تشعرين أنك أمٌّ سيئة وتلاحقك الأعباء النفسية فما الحل؟

قد تشعر العديد من الأمهات أنهن لا يقمن بعمل جيد بما يكفي في تربية أطفالهن، وهو ما يؤدي إلى شعور الأم بالذنب. (بيكسلز)

رُبما تكونين قد فقدت أعصابكِ للتوّ مع طفلكِ وصرختِ في وجهه.. يرفض طفلكِ أن يتناول الطعام الصحي الذي تستهلكين طاقتك ووقتك المحدود بالأساس لإعداده له، ولا يتوقف عن محاولات إيذاء نفسه، أو التخريب المستمر لأي شيء يقع في يديه.. هو الآن قادم إليكِ بعد أن تسبب في إحداث جرح عميق بقدمه، وعليكِ أن تأخذيه حالًا إلى الطبيب.

هذا وسط رسائل العمل التي لا تنتهي.. عليكِ تعديل هذه المهمة أو التحدث إلى عميل الأمس حول تعديلات بعض بنود العقد بينكما.. عليكِ أيضًا التنسيق مع زميلك، غير المتعاون بالأساس، من أجل أن يحل محلك في العمل غدًا لأنه موعد تطعيم طفلكِ.. هذا بالإضافة إلى أن زوجكِ الذي يأتي من عمله في وقت متأخر من الليل، وسيلقي بسهام اللوم عليكِ إن لم يجد طعامًا في المنزل، أو ملابس نظيفة ليرتديها في الغد.

في ظل كل هذا، يطلّ صوت ثقيل برأسه، ويهمس في أذنكِ مستنكرًا: "كيف تصرخين على طفلك؟ هل تريدين أن يكون طفلك مشوهًا نفسيًّا؟ هل ترغبين أن يكون ضعيف الشخصية؟! مؤكد أنه سيصبح كذلك بسبب صراخكِ هذا، ألم تقرئي منشورات الأبناء الذين يُجاهرون، عبر الفضاء الإلكتروني، بذكرياتهم السيئة والسلبية مع أمهاتهم المسيئات؟ هل ترغبين أن يُشارك طفلكِ في بلوغه، مع الغرباء القابعين خلف الشاشات، منشورًا مماثلًا لهذا؟!".

لا يتوقف الصوت عن تأنيبك ويظل يؤكد لكِ أنكِ لستِ أمًّا جيدة، رغم أنكِ تدفعين يوميًّا احتياجاتك الخاصة إلى ذيل قائمة مهامكِ وأولوياتك، وعلى الأغلب لا تلبين أبدًا أيا من هذه الاحتياجات.

أنتِ لست وحدكِ، فشعور الأمهات بالذنب يميل إلى أن يكون لدى الكثير منهن، وهو شعور عابر للقارات والثقافات، حيث تشعر أغلب الأمهات من مختلف أنحاء العالم بهذا الشعور.

أما كون "ذنب الأمومة" شعورًا عالميًا، فهو تماما ما أظهرته المقابلات البحثية التي أجرتها كايتلين كولينز، من جامعة واشنطن في سانت لويس، قبل عام 2021. أوضحت كايتلين أنه بعد إجرائها مقابلات مع الأمهات العاملات في أنحاء مختلفة من العالم، منها السويد وألمانيا وإيطاليا والولايات المتحدة، توصلت إلى أن ذنب الأمومة يتجاوز السياقات الوطنية والثقافية والسياسية.

خلال هذه اللقاءات كان أحد الموضوعات التي برزت باستمرار هو الفكرة المجتمعية السائدة بأن الأمهات "الصالحات" بحاجة إلى التضحية باحتياجاتهن الخاصة من أجل أطفالهن، فالفكرة "المجتمعية" غير الواقعية عن "الأم المثالية" تساهم في شعور الأم بأنها لا ولن ترقى أبدًا لتصل إلى مستوى التوقعات.

 تنبع الكثير من المشاعر السلبية المتعلقة بالأمومة من اعتقاد الأمهات بأنهن لا يقمن بالأشياء التي عليهن القيام بها، بالإضافة إلى القلق بشأن مدى قدرتهن على اختيار أفضل الخيارات الممكنة للأبناء. (بيكسلز)

صخرة ثقيلة!

تجربة "الأمومة" قد تكون مرتبطة في الأذهان بكثير من المشاعر الإيجابية الدافئة، والتي منها "الشعور بالدفء" و"المودة" و"الانتماء والترابط"، جميعها قد تكون مشاعر إيجابية، لكن هل يمكن أن تتصور أن الأمهات يحملن في قلوبهن صخرة ضخمة، تنتج عنها ندبة في أرواحهن، وتجعل عقولهن مفرطة في العمل والتفكير باستمرار، هذه الصخرة الضخمة هي "الشعور بالذنب".

"ذنب الأمومة" مصطلح يُطلق على مشاعر الذنب والعار التي قد تشعر بها الأمهات عندما لا يرقين إلى مستوى توقعاتهن الشخصية أو توقعات الآخرين منهن فيما يتعلق بدورهن كأمهات في حياة الأبناء. إن ذنب الأمومة هو بمثابة حوار داخلي يخبر الأم دومًا بأنها "فاشلة" كمقدمة رعاية.

يُعرّف الباحثون الشعور بالذنب بأنه عاطفة واعية بذاتها تتميز بتقييم قاسٍ أو شعور مؤلم تجاه فعل أو تصرف ما، وغالبًا ما يكون هذا الشعور مصحوبًا بالاستعداد لاتخاذ إجراء يهدف إلى التراجع عن خطأ ما أو محاولة إصلاحه.

