كيف أتخلص من الكوابيس والأحلام المزعجة؟

الاحلام

تستيقظ فجأة خلال الليل محاولًا التقاط أنفاسك، يتصبب منك العرق كأنك كنت تجري أميالًا، لقد كنت تجري فعلًا في كابوسك، هربًا من شيءٍ ما، أو من شخص ما ربما. أنت مستيقظٌ الآن وآمن، لكن رغم معرفتك البديهية أن كل ما حصل في المنام بقي هناك، وخرجت أنت منه إلى وعيك، فإن شعور الضيق والتوتر، والخوف ربما، ما زال يمنعك من أن تعود إلى النوم. قد يتكرر هذا الكابوس أو غيره مرات عديدة، كأن تحلم بأنك مُطاردٌ لكنك لا تستطيع الحركة، أو أنك على وشك الموت، أو غيرها من المواقف التي تخلق شعورًا سلبيًّا يتجاوز تأثيره حلمك ليمتد إلى واقعك. إذا كان ذِكر الأحلام يستدعي لديك هذا القلق، فرُبما سيُهمك أن تُكمل القراءة، إذ نناقش في هذا المقال ما يقوله العِلم بخصوص الأحلام: لماذا نحلم أساسًا؟ ولماذا نحلم بالكوابيس؟ وما الذي يُحفز الأحلام المزعجة؟ وكيف يمكننا التخلص من الأحلام المُزعجة أو الكوابيس؟

 

ما يُهمك أن تعرفه عن الأحلام والكوابيس

Somnambulist rising from bed near green wall indoors, multiple exposure. Sleepwalking الأحلام الواضحة أثناء النوم - المصدر: غيتي GettyImages-1321448812

"لا يمكن أن يكون الحلم، أي حُلم، مُجرد حلم"

من فيلم Eyes wide shut

عندما ننام، فإن أدمغتنا تختلق قصصًا وصورًا نختبرها خلال النوم، تُعرف بالأحلام، تكون تلك القصص مسلية وممتعة أحيانًا، وغريبة أو مخيفة أحيانًا أخرى. ربما قد تعتقد أنك لا تَحلُم بتاتًا لأن ذاكرتك لا تستدعي أي أحلامٍ اختبرتها سابقًا، لكن العلم يُخبرنا أننا جميعًا نَحلم، إلا أن بعضنا ينساها كما ننسى جميعنا الكثير من أحلامنا بعد الاستيقاظ مباشرة. من المهم عند الحديث عن الأحلام أن نناقش مراحل النوم بوصفها مدخلًا لفهمها، وهنا يمكن القول إن مراحل نومنا يمكن تقسيمها بشكل رئيسي إلى مرحلتين أساسيتين: نوم حركة العين غير السريعة (Non-REM Sleeping)، ونوم حركة العين السريعة (REM Sleeping)، والأخيرة تُعرف أيضًا بمرحلة النوم العميق، وهي مهمة وأساسية للعديد من الوظائف المتعلقة بالنمو والتطور في أدمغتنا. وفي حين أننا يُمكن أن نختبر الأحلام في كلا المرحلتين، إلا أن أكثر الأحلام وضوحًا وأشدّها كثافة هي تلك التي نختبرها في مرحلة النوم العميق.

 

في سياق علم النفس، يُعدّ أشهر وأهم مَن عالج ظاهرة الأحلام هما الطبيبان سيغموند فرويد وكارل يونغ، حيث يقول لنا فرويد إن الأحلام هي بمثابة بوابة إلى اللاوعي الخاص بنا، فنحن -وفقًا له- تُحفزنا رغبات لا نَعترف بها في وعينا، مثل غرائزنا العدوانية والجنسية، وعليه يمكن لتلك الرغبات والأفكار أن تتجلى في الحُلم بشكل مختلف تمامًا وتجريدي.

"يُحاصرني في المنامِ كلامي، كلامي الذي لم أقُلهُ"

محمود درويش

لكن بالمقابل، يخالف فرويد زميله الآخر يونغ الذي يعتقد أن ليس كل ما نراه في الحلم له علاقة برغبة مكبوتة في دواخلنا، بل يُشكل بالأحرى جسرًا بين الوعي واللاوعي الخاص بنا، بمعنى أن ما نراه في أحلامنا (أي اللاوعي) قد ينطوي على رمزية تساعدنا في حل مشكلاتنا وأزماتنا اليومية (الوعي)، على العكس من فرويد الذي عزا كل أسباب الحُلم إلى رغباتنا اللاواعية.

