خرافة التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري
صامويل فرفاري*
كيفية استخدام العالم للطاقة موضوع ساخن لكوكب يعاني من ازدياد درجات الحرارة، علما أن المخاوف من التلوث ونقص الموارد قد أدت إلى سباق محموم لإيجاد إستراتيجيات تتعلق بكفاءة الطاقة، فمن الاتحاد الأوروبي إلى الصين تحاول الاقتصادات جاهدة التقليل من الاستخدام المكثف للطاقة وذلك بمساعدة الابتكارات التقنية والتغييرات التشريعية.
لكن على الرغم من تلك الوعود فإن طلب المستهلكين على الطاقة من المتوقع -وفق وكالة الطاقة الدولية– أن يرتفع وذلك حتى سنة 2040 على أقل تقدير. ومع ازدياد حاجة العالم للطاقة، كيف يمكن لصناع السياسات أن يضمنوا العرض؟
حتى نكون صريحين يجب على العالم ألا يقلق عندما يتعلق الأمر بالاحتياطات، فبعد أربعين سنة من الخوف من نقص الطاقة دخلنا اليوم عصر الوفرة |
حتى نكون صريحين يجب على العالم ألا يقلق عندما يتعلق الأمر بالاحتياطات، فبعد أربعين سنة من الخوف من نقص الطاقة دخلنا اليوم عصر الوفرة، فنحن بحاجة اليوم لأن نحترس من الطروحات الخاطئة وليس من الموارد الشحيحة.
إن الذي يجب أن يتلقى اللوم فيما يتعلق بهذه القصة هو نادي روما، وهو عبارة عن مركز أبحاث عالمي تسبب في المخاوف المتعلقة بالطاقة في السبعينيات، وذلك بتنبؤاته السخيفة المبنية على أساس نماذج مشكوك بها، فقد جادل النادي بأن الأشياء السيئة تأتي من النمو المتسارع، والأشياء الجيدة تأتي من النمو التدريجي، وهذه الفكرة أشعلت التوقع بأن النفط سوف ينفد من العالم بحلول سنة 2000.
إن تبني الدول المتقدمة هذه الفكرة العقائدية الخاطئة أدى إلى تمكين قادة -مثل معمر القذافي في ليبيا وآية الله الخميني في إيران– من استخدام احتياطاتهم النفطية كأدوات من أجل معارضة الغرب وخاصة بسبب دعمه إسرائيل، وهذا ساهم في الصدمات النفطية فترة السبعينيات، وعزز التصور الخاطئ بأن الاحتياطات الهيدروكربونية محدودة بشكل أكبر ومحصورة بشكل عام في الشرق الأوسط.
إن التقدم السريع في التقنية، وخاصه في مجال الاستكشاف والقدرة على استخراج الهيدروكربون في أماكن جديدة، أدى نهاية المطاف إلى دحض ذلك الطرح. واليوم فإن أزمة الطاقة ليست عائدة إلى النقص بل الخوف من التلوث.
لكن هذا الخوف لم يبطئ من عاداتنا المتعلقة بالاستكشاف، بل على العكس من ذلك فإن السياسات والقانون الدولي -مثل معاهدة الأمم المتحدة المتعلقة بقانون البحار- قد تم تبنيها من أجل تمكين الاكتشاف، فلو نظرنا على سبيل المثال لحقل غاز روبوما قبالة ساحل موزمبيق لوجدنا أن هناك مجموعة من الشركات العالمية "كونسورتيوم " من بلدان تضم إيطاليا والصين تستعد لبدء عملية الإنتاج، مما يعني أن واحدة من أفقر الدول الأفريقية في الطريق لجني فوائد عظيمة من وراء ذلك.
إن إسرائيل كذلك -والتي كان يعتقد في السابق أنها المكان الوحيد في الشرق الأوسط بدون هيدروكربونات- تجلس على ثمانمئة مليار متر مكعب من احتياطات الغاز قبالة سواحلها، أي أكثر من 130 سنة من استهلاكها السنوي من الغاز، وبعد أن كانت مستوردة لصافي الطاقة أصبحت تواجه اليوم التحدي الحقيقي المتمثل بتصدير ثروتها الكبيرة من الغاز.