يُعرَّف الشعور بالذنب أيضًا بأنه عاطفة أساسية تحكم السلوك الاجتماعي من خلال تعزيز الامتثال للمعايير الاجتماعية أو المعايير المفروضة "ذاتيًا".

بمعنى آخر، هو نوع من المشاعر التي تُشجعنا على اتباع القواعد الاجتماعية الموضوعة، أو محاولة تلبية التوقعات الشخصية. وهذا قد يعني أننا، تجنبًا للشعور بالذنب، سنلتزم بالمعايير الثقافية والاجتماعية أو مُثُلنا الداخلية المتعلقة بما تفعله الأمهات "الصالحات"، سواء من وجهة نظرنا نحن أو من وجهة نظر المجتمع والأشخاص المحيطين بنا.

قد تشعر العديد من الأمهات أنهن لا يقمن بعمل جيد بما يكفي في تربية أطفالهن، وهو ما يؤدي إلى شعور الأم بالذنب، والذي ينتج عن شعورها بأنها لا تلبي احتياجات أطفالها أو لا تقوم بدورها "كأم جيدة".

إذا كانت الأم تعمل خارج المنزل، فقد تشعر بالذنب لأنها لا تقضي وقتًا كافيًا برفقة أطفالها، وليس لديها الوقت الكافي لاصطحابهم إلى الأنشطة والتمارين التي تتمنى أن يتقنوها وتساهم في تشكيل شخصياتهم.

إذن، ماذا إذا كانت الأم متفرغة بالكامل لأطفالها ولا تعمل بالخارج، هنا لا يُغادرها الشعور بالذنب، لأنها بحكم كونها إنسانا له احتياجات ومتطلبات شخصية، بينما العناية بطفل أو عدّة أطفال من شأنها أن تعوق تلبية هذه الاحتياجات، فقد تشعر الأم بالضيق أو الملل، وهنا يطل الشعور بالذنب برأسه، فتلوم الأم نفسها ويسيطر عليها الشعور بالذنب لأنها شعرت بالضيق والملل من أطفالها، أو أنها رغبت في قضاء بعض الوقت بعيدًا عنهم.

صحيح أن بعضا من الشعور بالذنب قد يكون مقبولا، أو قد يكون مفيدًا أحيانًا لتحسين الأم من نفسها وتقديم أفضل ما لديها لأبنائها، والتراجع عن أي خطأ قد ترتكبه في التربية ومحاولة إصلاحه.

فمثلًا: إذا كان الطفل يتناول الكثير من الوجبات السريعة طوال اليوم وكل يوم، وبدأت الأم تشعر بالذنب تجاه هذا الأمر، وأنه ليس الخيار الأفضل لطفلها، فقد يكون الشعور بالذنب هنا أمرا جيدا لأنه يكون بمثابة ضوء أحمر يُضيء لتعديل المسار أو تغييره بالكامل، أو لفت النظر إلى أمر يجب الانتباه إليه.

لكنْ عندما يكون الشعور بالذنب ضخمًا ومُسيطرًا فهنا يمكن أن يصبح مشكلة. تشرح إلين كولوميير، عالمة النفس السريري المرخصة في بلانتيشن بولاية فلوريدا، ما تتعرض له الأمهات اللاتي يُعانين من ذنب الأمومة، قائلة: "في نهاية المطاف، تنبع الكثير من المشاعر السلبية المتعلقة بالأمومة من اعتقاد الأمهات بأنهن لا يقمن بالأشياء التي عليهن القيام بها، بالإضافة إلى القلق بشأن مدى قدرتهن على اختيار أفضل الخيارات الممكنة للأبناء".

وتضيف: "نتلقى باستمرار كثيرا من الرسائل التي تحمل العديد من الأسئلة حول ما ينبغي أن نفعله، أو ما هي الاختيارات التي ينبغي علينا اختيارها".

كما سبق ذكره، قد ينشأ الشعور بالذنب أيضًا بسبب ما يعتقده "المجتمع" وما يضعه من معايير لتصنيف الأم أمًّا صالحة أو مثالية.

هنا توضح ميليسا يونغ، أخصائية الطب الوظيفي الحاصلة على درجة الدكتوراه في الطب، هذه النقطة قائلة "هناك الكثير من المحفزات الخفية وغير الدقيقة في مجتمعنا، التي تضغط علينا للتفكير في أننا يجب أن نكون قادرين على القيام بكل شيء. إن شعور الأم بالذنب تجربة طبيعية جدًا عندما تنظر إلى جميع المسؤوليات والمهام والتوقعات التي تتنافس على طاقتنا ووقتنا في حياتنا، بينما لا تكون هناك ساعات كافية في اليوم للقيام بكل ما تعتقد أنه يجب عليك القيام به".

وتُكمل يونغ "مثلًا، قد تلعب الأم عددًا من الأدوار في حياتها، وكلُّ واحد منها يأتي مصحوبًا بعدد معين من التوقعات. فبخلاف مسؤوليات الأم تجاه أطفالها، هناك مسؤوليات إضافية تجاه زوجها وأصدقائها وزملائها ووالديها وإخوتها وغيرهم. وفوق كل ذلك، هي في النهاية إنسان له احتياجاته الخاصة، فعندما تتنافس هذه الأدوار على المقدار المحدود لوقت الأم واهتمامها، فستكون مجبرة هنا على إعطاء الأولوية لدور واحد على آخر، فتتراكم كل تلك الواجبات، مما يخلق عاصفة من الاضطراب الداخلي".

