الفوهات النيزكية.. معالم كونية على سطح الأرض

The Meteor Crater near Winslow, Arizona, is seen from a plane Januray 30, 2017.The Meteor Crater, sometimes known as the Barringer Crater and formerly as the Canyon Diablo crater, is a famous impact crater. It is the breath-taking result of a collision between an asteroid traveling 26,000 miles per hour and planet Earth approximately 50,000 years ago. Meteor Crater is nearly one mile across, 2.4 miles in circumference and more than 550 feet deep. / AFP / Daniel SLIM
فوهة أريزونا النيزكية نتجت عن اصطدام نيزك بسرعة 42 ألف كيلومتر في الساعة قبل نحو خمسين ألف سنة (غيتي)

هاني الضليع*

إن الناظر إلى صورة من صور سطح القمر سيراها تكتظ بالمئات من الحفر دائرية الشكل، هي في الحقيقة فوهات نيزكية تسببت بها النيازك التي اصطدمت بالقمر بُعيد تشكيله قبل قرابة 4300 مليون سنة، أي بعد أقل من مئة مليون سنة من تشكل الكرة الأرضية والمجموعة الشمسية. وكذا كوكب عطارد، وكثير من أقمار المجموعة الشمسية بل والمذنبات والكويكبات نراها جميعا وقد شوهت سطوحها بكثرة الاصطدامات التي تلقتها عبر تلك الحقبة الزمينة التي استقرت فيها هذه الأجرام، وبانتهاء عصر العصف الكوكبي هدأت المظاهر الغبارية وتوقفت النيازك عن رجم الكواكب، فكانت المجموعة الشمسية كما نراها اليوم.
 
أما الأرض فلم تكن بمنأى عن مثل هذه الأحداث، بل إنها تلقت من الضربات أضعاف ما تلقاه القمر، فهي أكبر منه مساحة بأربع مرات، لكن الفارق بين الجرمين المتقاربين هو الحياة. فالقمر في الاعتبارات العلمية الجيولوجية هو جرم سماوي ميت، في حين أن الأرض كوكب حي. والحياة تعني وجود المظاهر الجيولوجية والمناخية المتنوعة، كالبراكين والزلازل وحركة الرياح والماء والغلاف الجوي.
 
فكل تلك العوامل وعلى مدى مليارات السنين المنقضية أدت إلى اندثار مظاهر الدك التي حظيت بها الأرض من قبل تلك النيازك وبفعل كثير من المذنبات التي يعتقد البعض أنها حملت الماء إلى الأرض. وبذلك لم يتبق من تلك المعالم سوى القليل، بل ربما يكون الأصح أن نقول إنها اختفت جميعا. ومع ذلك، فإننا لا نزال نجد على سطح الأرض فوهات نيزكية حقيقية، فمن أين جاءت يا ترى؟
 
عثر الجيولوجيون حتى اليوم على أقل من مئتي فوهة نيزكية على سطح الأرض، أكثرها شهرة ووضوحا تلك الفوهة الموجودة في ولاية أريزونا الأميركية بقطر 1200 متر وبعمق 150 مترا، وهي أول فوهة على سطح الأرض يعترف رسميا بأن أصلها نيزكي، حيث ما زال هناك من يعتقد أنها نتجت عن بركان.
 
ومما يزيد في أهميتها أنها لا تزال محافظة على شكلها، وذلك لحداثة عمرها البالغ خمسين ألف سنة فقط. ولو وجدت هذه الفـوهة على سطح القمر لكان من الصعب العثور عليها بتلسكوب كبير. ويقدر العلماء قطر النيزك الذي أحدثها بثلاثين مترا، في حين تقدر سرعته التصادمية بنحو 42 ألف كيلومتر في الساعة.
قطع النيازك تحمل البصمات الأولى لتكون المجموعة الشمسية (غيتي)
قطع النيازك تحمل البصمات الأولى لتكون المجموعة الشمسية (غيتي)

لكن أقدم الفوهات الأرضية المكتشفة حتى اليوم هي فوهة "فريدفورت" Vredefort التي يعود تاريخ تشكلها إلى ما قبل 1970 مليون سنة، وهي موجودة في جنوب أفريقيا وبقطر يبلغ 140 كيلومترا.

أما الفوهة التي يعتقد الجيولوجيون أنها كانت السبب في انقراض الديناصورات قبل 65 مليون سنة والقضاء على أكثر من ثلاثة أرباع مليون شكل من أشكال الحياة، فهي فوّهة تشيكسولاب "Chicxulub" في المكسيك، بقطر 180 كيلومترا وعثر عليها في عام 1990.

ولن يتخيل القارئ أن نيزكا أو ربما يكون مذنبا بقطر عشرة كيلومترات فقط هو المسؤول عن ذلك الحدث الجلل، فقد أدى ذلك الاصطدام إلى إثارة الغبار في السماء وحجب أشعة الشمس لسنوات، مما تسبب في تبريد الأرض وقتل كل تلك الكائنات الحية من عليها. وتقع الفوهة الآن تحت شبه جزيرة يوكاتان في المكسيك، حيث تغطيها الرسوبيات بسمك يبلغ كيلومترين اثنين.

