبهم من خلال الاستثمار فيه.
ويقول الباحثان -في مقابلة مع مجلة "فوربس" (Forbes) "إن الهدف الأساسي لكل أمة من الأمم هو إيجاد اقتصاد مرن يهدف لرخاء الشعب، وليس فقط تحقيق الهيمنة الاقتصادية أو جذب الشركات الكبيرة للاستثمار في أراضي الدولة".
العالم قبل الذكاء الاصطناعي ليس هو ذات العالم بعده
وأوضح الباحثان أن العالم قبل اكتشاف الكهرباء في القرن الـ19 لم يعد نفس العالم بعد اكتشاف الكهرباء، حيث شهد الاقتصاد العالمي تحولا جذريا حاسما بعد ذلك الاكتشاف الذي غير وجه البشرية. وقد كان للكهرباء تأثيرا مدمرا -إذا صح القول- لماكينة الإنتاج الاقتصادي العالمي التي كانت سائدة قبلها، ويمكن القول إن الدورة الاقتصادية السابقة بأكملها قد نسفت نسفا لتحل محلها آليات إنتاج اقتصادي جديدة تستخدم أطرا وأدوات مختلفة تماما.
ويضيف الباحثان أن الأمم والشعوب التي استوعبت التحولات الجديدة بعد الكهرباء، وكيفية التعامل مع هذه الطاقة الجديدة؛ قادت العالم وتسيَّدتْه في العقود التالية، وكل من أتقن هندسة واقتصاد الكهرباء استطاع أن يحول مجرى التاريخ، ولم يكن التحول وقتها خطيا أو تراكميا، بل كان تغيرا كليا أدى إلى تحولات اجتماعية واقتصادية شاملة، وعلى كافة الصعد وفي كل القطاعات.
ويحدث الآن نفس الشيء، فالعالم قبل الذكاء الاصطناعي ليس هو ذات العالم بعده، فالتغير يطال كل شيء حولنا، ويصل الى كل القطاعات ليغيرها بشكل نهائي، وهو في طريقه لتحويل البلدان والصناعات كافة بطريقة مماثلة. والدول التي ستحصد أكبر قدر من الاستفادة من الذكاء الاصطناعي هي تلك التي تتبنى إستراتيجيات عمل مبنية على الوعي العميق بالتغيرات القادمة، وتؤسس لبنية تحتية تقنية قادرة على الاستفادة من الثورة الجديدة، مع الأخذ بعين الاعتبار النظم البيئية والاقتصادية المحلية والعالمية المتوفرة عندها.
ويقول أبهيشيك "يمكن للذكاء الاصطناعي المساهمة في تحسين كل منتج أو خدمة أو بنية تحتية موجودة في كل دولة من الدول، وهو سيحسن من تنافسية منتجات هذه الدول في السوق العالمي، كما سيمكن استخدام الذكاء الاصطناعي من تقديم تجربة أفضل للعملاء، ومنتجات عالية الجودة بسعر أقل، والحكومات الرائدة تفهم هذا جيدا، وتقوم بإعادة تأسيس وهيكلة بنيتها التحتية من حوله".
آلية تقييم الدول الرائدة
صنف الباحثان الدول الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي وفقا لـ 4 عوامل أساسية:
- كيفية البدء بالاستثمار في الذكاء الاصطناعي: ويشمل مدى الاستثمار في الشركات الناشئة الناشطة في مجال الذكاء الاصطناعي مقارنة بعدد أفراد المجتمع ومستوى الدخل الفردي في كل دولة.
- الوظائف المتعلقة بالذكاء الاصطناعي: أي النسبة المئوية للوظائف المرتبطة بالذكاء الاصطناعي في اقتصاد كل دولة.
- مدى تبني البحث في الذكاء الاصطناعي في القطاع الخاص: ويشمل مستوى اعتماد الذكاء الاصطناعي، ووجود الأموال المخصصة للبحث في الذكاء الاصطناعي في أكبر 10 شركات محلية مدرجة في الدولة.
- المعرفة والمهارات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي: وتشمل المعاهد التي تقود الأبحاث، وتضم أفضل 5 جامعات في الدولة ومدى اهتمامها في هذا المجال، كما يشمل عدد براءات الاختراع المتعلقة بالذكاء الاصطناعي لكل مليون شخص من سكان الدولة.