الدراسات أظهرت أن التعرض لوسائل التواصل يمكن أن يزيد من القلق و/أو الاكتئاب، ويمكن أن يؤثر ذلك بشكل مباشر على صحة الأم العقلية وعافيتها العاطفية (بيكسلز)

مواجهة "أسد" في كل لحظة!

للشعور بالذنب الزائد عن الحدّ الكثيرُ من الآثار السلبية على الأمهات، ومنها: التقليل من ثقة الأم بنفسها ومدى رضاها عن حياتها، والتأثيرات السلبية على العلاقات مع الزوج والعائلة والأصدقاء، ورُبما حتى مع الأبناء أنفسهم.

مع تزايد الشعور بالذنب يتزايد التوتر أيضًا، والتوتر له عدة تأثيرات سلبية على الصحة الجسدية والعقلية. فاستجابةً للتوتر، يفرز الجسم الأدرينالين وهرمونات التوتر الأخرى، وهذا يحفزه ويُدخله في استجابة القتال/المواجهة أو الطيران/الهروب.

هذه الاستجابة قد تكون مفيدة للغاية إذا كنتَ تتنزه في غابة ووجدت نفسك في مواجهة أسد، وعليك اتخاذ قرار بشأن محاربته أو الهروب للنجاة بحياتك، أي أن هذه الاستجابة يجب أن تكون مخصصة للمواقف الخطيرة والمهددة للحياة حقًا. أما إذا كانت مستدامة ومستمرة على المدى الطويل، فإنها تمنع الجسم من الاسترخاء وتخلق شعورًا دائمًا بالضغط.

هنا توضح الدكتورة يونغ، أن العيش مع الشعور بالذنب والتوتر المزمن لا يمنح الجهاز العصبي فترة التوقف والحصول على الراحة والاسترخاء التي يحتاجها، إذ عندما يتم تحفيز الاستجابة للضغط النفسي لدى الشخص بشكل مستمر، فقد يؤدي ذلك إلى الإصابة بأمراض مزمنة ومخاوف تتعلق بالصحة العقلية، بما فيها القلق والاكتئاب وارتفاع ضغط الدم وزيادة معدل ضربات القلب.

وتؤكد يونغ، على أهمية التقليل من الشعور بالتوتر قائلة: "عندما تفكر في التأثيرات الطويلة المدى، تدرك أن إعفاء نفسك من الشعور بالذنب ليس ترفًا.. إنه ضرورة". هنا يمكن أن يساعد تعلم كيفية التعامل مع ذنب الأمومة على تحسين نوعية الحياة، وعيش حياة ذات معنى.

مواقع التواصل الاجتماعي تزيد الأمر سوءًا

"كطبيبة أطفال، أهتم في كثير من الأحيان، إلى جانب الاعتناء بالأطفال، برعاية أمهاتهم أيضًا.. أسأل عن كل شيء يخص وضع الأم الصحي سواء أكان بدنيًا أو عقليًا. وعلى مدى السنوات الأربع أو الخمس الماضية، رأيت زيادة في عدد الأمهات اللاتي يخبرنني بأنهن يشعرن بعدم الكفاءة كأم، ويرين أنهن لا يقمن بواجباتهن على النحو الصحيح، وكما كنت قد خمنت، فإن الكثير من هذه المشاعر يتعلق بمواقع التواصل الاجتماعي".

هكذا تقول طبيبة الأطفال ناتاشا سريرامان، في مقال نشرته عبر موقع "المنظمة الدولية لدعم ما بعد الولادة"، وهي منظمة تأسست عام 1987 في الولايات المتحدة بهدف زيادة الوعي في المجتمعات العامة والمهنية حول التغيرات العاطفية التي تمر بها المرأة أثناء مرحلة الحمل وما بعد الولادة.

تُضيف ناتاشا: "كانت لديّ طفلة في العيادة جاءت برفقة والديها.. كانت الطفلة مثالية من الناحية التنموية والتغذوية، كانت بالضبط حيث يفترض بها أن تكون، ومع ذلك، عندما نظرت إلى أمها، بدا لي أن هناك شيئًا ما غريبًا.. جلست إلى جانبها وسألتها إن كانت بخير، فإذا بها تشرع في البكاء.. أمسكت بيدها، لتُخبرني أنها تشعر بأنها ليست جيدة بما فيه الكفاية.

كانت الرضاعة الطبيعية صعبة عليها، وكانت طفلتها تبكي طوال الوقت، هذا بالإضافة إلى شعورها بالتقصير تجاه علاقتها بزوجها، وعندما سألتها إن كانت حاولت الحصول على بعض الدعم من خلال التحدث إلى صديقاتها اللاتي أنجبن للتوّ أطفالا جددًا، أجابت: لا، لأنني أراهنّ دومًا على وسائل التواصل الاجتماعي، وهن يفعلن كل شيء بشكل صحيح".

توضح ناتاشا، أن هذه الأم بَنت فكرتها وتصوراتها عن الأمومة من خلال ما تراه عبر وسائل التواصل التي تتضمن فقط صورَ الحمل الاحترافية، وحفلة استقبال المولود الجديد، ولقطاتٍ بالغة الرقة والعذوبة تجمع الأم بطفلها.

ترى ناتاشا أن هذا بالطبع لم يهيئ هذه الأم لأي  شيء مما ستواجهه واقعيًا خلال فترة ما بعد الولادة، وعندما واجهت الألمَ والقلق وبكاء الصغير المستمر، شعرت أن الخطأ منها هي، وأنها لا تدير الأمر بشكل صحيح.. هنا لم تكن وسائل التواصل الاجتماعي داعمة بأي قدر، بل جعلت هذه الأم تشعر بمزيد من القلق والانزعاج وعدم الكفاءة.