التأثير على جودة النوم قد يسبب الضوء الأزرق اضطرابات في النوم. وحسب موقع "هيلث لاين"

لكن، رغم أننا حتى الآن لا نعرف أيّهما أصاب، ولا نعرف أيضًا سببًا واضحًا على وجه التأكيد حول أسباب اختبارنا للأحلام، فإن من أهم التفسيرات والمقاربات حول أحلامنا هو أنها تساعدنا على استيعاب مشاعرنا والتعامل معها، حيث يمكنك أن تعتبر الأحلام بمثابة جلسات علاج ليلية، فمن خلالها يُعالج الدماغ المواقف والأحداث والانفعالات التي واجهها خلال اليوم، كأنها فترة نقاهة، لكن على مستوى المشاعر والعاطفة. قد تُذكرنا وظيفة الأحلام هذه بحُلم "تيدي" في فيلم "Shutter Island"، حيث يتحدث إلى زوجته المتوفاة في شقتهما القديمة، ثم يحيط بهما فجأة الرماد المتناثر، وتظهر آثار النيران على جسدها الذي يتلاشى مُحترقًا بين ذراعي زوجها، وتشتعل النيران في الشقة. نحن نَعلم مُسبقًا أن البطل يعتقد أن زوجته ماتت في حريق، تتعدى هذه الذكريات على مساحة أحلامه وتُصبح تمثيلًا لصدمة وفاة زوجته.

 

كما يَحضُر حُلم مشابه في فيلم "Manchester by the Sea"، حين يُراود البطل حلم حول ابنته التي تُخبره أنها تحترق، والذي يُذكّره بحادثة فقدانه أبناءه في حريق منزلهم الذي كان هو سببًا في حدوثه. وفي هذا السياق، فإن اختبارنا لتجاربنا السلبية مرارًا وتكرارًا في الأحلام قد لا يكون عبثًا، بل يحدث لسببٍ وجيه. لقد وجدت دراسات عديدة أن من يحلمون بتجاربهم السلبية التي مرّوا بها على وجه التحديد، تزيد قدرتهم على تقبلّ هذه التجارب وتجاوزها[1]. وبالإضافة إلى معالجة المشاعر، فإن من الأسباب الأُخرى التي يُعتقد أنها تؤسس لأحلامنا هي حفظ الذكريات، والتعبير عن رغباتنا الداخلية، وتعلم التعامل مع المواقف التي تنطوي على المواجهة.

 

بالطبع من المهم هنا أن نفرّق بين الأحلام المزعجة والكوابيس، ففي حين قد تتذكر أحلامك المزعجة حين تستيقظ صباحًا أو لا تتذكرها، توقظك الكوابيس من نومك، وتجعل العودة إلى النوم أكثر صعوبة أيضًا؛ ما يؤثر على العديد من جوانب الحياة، كما تُرافقها أعراض جسدية أهمها التعرق وضيق النفس. لقد وجدت إحدى الدراسات أن كوابيس البالغين تتشابه إلى حد كبير، فبعد تحليل ما يُقارب 10,000 حلم، خلص الباحثون إلى أن معظمها تنطوي على عُنف جسدي بشكل ما، كما كان المرض، والموت، والشعور بالتهديد من أكثر سمات الأحلام حضورًا[2]. وكما الأحلام، تنشأ هذه الكوابيس نتيجة للعديد من الأسباب، نذكر أهمها:

 

  • 1.  القلق والتوتر: يرتبط اختبار الكوابيس بحضور مستويات عالية من القلق والتوتر. في دراسة حديثة أُجريت في الولايات المتحدة بهدف استطلاع تأثير جائحة كوفيد-19 على النوم والأحلام، لاحظ الباحثون أن من كانوا يشعرون بمستويات قلق عالية نتيجة التغيرات التي فرضتها الجائحة، كانوا أيضًا أكثر مَن اختبر كوابيسَ (مقارنة بباقي عينة الدراسة)، وكانت تتمحور حول مواضيع تبدأ من العجز والحرب والموت والمرض وحتى نهاية العالم![3]

 

  • 2.  الصدمات: تُشير الدراسات إلى أن من يعانون من اضطرابات كرب ما بعد الصدمة (Post-traumatic Stress Disorder) مُعرضون بشكل أكبر للكوابيس، وهو ما نجده بشكل كبير في حالات الأشخاص الذين شهدوا حروبًا أو صراعات. في دراسة أُجريت على 300 طالب في مدينة غزّة المُحاصرة، والتي تعاقبت عليها الحروب المستمرة التي كان آخرها العام الماضي (2021)، وجدت الدراسة أن أكثر من نصف عينة الطلاب وصفوا معاناتهم المستمرة مع الكوابيس الليلية[4].

 

  • 3. تناول الأدوية: قد يُحفز تناول بعض أنواع الأدوية اختبار الكوابيس بوصفها عرضًا جانبيًّا، مثل مضادات الاكتئاب وأدوية ضغط الدم، لكن حدة هذه الكوابيس تحديدًا تعتمد على عوامل أُخرى، مثل وجود الدعم النفسي والاجتماعي، ووجود نمط نوم صحي ومنّظم، وغيرها. من الجدير بالذكر هنا أيضًا أن العديد من الأشخاص يختبرون كوابيسَ نتيجة تناولهم الميلاتونين (Melatonin)، والذي لا يُصنف على أنه مادة دوائية، بل نوع من المكملات الغذائية التي تُسهم في تحسين جودة النوم، ولا يُسبب اختبار الكوابيس بشكل مباشر، بل يعمل على إطالة مدة النوم العميق التي ذكرناها سابقًا، والتي نختبر فيها أكثر الأحلام وضوحًا؛ ما يُفسر ملاحظة البعض اختبارهم الكوابيس عند تناوله.

