الأولى عربيا وأفريقيا.. أي آفاق لجامعة الذكاء الاصطناعي في الجزائر؟

مصدر في وزارة التعليم الجزائرية: الجامعة تتبع نظام المدارس النخبويّة، بتخريج مهندسين لهم دراية نظرية عالية بأسس وتقنيات الذكاء الاصطناعي (الجزيرة)

الجزائر- الطالب إلياس إسماعيل بن عامر، واحد من نوابغ الرياضيات في "بكالوريا الجزائر 2021″، استهوته كثيرا التكنولوجيا المعلوماتية منذ الصغر، فظل حلمه الأول الالتحاق بجامعة عريقة في الخارج لاستكمال دراساته العليا في أحدث تخصصات الإعلام الآلي.

ويقول للجزيرة نت إنّ "الذكاء الاصطناعي ثورة يشهدها العالم اليوم مثل الثورات العلمية السابقة، ومن الواضح أنه سيحدث تغييرات عظيمة على حياة البشرية وعلى الجزائر بصفة خاصة".

ويعتقد أن هذا "الميدان يسهل العديد من الوظائف والمهام التي كان الإنسان يجد فيها نوعا من الصعوبة أو الأعمال الروتينية المنزلية الأخرى وأيضا المهن التي شكلت خطورة على حياته".

الطالب بن عامر استهوته كثيرا التكنولوجيا المعلوماتية منذ الصغر (الجزيرة)

وبما أنّ حقل الذكاء الاصطناعي يرتكز بشكل أساسي على الرياضيات، وهي مادة تفوّقه طيلة التعليم العام، صار همّه الأول الولوج إليه مهما كلفه ذلك من تضحيات، حتى أحرز معدّل الامتياز (18.21 من 20) في شهادة البكالوريا ضمن شعبة الرياضيات.

ومن حسن حظّه أنْ تزامن انتقاله الجامعي مع تدشين الجزائر مطلع الشهر الجاري لأول جامعة عربية وأفريقية متخصصة في هندسة الذكاء الاصطناعي، فكانت بوابة واعدة للاشتغال على تحقيق حلم الطالب المثابر.

وتمّ قبوله في "المدرسة الوطنية العليا" ضمن 200 طالب آخرين للدفعة الأولى، والتي عرفت تنافس 8 آلاف مترشح، وفق تصريح وزير التعليم العالي الجزائري.

وعينت الوزارة، فريق خبراء مرموقين، بمساهمة علماء الجالية الجزائرية بالخارج، عكف على إعداد برامج بيداغوجية (علم التربية) نوعية تستجيب للمعايير العالمية ومتطلبات سوق العمل.

وكشفت عن مرافقة أجنبية لـ5 بلدان في مرحلة أولى، وهي الصين والمملكة المتحدة واليابان وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية، لجعل مستوى الجامعة -التي تدرّس باللغة الإنجليزية- عالميا.

وأوضح الطالب بن عامر، أن ظروف التكوين والتكفل الاجتماعي جدّ محفّزة لزملائه، معتبرا الانتساب إلى المدرسة العليا فرصة علمية ذهبية منحتها إياهم الدولة الجزائرية، وستجني ثمارها العملية قريبًا.

وأشار إلى أن الذكاء الاصطناعي ليس منتشرا في الجزائر مقارنة بدول أخرى، لذا تمنّى أن تكون الجامعة الجديدة نقطة تحول لبلاده نحو تأهيل مهندسين متخصصين من ذوي الكفاءة العالية، وهو ما يشكل طموحًا مشتركًا يتقاسمه مع كل رفاقه.

وعبّر بن عامر عن تطلعه الشخصي لابتكار تطبيقات لتسهيل التواصل المهني، على غرار تسيير العلاقة بين المريض وطبيبه.

برنامج الجامعة بمعايير عالمية وإشراف مدرسين من داخل وخارج الجزائر (الجزيرة)

إستراتيجية وطنية

من جهة أخرى، كشف مصدر مسؤول بقطاع التعليم العالي أنّ الجزائر طوّرت إستراتيجيتها الوطنية في الذكاء الاصطناعي (2020 – 2030)، والتي نصت ضمن برنامج طموح على إنشاء جامعة وطنية لتكوين مهندسين من المتفوقين في المرحلة الثانوية.

وأوضح في تصريح للجزيرة نت، أن هذه الجامعة تتبع نظام المدارس النخبوية، بتخريج مهندسين لهم دراية نظرية عالية بأسس وتقنيات الذكاء الاصطناعي، إضافة إلى كفاءة في تطبيقاته، والقدرة على إيجاد حلول متطورة في كل مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية، بعد 5 سنوات من التعليم المتميز.