هناك العديد من الأسباب والمواقف التي قد تؤدي إلى شعور الأم بالذنب، ولكن أكثرها انتشارًا الآن صار ببساطة هو متابعة مواقع التواصل الاجتماعي، تلك المتابعة التي تُمكنك من رؤية صور مجتزأة من سياق حياة الآخرين.

أنت لم تر كامل حياتهم، لم تر ما قبل هذه اللقطة أو ما بعدها، لكنك تقع أسيرًا للقطة ذاتها إذا كانت مميزة أو تبدو جميلة، وتُقارنها بما تفعل أنت في حياتك أو ما تواجهه من معاناة. يزداد الأمر سوءًا في حالة الأم، إذ ترى ببساطة أن الأخريات يفعلن لأبنائهن ما لم تتمكن هي من فعله.

من الأسباب التي تزيد من الشعور بالذنب، مقارنةُ الأم نفسَها بالأخريات.. المثال الذي يسوقه موقع "هيلث لاين" هنا، عن أم عاملة اتخذت قرارًا بفطام ابنها عن الرضاعة الطبيعية، والبدء في إطعامه لبنًا صناعيًا لعدة أسباب شخصية وأسرية، ثم تجد هذه الأم أثناء تصفحها لحساباتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إحدى صديقاتها تُشارك منشورًا حسن النية حول العلاقة العميقة التي أصبحت تربطها بطفلها بسبب الرضاعة الطبيعية، مع حديث مُطوّل عن الفوائد الطبية والعاطفية الواسعة للرضاعة الطبيعية، ورُبما ترفق هذه الصديقة منشورها بصورة "سيلفي" وابنُها في حضنها.

ترى الأم العاملة هذا المنشور في الوقت الذي تحاول فيه بالفعل بذل قصارى جهدها للتوفيق بين ابنها الرضيع واحتياجاته واحتياجات عملها والدخل الشهري للأسرة، فتنتابها مشاعر عميقة بالحزن بسبب قرار التوقف عن الرضاعة الطبيعية.. هنا تكون مثل هذه المنشورات، بالنسبة لهذه الأم، رغم عدم التشكيك في نوايا أصحابها، بمثابة هجوم يستهدفها على وجه التحديد.

كذلك، عندما ترى الأم عبر مواقع التواصل الاجتماعي صورًا ومشاركات لأمهات يتمكنّ من شغل أوقات أبنائهن بالأنشطة والرياضات المفيدة والأعمال اليدوية، بينما تترك هي أطفالها للشاشات، نظرًا لأن ظروف عملها أو وقتها أو حتى مقدار طاقتها لا تسمح لها بذلك.. هنا قد تشعر الأم أنها لا ترقى إلى مستوى الأمومة الذي تريده وتتمناه لأطفالها.

تؤكد ناتاشا، أنه مع استخدامنا المتزايد للتكنولوجيا وإمكانية الوصول إلى جميع تطبيقات الوسائط الاجتماعية في جميع الأوقات، فإن هجمة الصور والمشاركات لا تنتهي أبدًا، مضيفة أن الدراسات أظهرت أن التعرض لوسائل التواصل يمكن أن يزيد من القلق و/أو الاكتئاب، ويمكن أن يؤثر ذلك بشكل مباشر على صحة الأم العقلية وعافيتها العاطفية، وهو ما يمكن أن يؤثر سلبًا أيضًا على الحصول على قسط كافٍ من النوم.

في ظل معاناة الأم من الحرمان من النوم، وهرمونات ما بعد الولادة، يكون أيُّ ضغط مهما كان بسيطًا بالغَ الثقل، وهنا لا يكون مستغربا أبدًا أن تجعل وسائل التواصل الاجتماعي حياة الأمهات الجديدات أكثر سوءًا. تقول ناتاشا: "جميع الصور تؤثر علينا، حتى لو كنا نعتقد أننا نتصفح فقط.. أخبرني أحد علماء النفس الذين أعمل معهم أن الصور التي نراها، وما نملأ عيوننا ورؤوسنا به، تؤثر بالطبع على أدمغتنا، حتى لو كنا نعتقد أننا لا نشارك بنشاط".

بخلاف عقد المقارنات، الذي يجعله استخدام مواقع التواصل الاجتماعي مكثفًا ومستمرًا، فقد يزيد من شعور الأمهات بالذنب تلك المنشوراتُ المنتشرة بكثرة عبر مواقع التواصل حول التربية الإيجابية، والتي يكون بعضها عبارة، في الواقع، عن مفاهيم مغلوطة، أو مفاهيم صحيحة لكن يتم الترويج لتنفيذها بشكل خاطئ.

قد تملأ الأم، من خلال هذه المنشورات، رأسها بمبادئ التربية الإيجابية وقواعدها، وتتمنى تطبيقها في تربية وتنشئة أطفالها، وتضع تصورًا حول كيفية تربية أبنائها والتعامل معهم، ثم يأتي واقع الحياة المعاشة ليقلب كل هذا رأسًا على عقب.

فظروف الحياة ومتطلباتها قد تفرض علينا أسلوبًا آخر، أو تجعلنا نقوم ببعض التصرفات في التربية قد تختلف تمامًا عن النهج الذي نميل إليه أو نتمناه.. هذا الاختلاف قد يكون قاسيًا للغاية، وقد يجعل الأم تشعر بالذنب لأنها لا تتمكن من القيام بما تتمناه لأبنائها.

