حين يتماهى عالمنا الافتراضي مع الفيزيائي

نظام فايكينغ أو إس Viking OS ----- سكرين شوت
undefined

محمد أنس طويلة

عندما أعلنت شركة غوغل الأميركية أنها بصدد تطوير نظارات ذكية أسمتها "نظارات غوغل" ستوفر لمستخدمها الاتصال بشبكة الإنترنت والتفاعل مع عالمه الرقمي دون الحاجة إلى شاشة حاسوب أو لوحة مفاتيح وذلك من خلال عرض المعلومات الرقمية على شاشة صغيرة مثبتة ضمن هذه النظارة، بدأ خبراء التقنية حول العالم بإطلاق التكهنات والتوقعات بشأن التطبيقات التي ستتيحها هذه التقنية.

من هذه التطبيقات، على سبيل المثال لا الحصر، استخدام نظام تحديد الموقع الجغرافي لإيجاد الطريق إلى عنوان ما وعرض إرشادات السير على شاشة النظارة، أو تمييز وجوه الأشخاص الذين ينظر مستخدم النظارة إليهم واستحضار ما توفر عنهم من معلومات من شبكة الإنترنت، أو البحث في وصفات الطهي ومتابعتها أثناء عمل ربة المنزل ضمن المطبخ، أو حتى التقاط الصور أو مقاطع الفيديو تلقائياً ومشاركتها مع الآخرين دون الحاجة إلى آلة تصوير أو استخدام كاميرا الهاتف المحمول.

لكن الأثر الأكبر لإطلاق نظارات غوغل يكمن في افتتاحها لمنحى جديد كليةً في عالم الحوسبة يحرر المستخدم من قيود الشاشات ولوحات المفاتيح ويتيح مستويات أعلى من التفاعل باستخدام التعليمات الصوتية وحركات الجسد، وتمكينه من دمج عالمه الافتراضي بحياته الفيزيائية عبر إسقاط المعلومات والصور الرقمية على ما يراه ويسمعه في بيئته المحيطة.

يطلق على هذا التوجه الجديد في الحوسبة بـ"الملابس المحوسبة" أو "حوسبة ما يمكن ارتداؤه" (wearable computing) إذ يتمثل في تطوير تقنيات يمكن ارتداؤها لإخراج مارد الإنترنت من قمقمه وعرضه على أي سطح أو مجسم من البيئة المحيطة.

لعل أبرز نجاح حققته نظارات غوغل حتى قبل طرحها في الأسواق العامة للمستهلكين هو تحفيز عدد من المنافسين على تطوير نكهاتهم الخاصة من الملابس المحوسبة أملاً في احتلال موقع في سوقها المستقبلي

مشاريع سابقة
وعلى الرغم من الضجة الإعلامية التي رافقت إطلاق نظارات غوغل (التي تعود على الأغلب إلى حجم شركة غوغل وقدراتها المادية والإعلانية)، فإن بعض المشاريع المماثلة سبقتها بسنوات، كمشروع "حاسوب الحاسة السادسة" الذي طوره براناف ميستري، أحد طلبة معهد ماساشوستس للتقنية. يمكن عملياً بناء هذا الحاسوب بكلفة بسيطة وبتجهيزات يسهل الحصول عليها من أي مكان، ليتمكن مستخدمه من التقط الصور لمحيطه بمجرد الإشارة بأصابع يديه، أو أن يبحث ضمن الإنترنت عن آخر التطورات المتعلقة بخبر ما ورد ذكره في الصحيفة المطبوعة، أو أن يعرض ساعة يدوية تظهر الوقت الحالي على معصم المستخدم أو هاتفاً لإجراء اتصالات صوتية باستخدام أصابع اليد.

ولعل أبرز نجاح حققته نظارات غوغل حتى قبل طرحها في الأسواق العامة للمستهلكين هو تحفيز عدد من المنافسين على تطوير نكهاتهم الخاصة من الملابس المحوسبة أملاً في احتلال موقع في سوقها المستقبلي، الذي يتوقع أن يصل حجمه إلى ستة مليارات دولار في العام 2016. إذ سرعان ما أطلقت شركة تيلي باثي اليابانية نظارة شبيهة بنظارة غوغل لكنها أكثر رشاقة وأقل سعراً.

هناك أيضاً نظام فايكنغ أو أس الذي طورته شركة بريليانت سيرفيس اليابانية والذي يعد بثورة في أسلوب التفاعل ما بين الحاسوب والمستخدم إذ يقوم جهاز عرض يتم تثبيته على الرأس بإسقاط أيقونات نظام التشغيل ولوحة المفاتيح الشفافة في مجال رؤية المستخدم لتمكينه من التفاعل معها من خلال الإشارة باليد على الأيقونات أو المفاتيح المطلوبة.

ومع تزايد تقنيات وتجهيزات الملابس المحوسبة، التي بدأت بوادرها تظهر جلية في إطلاق تشكيلة واسعة من الساعات الذكية وأجهزة مراقبة النشاط الفيزيائي ونظارات غوغل ومنافسيها، ستظهر تطبيقات جديدة لا عهد لنا بها.

من هذه التطبيقات مثلاً إمكانية البحث عن أفضل سعر لمنتج ما عبر شبكة الإنترنت بمجرد النظر إلى هذا المنتج ضمن المتجر، أو إيجاد وصفة للطهي تستخدم المكونات الموجودة في ثلاجة المنزل، أو الحصول على معلومات تفصيلية عن المعالم الأثرية أو المباني الهامة من موسوعة ويكيبيديا من خلال التمييز التلقائي لشكل هذه المعالم، أو إظهار كمية السعرات الحرارية أو معلومات القيمة الغذائية لكوب من العصير أثناء احتسائه، أو تنبيه المستخدم بتجاوزه حدود وجبات الطعام المسموحة ضمن الحمية التي يتبعها.

يبدو إذاً أن مستقبل الملابس المحوسبة سيكون حافلاً بالكثير من الإبداع والتنافس والتطبيقات المبتكرة. ومن يدري، فقد يضمن أيضاً لهواتفنا الذكية (التي نعجب اليوم لقدراتها وتذهلنا إمكانياتها) مكاناً محفوظاً في متاحف التقنيات الغابرة.

________________________
باحث أكاديمي وخبير في مجال أمن ونظم المعلومات

المصدر : الجزيرة