في المقابل، فإن أحدث الفوهات النيزكية عمرا قد تشكلت عام 1947 حين سقط نيزكها على جبال سيخوت ألين في سيبيريا، فتشظى قبل أن يصطدم بالأرض مما جعله يخلّف 122 فوهة نيزكية صغيرة، كل واحدة منها بقطر يزيد على نصف متر، وفوهة واحدة كبيرة بقطر 27 مترا، وتقع كل هذه الفوهات ضمن مساحة بيضوية الشكل تبلغ 1.6 كيلومتر مربع واحد، كما يُقدر وزن النيزك الصادم بسبعين طنا، جمع من شظاياه يزن 23 طنا.

وفي الوطن العربي ثمة بضع فوهات نيزكية مكتشفة هنا وهناك في المغرب والسعودية والأردن وموريتانيا وليبيا. وأول تلك الفوهات اكتشافا كان في عام 1932 لفوهة الوبر في صحراء الربع الخالي التي تشكلت قبل حوالي 400 سنة إثر سقوط نيزك وزنه 3500 طن بسرعة بلغت 25000 كيلومتر في الساعة، فتشظى وخلف ثلاث فوهات بأقطار (11.5 + 64 + 116مترا)، ولكن وبفعل حركة الرمال السريعة، فقد ملئت هذه الفوهات بالرمال ولم يتبق سوى آثار الفوهة الكبيرة منها، ولا تزال قطعة كبيرة من ذلك النيزك محفوظة في جامعة الملك سعود بالرياض.

‪يبلغ قطر فوهة وقف الصوان بشرق الأردن ستة كيلومترات‬ (الجزيرة/هاني الضليع)
‪يبلغ قطر فوهة وقف الصوان بشرق الأردن ستة كيلومترات‬ (الجزيرة/هاني الضليع)

وفي صحراء الأردن الشرقية، تعد فوهة وقف الصُوّان الفوهة الأحدث اكتشافا، فقد اكتشفت في عام 2006 على يد ثلاثة من جيولوجيي الجامعة الأردنية من خلال التصوير الفضائي، وهي بقطر يبلغ ستة كيلومترات، وقد قدر عمرها بـ45 مليون سنة، وسببها ارتطام نيزك بقطر 300 متر.

وحسب التقديرات العلمية لعلاقة قُطر النيزك بقطر الفوهة التي يخلفها وراءه، فإن النسبة المحسوبة للفوهات النيزكية الأرضية هي 1: 20، أي أن نيزكا بقطر متر واحد سيصنع فوهة بقطر 200 متر. في حين تنخفض هذه النسبة على القمر إلى النصف، ليصنع نيزك بقطر متر واحد فوهة بقطر مئة متر فقط.

ويعد العلماء اصطدام نيزك بالأرض حدثا مميزا، رغم قلة حدوثه في عصرنا الحالي، وذلك لحسن الحظ، فشظايا النيزك القادم إن وجدت تحمل البصمات الأولى لتكون المجموعة الشمسية، لذا، فإن العثور على النيازك الصخرية والمعدنية الصغيرة يعد كنزا علميا يعود بنا في التاريخ مليارات السنين. وكذا العثور على فوهة نيزكية، حيث يبلغ عمر معظم الفوهات النيزكية الأرضية المعروفة أقل من مئتي مليون سنة.

ويقدر العلماء أن 70% من الفوهات الأرضية تقع في قيعان المحيطات والبحار، وأن تلك الفوهات الأكبر قطرا من 20 كيلومترا تحدث بمعدل فوهة واحدة كل مليون سنة. ويستدل العلماء على صحة تلك الفوهات النيزكية بالعثور على صخور أعيد تشكيلها على حواف الفوهة تشبه الشظايا المخروطية، حيث تبدو وكأنها نحتت على شكل خطوط منطلقة من زاوية واحدة.

أخيرا، فإنه وبسبب العثور على العشرات من الأجرام في المجموعة الشمسية التي نقشت سطوحها بآثار الارتطامات النيزكية، تعززت نظرية الاصطدام الشهيرة التي تصف تاريخ النظام الشمسي ونشأة أجرامه وتطورها. والحق أن هذه النظرية قدمت لعلماء الفلك والفيزياء الفلكية العديد من التفسيرات المقبولة لبعض الظواهر الفلكية كتكوين الكواكب والأقمار والحلقات والكويكبات، وتفسير دوران الكواكب وسرعتها حول نفسها، وتفسير ميلان محاور دوران الكواكب مثل كوكب أورانوس والزهرة والأرض وبلوتو.

كما قدمت هذه النظرية تفسيرا مقبولا جدا لنشأة قمرنا، حيث افترضت أن ثمة جرما سماويا بحجم المريخ اصطدم بالأرض قبل 4500 مليون سنة فحرر منها جزءا (يعتقد أنه حفرة المحيط الهادي) على شكل تراب وصخور، أخذت تدور حول الأرض حتى تكون منها القمر فيما بعد، ليتعرض للدك الشديد الذي لا نزال نرى آثاره باقية حتى يومنا هذا.

المصدر : الجزيرة