الكاتب: من الأسباب التي تزيد من الشعور بالذنب، مقارنةُ الأم نفسَها بالأخريات. (بيكساباي)

بين الأمس واليوم!

ربما كانت أمهات الأمس يشعرن بالذنب حينما لا يحصل أبناؤهن على أعلى الدرجات الممكنة في الاختبارات المدرسية والأكاديمية، وربما يشعرن بالذنب عندما يمرض الأطفال، وقد يتهمن أنفسهن بأنهن قصّرن في تغذية الصغير على نحو جيد، أو وقايته من العدوى والأمراض. لكن صخرة "الذنب" الثقيلة بالأساس، تزداد ثقلًا مع مرور السنوات والعقود، فأصبحت صخرة الأمهات المعاصرات بالغة الضخامة وشديدة الثقل، ورُبما لا تستطيع قلوب الكثيرات حملها دون التعرّض لاضطرابات وأزمات نفسية.

الشعور بالذنب الدائم يُثقل الأمهات المعاصرات المشاركات على نحو متزايد في قوة العمل، واللاتي قد يكنّ مسؤولات عن توفير الدخل اللازم لتغطية نفقات الأسرة، سواء بشكل كلي أو جزئي، إلى جانب الموازنة بين الالتزامات الأسرية.

فالأم التي تُشارك في الإنفاق على المنزل، في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، والتي قد تجعل من العسير أن يعول المنزلَ شخص واحد؛ قد تشعر بالذنب بسبب العودة إلى البيت في وقت متأخر بعد يوم طويل من العمل، وقد يُرهق قلبها أن ترى أبناءها جالسين بمفردهم في الحضانات أو مراكز الرعاية النهارية للأطفال لأن جميع زملائهم انصرفوا قبل ساعات، كما قد يزيد من شعورها بالذنب، أنها حتى بعد عودتها إلى المنزل لن تكون معهم بكامل تركيزها، لأن عليها أن تعدّ الغداء المتأخر، ثم تنظف الصحون وتلبي ما تقدر عليه من متطلبات المنزل من تنظيف وتجهيز ملابس اليوم التالي.

تلك الأم التي لم تأخذ 10 دقائق من يومها لنفسها، والتي تخرج من مهمة لتبدأ مهمة جديدة، قد تنام مُثقلة في نهاية اليوم بمشاعر ذنب قاسية، لأنها تشعر أنها لم تكن بالنسبة لأطفالها أمًّا جيدة بما يكفي. أطفالها الذين يُخبرها الجميع الآن أنه ليس من حقها أبدًا أن ترفع صوتها في وجوههم مهما انتهى صبرها أو نفدت طاقتها وقدرتها على التحمل، لأنها مسؤولة أيضًا عن السواء النفسي للأبناء، ويجب أن تتبع قواعد التربية الإيجابية، حتى لا يحمل أبناؤها تجاهها أو تجاه مرحلة طفولتهم مشاعر سلبية تجعلهم عُرضة للاضطرابات والأزمات النفسية.

في كتابها "من امرأة وَلدت" (Of Woman Born)، لخّصت أدريان ريتش، تجربة الأمومة ومفهومها بأنها "الشعور بالذنب، فالشعور بالذنب، ثم الشعور الذنب". كما رصدت في صفحات الكتاب تجربتها مع الأمومة قائلة: "لكي يكون لدى جميع النساء خيارات حقيقية على طول الخط، نحتاج إلى أن نفهم بشكل كامل مشاعر القوة والعجز المتجسدة في الأمومة في ظل الثقافة الحالية".

وتوضح أن الثقافة الحالية هي التي تُحدد الحالة "المؤسسية" المتعلقة بالأمومة، وتفرضها بتنوعاتها المتعددة على جميع النساء في كل مكان.

تُشير أدريان إلى أن التوقعات غير الواقعية والتلاعب المستمر، والعبء العقلي الكبير الناتج عن الكثير من الأشياء التي تفرضها الحياة المعاصرة، والتي يجب على الأم تحقيق التوازن فيها، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: القيام بمهام العمل خارج المنزل، والالتزام بالروتين اليومي والأسبوعي للأبناء، وشراء متطلبات المنزل، وتنظيم الوجبات اليومية، وتنظيف الملابس وكيّها، والإعداد للمناسبات الخاصة للأسرة والأبناء والتي منها الاحتفال بالأعياد وأعياد ميلاد الأطفال، بالإضافة إلى الأنشطة اللامنهجية التي يجب أن يمارسها الأطفال مثل التمرينات الرياضية أو التدريبات الفنية كالتدريب على الرسم أو آلة موسيقية، وأن تقوم بكل هذا وعلى وجهها ابتسامة هادئة حتى لا تنقل إلى الأبناء أيَّ توتر أو ضغط يؤثر سلبًا على سوائهم النفسي..

كل هذه الأمور وأكثر، تساهم في زيادة التوتر والشعور بالذنب، لأن الأم التي يُطلب منها تلبية كل هذا، هي في النهاية "إنسان" طاقتُه وقدراته وأوقاته محدودة، وعلى الأغلب لن تستطع الوفاء بكل هذه الالتزامات، رُبما تلبي بعضها أو جزءًا منها.. ماذا سيحدث إن لم يتم تلبية هذه المتطلبات جميعًا؟ بالضبط، يزداد الشعور بالذنب قسوة، وتزداد صخرته ضخامة، لعدم شعور الأمهات بأنهن حققن كل شيء لأجل أبنائهن.