وأكد أن البُعد الإنتاجي والابتكاري مدمج في برنامج التدريس، حتى يتعلم الطالب كيف يحلل محيطه ويعرف المسائل المعقّدة، لينتقل بعد ذلك إلى برمجة حلول ذكية لها، بتسجيل براءات اختراع، ثم إلى تطوير منتوج ومؤسسة ناشئة.

مدينة تكنولوجية

وعن إمكانات الجامعة الجزائرية لتأطير هذا التخصص المعاصر والدقيق، شدد المصدر المطلع على أن الجزائر تملك خزانا هائلا من الكفاءات في مجال الذكاء الاصطناعي، سواء داخل الوطن أو خارجه عبر أكبر الجامعات والشركات ومراكز البحوث العالمية.

وصمّم القائمون على مشروع إنشاء المدرسة الوطنية العليا للذكاء الاصطناعي برنامجا تدريسيا على 5 سنوات، أدمج آخر تطورات فروعه المختلفة، بالإضافة إلى أسس متينة في الرياضيات والإعلام الآلي، ومساقات الأعمال والابتكار.

وأضاف المصدر أن الطلبة سيقومون بتدريبات لدى شركات اقتصادية خلال مسارهم الهندسي، في حين وقع الاختيار على أساتذة من ذوي الكفاءة في طرق التدريس بهذا المجال.

وستشاركهم في التدريس والدورات، حضوريا أو عن بعد، كفاءات علمية جزائرية وأجنبية مشهورة.

وتعوّل الجزائر على هذه الجامعة النوعية أولاً، ثم على القطب التكنولوجي لاحقا، لإنشاء مدينة تكنولوجية تكون ركيزة لصناعة واقتصاد مبنيَين على الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتطورة، لتخرج نهائيا من التبعية لاقتصاد المحروقات، يقول المصدر للجزيرة نت.

موارد بـ80 مليار دولار

ومن جانبه، أكد البروفيسور محمد لمين خرفي، أن العالم يشهد حاليا تحولا عميقا في ظل الثورة الرقمية أو الثورة الصناعية "الرابعة"، ويمثل الذكاء الاصطناعي المحرك الجديد للاقتصاد العالمي.

وتتوقع دراسات نمو الاقتصاد العالمي بحوالي 15 تريليون دولار خلال الـ10 سنوات المقبلة بفضل الذكاء الاصطناعي، ولن تشذ الجزائر عن هذه القاعدة، إذ يمكنها تنمية اقتصادها بما يناهز 80 مليار دولار، قياسا إلى مؤشر عدد السكان، بحسب خرفي.

وأوضح أنّ أكثر من 150 دولة اعتمدت إستراتيجية وطنية في الذكاء الاصطناعي، منها من ذهبت إلى استحداث وزارة كاملة للقطاع، في حين زاد عدد المؤسسات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي عالميا بـ270% خلال 4 سنوات.

وتشير تقارير إلى أن أكثر من 90% من الشركات الرائدة استثمرت في الذكاء الاصطناعي من أجل زيادة الإنتاجية، حيث تُطبق في كل المجالات، من البترول والغاز إلى الزراعة، مرورا بجميع الصناعات وحتى السياحة.

ولفت خرفي -أحد مهندسي مشروع الجامعة- إلى أن الجزائر حددت أولويات وطنية، هي الصحة والأمن الغذائي وأمن الطاقة، لربطها بالذكاء الاصطناعي، للتقليل من نفقات التنقيب عن البترول وتحقيق نمو معتبر في مجالات أخرى.

وتسعى كذلك إلى الاستثمار في علم البيانات والذكاء الاصطناعي من أجل تحسين عمليات التخطيط والتنبؤ والخدمات الحكومية المقدمة للمواطن، على حد تعبيره.

وبخصوص شروط الاستفادة الفعلية من هذه التجربة، قال خرفي إن الجزائر تعمل حاليا على توفير دراسة ذات مستوى عال واعتماد دراسة تطبيقية مع الشركات الاقتصادية.

كما تعمل على توفير الجو الملائم لبقاء المتخرجين داخل الوطن والاستفادة من طاقاتهم، من خلال إنشاء مؤسسات جديدة ومشاريع حقيقية، من شأنها المساهمة في تنمية الاقتصاد الوطني وتحسين الخدمات العمومية وإيجاد حلول ناجعة لحاجيات المجتمع.

المصدر : الجزيرة