ربما أكبر ثورة في أسواق الطاقة العالمية، والتي تحركها التكنولوجيا في السنوات الأخيرة، قد أتت من إنتاج الغاز الصخري والزيت الصخري |
لكن ربما أكبر ثورة في أسواق الطاقة العالمية -والتي تحركها التكنولوجيا في السنوات الأخيرة- قد أتت من إنتاج الغاز الصخري والزيت الصخري في الولايات المتحدة التي تنتج اليوم 8.8 ملايين برميل يوميا مما يعني أن إنتاجها النفطي الآن أعلى من العراق وإيران معا، كما يتم اليوم تصدير الغاز الصخري الأميركي إلى آسيا وأميركا اللاتينية وأجزاء من أوروبا، وهذه الأسواق كانت مقتصرة منذ فترة طويلة على قطر وروسيا وأستراليا، واليوم تدخل صناعة الغاز الطبيعي المسال العالمية مثل سوق النفط مرحلة الإنتاج الزائد.
لقد ساهمت هذه التطورات معا في أسعار طاقة أقل وقللت من قوة أوبك، ونظرا لتفضيل قطاع النقل للغاز الطبيعي المسال (وخاصة شركات شحن البضائع والشحن البحري) لأسباب بيئية، فقد اختفت القدرة على استخدام النفط كسلاح جيوسياسي، ولقد كانت إيران في أشد الحاجة لزيادة صادراتها من النفط لدرجة أنها وافقت على التخلي عن برنامجها النووي (اللافت للنظر أن الصفقة النووية مع إيران تتضمن كلمة "النفط" 65 مرة).
يتم عادة تقديم الرياح والطاقة الشمسية بدائل عن النفط والغاز، ولكنهما غير قادرتين على منافسة المصادر التقليدية لتوليد الكهرباء، فلو كانت لديهما القدرة على ذلك لما كان هناك داع لقيام الاتحاد الأوروبي بدعم إنتاج الطاقة المتجددة من خلال التشريع، وبينما تعمل طاقة الرياح والطاقة الشمسية على توليد الكهرباء فإن أكبر متطلب للطاقة يأتي من التدفئة، وفي الاتحاد الأوروبي على سبيل المثال تمثل الكهرباء 22% فقط من الطلب النهائي على الطاقة بينما تمثل التدفئة والتبريد 45%، ويمثل النقل الـ 33% المتبقية.
قد يكون الاتحاد الأوروبي ملتزما بتخفيض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، لكن دولا أخرى موقعة على اتفاقية باريس للمناخ لسنة 2015 لا يبدو أن لديها نفس التصميم |
إن كل هذه العوامل تساعد في تفسير: لماذا الوقود الأحفوري -الذي يلبي حاليا أكثر من 80% من احتياجات العالم من الطاقة- سيبقى العمود الفقري لإنتاج الطاقة للمستقبل المنظور. وهذه قد لا تكون أخبارا طيبة لأولئك الراغبين في البدء فورا في عملية التخلص التدريجي من الهيدروكربونات، ولكن ربما سيجدون بعض العزاء في حقيقة أن الابتكار التكنولوجي سيلعب دورا رئيسيا في تقليل التأثيرات السلبية على جودة الهواء والماء.
ستبقى سياسة الطاقة على أجندة الاقتصادات المتقدمة سنوات عديدة قادمة، وبينما تعمل البلدان على تحقيق توازن بين أمن العرض والأهداف البيئية يتوجب عليها كذلك الالتزام بأن تكون لديها الحقائق الصحيحة.
__________________
*أستاذ الشؤون الجيوسياسية للطاقة بجامعة ليبري دي بروكسل، ومؤلف كتاب عالم الطاقة المتغير والتحديات الجيوسياسية.