في ظل ضغوط الحياة المعاصرة، لا يُستغرب إذن أن تجد الأبحاث الحديثة ومنها دراسة نُشرت نتائجها في عام 2021، أن الأمهات أصبحن يعانين من صراعات وتحديات كبيرة متعلقة بالصحة العقلية. وأوضحت الدراسة أن الأبحاث الأولية المقطعية أظهرت زيادات في مشكلات الصحة العقلية لدى الأمهات خلال فترة انتشار فيروس كورونا، مقارنة بتقديرات ما قبل جائحة كوفيد-19، فانتشرت أعراض الاكتئاب والقلق لدى الأمهات. مثلًا في كندا، زادت أعراض الاكتئاب بين الأمهات من 19 إلى 35%.

ماذا إذا كان الطفل لديه مشكلة؟

كل ما سبق من مشاعر الذنب يحدث في ظل كون الأطفال أصحاء وينمون بشكل طبيعي، لكن، ماذا إذا كان لدى الطفل مشكلة صحية ما؟ هنا قد يُشير الجميع بأصابع الاتهام إلى الأم، فمؤكد أنها السبب الأول أو أنها المسؤولة الوحيدة عن كون طفلها يُصنفه المجتمع على أنه "غير طبيعي" في جانب ما.

كثير من أمهات الأطفال المصابين بالتوحد يُعانين من هذا الأمر، حيث يلومهن الجميع قائلين: "مؤكد أنكِ أهملت التحدث إلى طفلك"، "مؤكد أنك تركته بمفرده لساعات طويلة"، "مؤكد أنك تركته للشاشات حتى تتخلصي من الضوضاء التي يُسببها"، وهنا تجد الأم نفسها متهمةً بإلحاق الضرر بطفلها، لتُعاني من آلام شعور حاد بالذنب قد يعوقها حتى عن السعي لتحسين حياة الطفل الذي يحتاج إلى رفيق طريق يتمتع بالصبر والعزم والمثابرة، وعلى الأغلب لن يكون هذا الرفيق إلا أمه.

تأتي هذه الاتهامات المجتمعية للأم، رغم كون الأطباء لا يستطيعون الجزم بسبب مُحدد قاطع يقف وراء الإصابة بالتوحد.

أوضحت دراسة نُشرت في مارس/آذار 2023، وأُجريت على عينة بحث تكونت من 143 من آباء الأطفال المصابين بالتوحد، أن الشعور بالذنب والعار يفسر نسبة 23% من حدوث الإجهاد الأبوي. وفي دراسة أخرى نُشرت عام 2012، وكانت تسعى فقط لتحديد مشاعر أمهات الأطفال المصابين بالتوحد، وجد الباحثون أن هذه الفئة من الأمهات لديهن مستويات أعلى من التوتر المرتبط بالأمومة.

ومن خلال البيانات التي تم جمعها من 22 أمًّا لأطفال مصابين بالتوحد، كانت أكثر الموضوعات المطروحة في ذهن وحياة الأمهات: صعوبة قبول التشخيص، والتأثير السلبي على العلاقات بين الوالدين، والموقف السلبي للمجتمع. أما الجوانب الإيجابية التي تم تحديدها في ردود الأمهات فكانت: الأمل في تعافي أطفالهن، والتصميم على الكفاح من أجل مساعدتهم.

أيضًا، وفي كثير من الأحيان، يكون لدى أمهات الأطفال الذين يعانون من هذا الطيف؛ قراراتٌ مهمة يجب عليهن اتخاذها بشأن أطفالهن، ويمكن أن تكون المخاطر عالية جدًا إذا لم تُتخذ هذه القرارات بشكل صحيح وفي الوقت المناسب. مثلًا، تدعم الأبحاث أن التدخل المبكر لهذه المجموعة من الأمهات له أهمية قصوى، لذلك يمكن أن يكون لقرار مثل "التدخل المبكر" تأثير هائل على مستوى أداء الأطفال في المستقبل.

هذا الأمر يزيد من الشعور بالذنب الساحق، والسؤال المستمر هنا لا يكون فقط: "هل اتخذتُ القرارات الصحيحة لطفلي أم لا؟"، بل يكون أيضًا: "هل اتخذت القرارات الصحيحة لطفلي في الوقت المناسب أم تأخرت؟!"، وهنا يمكن أن يكون الشعور بالذنب والشك بالنفس مرتفعًا للغاية بالنسبة لهذه المجموعة من الأمهات.

ليس التوحد فقط، بل حتى السمنة أيضا، تكون الأم مُدانة ومُذنبة فيها، ففي دراسة أجريت عام 2020 على الأمهات اللاتي لديهن أطفال يعانون من زيادة الوزن، قالت الأمهات إن أفراد الأسرة عادة ما يدلون بتعليقات سلبية أو حُكمية وينتقدون الوالدين. كما تشعر الأمهات أحيانًا بالعزلة عن الآخرين لأن أطفالهن يعانون من زيادة الوزن. وأضافت العديد منهن أن طبيب أطفالهن يساهم في شعورهن بالذنب، لأنه أيضًا قد يحكم عليهن.

 

هل يمكن التغلب على ذنب الأمومة؟

في بعض الأحيان، يكون ذنب الأم مكثفًا للغاية لدرجة أنه قد يعيق قدرة الأم على تلبية احتياجات أبنائها ورعايتهم أو القيام بمسؤولياتها داخل المنزل وخارجه. فإذا كنتِ أمًّا وكان الشعور بالذنب يُسبب لكِ المعاناة من مستويات عالية من القلق، فمن المفيد أن تستشيري الطبيب النفسي، لأن ذلك قد يشير إلى حالة صحية عقلية أخطر، مثل قلق ما بعد الولادة أو الاكتئاب.

