فيسبوك تعلم الذكاء الاصطناعي "نعمة النسيان"
قد نستطيع في يوم ما تطوير قدرات الذكاء الاصطناعي كي يؤدي عمليات بالغة التعقيد ليعمل تماما مثل الدماغ البشري
يحتوي الدماغ البشري على أكثر من 100 مليار خلية عصبية، وله قدرة هائلة وغير محدودة على جمع وتخزين المعلومات.
فقد توصل العلماء إلى أن حجم المعلومات التي يستطيع العقل البشري جمعها وتخزينها، خلال سنة واحدة فقط، يصل إلى 300 إكسابايت (Exabyte). وللتدليل على هذه السعة فإن حفظ جميع الكلمات الموجودة بجميع اللغات المستخدمة عالميا تحتل 5 إكسابايت فقط، وهذا يعطي فكرة عن القدرات الضخمة التي يتمتع بها العقل البشري.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsمايكروسوفت تستحوذ على الشركة التي طورت مساعد آبل “سيري”
ما مصدر نظريات المؤامرة حول فيروس كورونا وكيف بدأت؟ الذكاء الاصطناعي يجيب
مستقبل الوظائف في زمن الجوائح والروبوتات والذكاء الاصطناعي والطاقة البديلة
ومع ذلك، فإن هذا الدماغ البشري كائن انتقائي، يختار النسيان في كثير من الأحيان، ويضع كميات كبيرة من المعلومات التي يصنفها على أنها غير مهمة بملفات مهملة في تلافيف العقل، فهناك الكثير من المعلومات التي يتم حشوها في عقلنا منذ الولادة وحتى الموت، سواء في المدرسة أو الجامعة أو العمل أو من خلال تحركنا اليومي بالحياة.
ونصادف في حياتنا أعدادا كبيرة من البشر لكننا في كثير من الأحيان نفشل في تذكرهم، فمثلا قد نلتقي بشخص ما، ويأتي ليصافحنا بحرارة بالغة توحي بأنه يعرفنا تمام المعرفة، ومع ذلك فإننا لا نكاد نتذكر اسمه أو أين التقينا به أول مرة، فالدماغ كائن انتقائي يختار تخزين المعلومات الأكثر أهمية لنا في الحياة، ويضع المعلومات الأقل أهمية في تلافيفه الخفية حتى لا تكاد تظهر.
وقد وجد العلماء أن كثرة النسيان، خصوصا في التفاصيل الصغيرة، دليل على سلامة العقل، وطريقة يستخدمها الدماغ لتجديد حيويته وخلاياه والحفاظ على فعاليته، وبالذات أوقات الضغط والتوتر والحاجة القصوى لاتخاذ القرارات السليمة في الأوقات العصيبة.
فمعرفة العقل كيف يهمل المعلومات غير المهمة في لحظة ما هي بنفس أهمية قدرته على تذكر المعلومات الأكثر أهمية وذات العلاقة المباشرة بالموضوع أو التحدي الذي يجري التعامل معه، ذلك أن الهدف الحقيقي من الذاكرة هو تحسين القدرة على اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب دون الغرق بالتفاصيل.
ترى: هل نستطيع تعليم الذكاء الاصطناعي العمل بنفس الطريقة، فيحتفظ بالمعلومات الأكثر أهمية ويمحو أو يضع المعلومات الأقل أهمية في مجاهل النسيان؟
هذا بالضبط ما تحاول شركة فيسبوك (facebook) عمله. فقد قالت شركة التواصل الاجتماعي الأكبر في العالم إنها تقوم بتعليم أنظمة الذكاء الاصطناعي الخاصة بها أن تنسى المعلومات الأقل أهمية التي تجمعها، وذلك حتى تتمكن من إكمال عملها بسرعة وكفاءة أكبر.
فالشبكة -التي يدخلها أكثر من 2.85 مليار شخص من كافة أرجاء العالم شهريا- تعتمد بشدة على الذكاء الاصطناعي من أجل كشف وتصنيف المحتوى الضار الذي قد يبث عبرها مثل خطاب الكراهية والعنف والتمييز العرقي والعنصري، وغيرها من التصرفات التي تعدها فيسبوك خطرة ولا تنسجم مع سياستها.
وفي هذا السياق، قال العلماء والباحثون العاملون في الشركة -في بحث نشر مؤخرا- إنهم ابتكروا طريقة جديدة تُعرف باسم "انتهاء الصلاحية" (Expire-Span) تعلم الذكاء الاصطناعي كيفية نسيان كميات كبيرة من المعلومات غير ذات الصلة.
وقال الباحثان العاملان لدى فيسبوك أنجلينا فان وسينباير شاخباتار والمشاركان بالدراسة، في مقالة مشتركة "إن كل جزء من المعلومات الذي ينشر في الشبكة يحصل من خلال هذا النظام على تاريخ انتهاء صلاحية خاص به، مما يؤدي إلى تحرير مساحة مهمة من ذاكرة الحاسوب حتى يتمكن من التركيز على الأمور الضرورية والأكثر أهمية لإكمال المهمة المطلوبة منه على أفضل وجه".
وعلى سبيل المثال، إذا كان النموذج يتدرب على أداء مهمة محددة للتنبؤ بالكلمات، فمن الممكن تعليم الذكاء الاصطناعي أن يتذكر الكلمات الأكثر أهمية، ويتغاضى عن الكلمات الشائعة وغير ذات العلاقة بموضوع البحث والتي قد يستعملها الكثير من المستخدمين في منشوراتهم.
وأضاف المقال "إن فيسبوك تقترب أكثر من أي وقت مضى من جعل أجهزة الحاسوب تحتفظ بالذكريات تماما مثل أدمغة البشر التي تحتفظ بالمعلومات والذكريات الأكثر أهمية بدلا من التفاصيل والذكريات غير المهمة".
وأكمل الباحثان قولهما بأن "قابلية التوسع من خلال هذا النظام مذهلة ومثيرة للاهتمام، وقد نستطيع في يوم ما تطوير قدرات الذكاء الاصطناعي كي يؤدي عمليات بالغة التعقيد ليعمل تماما مثل الدماغ البشري".