ما هي الدول التي تقود سباق التسلح العالمي؟
اعتمادا على العوامل الأربعة السابقة وجد الباحثان أن الصين دولة تتصدر الجهود العالمية بميدان البحث في الذكاء الاصطناعي وتبنيه باقتصادها المحلي، وتليها في هذا المجال الولايات المتحدة الأميركية، لكن حين يتعلق الأمر بالقطاع الخاص فقد وجد الباحثان أن هناك دولا صغيرة -مثل إسرائيل وسنغافورة- تأخذ زمام المبادرة في هذا الميدان، حيث تضمان أفضل المختبرات العلمية في العالم التي تبحث في الذكاء الاصطناعي، و"هي بوتقة مختبرات العالم"، إذا جاز التعبير كما يقول أبيشيك.
والدول العشرة الرائدة التي تتصدر باقي دول العالم في مجال التسلح بالذكاء الاصطناعي حسب المعايير الأربعة السابقة مجتمعة؛ هي -على التوالي- سنغافورة وألمانيا وأميركا والسويد وإستونيا وبريطانيا وكندا وإسرائيل والصين وكوريا الجنوبية.
ولم يرد ذكر أي دولة عربية ضمن الدول الرائدة، في الوقت الذي احتلت فيه إسرائيل المرتبة الثامنة بالعالم في البحث والاستثمار بمجال الذكاء الاصطناعي، متفوقة على الكثير من دول العالم الأول.
وتخصص إسرائيل 4.95% من الناتج المحلي الاجمالي للبحث العلمي، في الوقت الذي تضع فيه الدول العربية عموما أقل من 1% من إنتاجها القومي للبحث العلمي، حيث تخصص أكبر دولة عربية -وهي مصر- 0.71% من ناتجها المحلي الاجمالي للبحث العلمي، بينما تصل هذه النسبة إلى 0.82% في السعودية وهي أغنى الدول العربية، وذلك حسب إحصائيات البنك الدولي.
ويؤكد الباحثان أن الصين وأميركا هما اللاعبان الأكبر على مستوى العالم في المدى الطويل بما يتعلق بسباق التسلح في مجال الذكاء الاصطناعي؛ حيث إن جمع المزيد من البيانات يؤدي إلى ذكاء اصطناعي أفضل وأكثر تطورا، وبالتالي فإن حجم هاتين الدولتين يلعب دورا حاسما في كمية البيانات التي يتم جمعها.
وتقود الولايات المتحدة أيضا الطريق في ميدان تصميم الخوارزميات وتطوير الموجة التالية من تقنية الذكاء الاصطناعي، كما أن أميركا هي الدولة الأكثر جذبا للمواهب والعقول الشابة الباحثة في هذا المجال، وهذا سيعطيها أفضلية على المستوى البعيد.
أما في القطاع الخاص فإن ألمانيا هي الدولة التي تمتلك أكبر قدر من الوظائف المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، خصوصا في الشركات الصغيرة والمتوسطة العاملة فيها.
اللحاق بالركب
ولكن ما الذي يمكن أن تفعله الدول والحكومات المتأخرة لاكتساب الزخم اللازم في سباق التسلح العالمي في الذكاء الاصطناعي؟
أكد ترونغ -خلال إجابته عن هذا السؤال- على أهمية البحث والتطوير واعتماد الأموال اللازمة لذلك، مشيرا إلى أن أميركا وكندا وبريطانيا قد بدأت تستثمر وتبحث في الذكاء الاصطناعي قبل نحو عقد من الزمان، وهي تجني فوائد هذا الاستثمار الآن، في حين أن البلدان الناشئة والراغبة في اللحاق بالركب ستحتاج إلى بذل الكثير من الجهد، وعليها أن تركز على البحث والتطوير وتخصيص الأموال اللازمة لذلك.
ويتوقع ترونغ وأبيشيك أنه على الرغم من أننا حاليا في خضم سباق عالمي محموم للذكاء الاصطناعي؛ فإننا سنشهد في غضون السنوات العشر القادمة المزيد من تطبيقات الذكاء الاصطناعي في كل مكان وقطاع، وستصبح هذه التقنيات متاحة للجميع تماما مثل الكهرباء، لكن الدول التي ستتحرك بشكل أسرع من غيرها ستجني فوائد اقتصادية كبيرة جدا مقارنة بغيرها.