إن لم يشر الأمر إلى حالة صحية عقلية أخطر، فإن التعامل مع ذنب الأمومة، بالنسبة للعديد من الأمهات، قد لا يحتاج لأكثر من إيقاف المقارنات اللاواعية واستعادة الثقة في قراراتك الخاصة بعائلتك. إذا توقفت عن المقارنات، يمكنكِ حينها أن تشعري بالارتياح من كثرة التفكير في أنك لست أمًّا جيدة. تقول روندا ثورينغتون، المستشارة المهنية المرخصة ومدربة الآباء في مانشستر بولاية كونيتيكت الأميركية: "سيكون هناك دائمًا شخص ما تعتقدين أنه يفعل الأشياء بشكل أفضل وبسهولة أكبر. بالأساس، أن يكون شخص ما جيدًا أو غير جيد، ليس من شأنكِ ولا يخصكِ بأي درجة، وكل ما عليكِ فعله هو أن تكوني لطيفة مع نفسكِ، وأن تدركي أنكِ تقومين بما يتناسب مع ظروف حياتكِ وظروف عائلتك".

يجب على الأم أن تحدد أولوياتها حتى تقلل من عقد المقارنات مع الأمهات الآخرين (بيكساباي)

بالطبع، فإن الطريق الأمثل هنا للحدّ من إجرائكِ للمقارنات، هو الحدّ مما تتابعينه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فإلغاء متابعة الأمهات اللاتي ترينهنّ "مثاليات"، ويجعلنك تشعرين بالسوء تجاه نفسكِ يمثل الخطوة الأولى التي يمكنكِ البدء بها لتقليل المقارنات.

كذلك، مما يُمكنكِ فعله للتغلب على ذنب الأمومة؛ تحديد أسباب شعوركِ بالذنب، وذلك لأن التعمق في الأسباب الحقيقية لهذا الشعور هو المفتاح الذي سيُمكنك من التعامل الفعّال.

قد لا تعود هذه الأسباب إلى أيٍّ مما تفعلينه أو ترغبين في فعله خلال دورك كأمّ، وقد تعود ببساطة إلى طفولتك، إذ من الممكن أنك تُعانين من ذنب الأمومة لأنكِ تحاولين تحسين إستراتيجية الأبوة والأمومة التي اتبعها والداك معكِ والتي ترين بوضوح الآن أنها لم تكن جيدة بما يكفي، أو أنها سببت لك بعض المعاناة. كما يُمكن أيضًا أن يكون سبب شعوركِ بذنب الأمومة هو المعاناة من صدمة سابقة غير مُعالجة.

مفتاحكِ لتحديد الأسباب الجذرية التي قد تقف وراء شعوركِ بالذنب هو القيام بتدوين يومياتك أو تدوين ملاحظات سريعة على هاتفك تسردين فيها الموقف أو الظرف الذي سبّب لكِ الشعور بألم الذنب، ومع مرور الوقت ستتضح الأسباب التي تدفعكِ لهذا الشعور.

مثلًا، قد تلاحظين بعد التدوين أن معظم مشاعر الذنب تنتج عند سماع الأمهات الأخريات وهن يتحدثن عن مغامرات أطفالهن أو الأنشطة والرياضات التي يمارسونها، أو ربما تنتج هذه المشاعر عند التفكير في تغذية أطفالك وخيارات التغذية التي تتبعينها معهم، أو رُبما تنتج بسبب علاقة طفلك بالمدرسة والتعلم.. بمجرد أن تتمكني من تحديد الأسباب الأساسية التي تقف وراء شعوركِ بالذنب، يصبح من السهل مراقبة هذه المحفزات، وإجراء تغييرات بسيطة في الاتجاه الصحيح تساعد على تقليل الشعور بالذنب.

الخطوة الثانية بعد تحديد الأسباب، تتمثل في تحديد أولوياتك كأمّ، وأي الأشياء تحظى بالجانب الأكبر من اهتمامك. رُبما يكون أهم ما يشغلك أن يكون أطفالكِ سعداء ويكوّنوا الكثير من الذكريات السعيدة في مرحلة طفولتهم، لذا فأنتِ تهتمين أكثر بإعطائهم مساحة واسعة من اللعب الحر واللعب برفقة أقرانهم ورُبما التنزه والسفر والرحلات.

ورُبما يكون أكثر ما يشغلكِ أن يكون أطفالكِ أصحاء جسديًا، لذا فإن ما يستحوذ على اهتمامك أكثر هو أن يحصلوا على الطعام الصحي المتوازن وعلى قدر كاف من النوم الجيد العميق كل ليلة، وأن يمارسوا رياضة أو أكثر بانتظام. ورُبما تنشغلين أكثر بالجانب الأكاديمي، فتبذلين كامل جهدك ليصبح طفلكِ شخصا مميزا أكاديميًا ومثقفًا ويحصل على تعليم جيد، سواء من خلال المدرسة أو من خلال الأنشطة والتدريبات الخارجية التي توفرينها له.

حتى وإن كُنتِ تسعين لإحداث التوازن بين كل ما سبق، فمؤكد أن لديكِ أولوية مُحددة تحظى باهتمامك أكثر من غيرها، هنا يكون من شأن تحديد هذه الأولوية والالتزام بها أن يقلل من شعوركِ بذنب الأمومة.

هنا يجب أن تدركي أن أولوياتك قد لا تكون هامة إطلاقًا بالنسبة للعديد من الأشخاص الآخرين، فإذا سَفّهَ شخص ما الأولوياتِ التي تُولينها اهتمامك تجاه طفلكِ، فليس عليك أن تُعدلي من قيمك ولا من أولوياتك، ولا أن تضغطي على زرّ تنسين من خلاله ما تحلمين به لطفلكِ، بل كل ما عليكِ فعله هنا هو ألا تتفاجئي عندما يتحدى شخص ما اختيارك، وأن ترددي لنفسكِ أن الاختلاف أمر صحي ومقبول.

عندما تُرتبين ذهنكِ وتحددين قيمكِ وأولوياتكِ، فأنتِ هنا تُعيدين صياغة فكرتكِ عن "الأم الصالحة"، ببساطة ستصبحين أمام نفسكِ أمًّا صالحة عندما تتبعين ما تؤمنين به مع أطفالكِ، وهذا من شأنه أن يُقلل من شعوركِ بالذنب، بغض النظر عن تقييمات الآخرين، أو الفكرة التي يُكوّنها المجتمع عن الأم الصالحة.

تشرح إيمي ويب، وهي كاتبة مختصة في شؤون الأبوة والأمومة في ولاية كولورادو الأميركية، وحاصلة على درجة الدكتوراه في التنمية البشرية وعلوم الأسرة، هذا الأمر قائلة: "إذا كانت الأم تشعر بقوة كبيرة تجاه قيمها الحقيقية وأولوياتها كأم تجاه أطفالها، فيمكنها أن تختار بثقة ولا تشعر بالذنب.. لن تشعر بالذنب عندما تعلم أنها تتبع ما تؤمن به".

تتمثل الخطوة الثالثة في تكوين دائرة اجتماعية مقربة منكِ تكون آمنة وموثوقة. هنا يكون السؤال الذي يجب أن توجهيه لنفسكِ: هل أنتِ محاطة بأشخاص بشبهونك في التفكير ويقدّرون قيمكِ ويسعون لمساعدتك ولا يبخلون عليك بمعلوماتهم وخبراتهم؟ إذا لم يكن الأمر كذلك، فسيكون عليك إعادة تعيين مجموعة الأشخاص المقربة منك، والذين يمكنكِ مناقشة القرارات المهمة معهم. يمكن أن تشمل هذه المجموعة زوجكِ أو أحدَ أفراد الأسرة الموثوق بهم، أو طبيب الأطفال الخاص بك، أو صديقا موثوقا به.

من المهم أيضًا لتجنب الشعور بذنب الأمومة أن تستمعي إلى أطفالكِ، فهم مصادر ممتازة للمعلومات حول ما إذا كانت قراراتك ناجحة أم لا، وما هي المجالات التي يجب عليك تحسينها أو إجراء تعديلات جذرية عليها.

إذا كان طفلكِ يطلب منك باستمرار أن تُشاركيه اللعب أثناء عملك، فليس عليكِ أن تتركي العمل، كل ما عليكِ هنا أن تحددي معه موعدا للعب في وقت لاحق، وأن تلتزمي بهذا الموعد تمامًا وتفي به حتى وإن لم يُذكّرك طفلك أو شعرت أنه قد نسي.

يجب أن تدركي أيضًا، أن إهمال الاهتمام بنفسكِ وعدم تلبية احتياجاتكِ الشخصية لن يجعلكِ أمًّا جيدة. في الواقع، هذا من شأنه أن يجعلكِ شخصًا قابلا للانفجار في أي لحظة، كما أنه يزيد من حدّة المشاعر السلبية داخل رأسكِ، والتي منها الشعور بالذنب تجاه أشياء قد لا تكون واقعية من الأساس، حتى وإن كانت واقعية فرُبما ترينها بشكل خاطئ أو من زاوية ضيقة تجعلكِ ترين الأمر بشكل بالغ السلبية.

لكي تتجنبي كل هذا، عليكِ الاعتناء بنفسك.. فكّري في التركيز عليها لفترة من الوقت والاعتماد على الآخرين للمساعدة في تقديم الرعاية لطفلكِ، إذا استطعت.. تذكري أن الرعاية الذاتية يمكن أن تساعدكِ في تطوير وتحسين قدراتك على بذل الجهد والعمل، بالإضافة إلى القدرة على التحلي بالصبر مع أطفالكِ لفترات أطول.

كذلك، يمكن للتحدث مع معالج أو مختص أن يكون وسيلة فعّالة للتغلب على مشاعركِ السلبية، إذ يمكن للطبيب النفسي أن يساعدك في تحديد محفزات الشعور بالذنب وتحديد إستراتيجيات للتكيف أو التعامل بفعالية.

وأخيرًا، لا تكوني أنتِ الأم التي تُشعر الأمهاتِ الأخريات بذنب الأمومة، وذلك لأن هذا الذنب كثيرًا ما يحدث ببساطة بسبب الأمهات الأخريات، فلا تكوني أنتِ تلك الأم في الحديقة التي تشعر باحتياجها إلى استنكار تصرف أمّ أخرى تسمح لأطفالها بتناول المثلجات أو المقرمشات، مع تقديم شرح عميق لمسألة أن الطفل الذي يحظى بنظام غذائي مكون من الخضراوات والفواكه ومنتجات الألبان تكون قدراته العقلية والبدنية أفضل من الذي يتناول المثلجات أحيانًا.. كوني حذرة أيضًا عندما تنشرين منشورات عبر وسائل التواصل الاجتماعي قد تبدو وكأنها تفاخر أو تحمل الاستنكار والذم لتصرفات أمهات أخريات.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية

إعلان