 

لماذا من المهم أن تعرف كيفية التخلّص من الأحلام المزعجة والكوابيس؟

يؤثر الاستيقاظ المتكرر خلال الليل نتيجة الأحلام المزعجة على جودة نومك، ومن ثم على مستويات النشاط والإنتاجية خلال النهار، بالإضافة إلى الأرق الناتج عن عدم تمكنك من العودة للنوم بعد أن يوقظك الكابوس في منتصف الليل مثلًا، أو الإفراط في النوم خلال النهار لتعويض ما فقدته ليلًا، كما قد تقاوم -سواء بوعي أو بلا وعي- النوم خلال المساء؛ وذلك لارتباط النوم باختبار مشاعر سلبية. ويرتبط الاختبار المتكرر للكوابيس باضطرابات نفسية عديدة مثل القلق والاكتئاب، بل وتجد الدراسات أنه يزيد من خطر الإقدام على الانتحار[5].

 

إن أحد أهم اضطرابات النوم التي يُعرّفها الدليل التشخيصي والإحصائي الخامس للاضطرابات النفسية (DSM-5) هو اضطراب الكوابيس (Nightmare Disorder)، وهي حالة يعاني فيها الفرد من كوابيس مزمنة ومكثفة تستمر لفترة طويلة، ويتذكرها جيدًا إلى حدّ أنها تُعطل حياته اليومية في كثير من الأحيان[5]. من المهم التنويه هُنا إلى أن اختبارك للكوابيس لا يعني بالضرورة أنك تُعاني من هذا الاضطراب، إذ لا بُد أن تنطبق عليك معايير التشخيص التي يُقيّمها طبيب مُختص، منها أن تقع الكوابيس بشكل متكرر ويمكن تذكر أحداثها جيدًا -وهو ما يكون مرعبًا للفرد بطبيعة الحال- بالإضافة للتدني الملحوظ في الأداء على المستوى الاجتماعي والمهني، ومن المهم أيضًا كي يتم التشخيص بطريقة سليمة ألا تُعزى أسباب هذه الكوابيس إلى تأثيرات فسيولوجية خارجية، مثل الكوابيس الناتجة عن تناول أدوية معينة قد تؤثر على المزاج، أو تلك التي تُسببها اضطرابات المزاج الأخرى.

 

كيف أتخلص من الكوابيس أو الأحلام المزعجة؟

الطريقة الألمانية للحصول على نوم هانىء ومريح.. نصائح من أطباء وخبراء

1. لا تتجنب النوم، ولكن رتب جدول نومك ومارس عادات النوم الصحي (Sleep Hygiene):

يساعدك تحديد جدول نوم منتظم على الحفاظ على استقرار نومك، كما يمكن أن تُساعدك تهيئة البيئة المحيطة بك قبل النوم على تجنب الكوابيس، فمثلًا يُنصح بتقليل تعرضك لضوء شاشات الأجهزة الإلكترونية، وعدم تناول المشروبات المنبهة كالقهوة وغيرها قبل النوم بفترة كافية، وهنا من المهم أن نُشير إلى أن تركيز المنبهات يستمر فترة طويلة في جسمك ويؤثر على جودة النوم حتى في حال استطعت أن تنام بسهولة. حاول أيضًا أن تتخلص من مُسببات التوتر خاصة قبل النوم، كمهام اليوم التالي من مشكلات عمل أو دراسة أو مسؤوليات العائلة، هنا يمكن أن تُفيدك ممارسة التأمل في طرد التوتر وترتيب أفكارك. ربما تبدو لك هذه الخطوات الصغيرة بديهية وغير مؤثرة، لكن ثِق أن تراكمها والمواظبة عليها هو ما يُحدث الفرق.

 

2. حاول أن تفهم أسباب اختبارك هذه الأحلام:

بمجرد استيقاظك من كابوس ما، حاول أن تتذكر أحداثه وتفاصيله، يمكنك على سبيل المثال أن تكتبها على ملاحظات هاتفك الذكي، أو على دفتر تحتفظ به بجوار سريرك. بالإضافة إلى ذلك، فإن من التمارين التي تُستخدَم في التأثير على الكوابيس والأحلام المزعجة هي محاولة وضع نهاية بديلة لما يحصل خلال الحلم. تُستخدم هذه الطريقة في سياق علمي تحت مُسمى العلاج التخيلي الاسترجاعي (Imagery Rehearsal Therapy)، الذي يُعد شكلًا من أشكال العلاج السلوكي، والذي يتضمن أن تتخيل نهاية أخرى للكابوس، وتتدرب عليها، حتى تُحققها في حلمك.

 

3 . اطلب المساعدة المختصة:

تتعدد أساليب العلاج التي أثبتت فعاليتها في اكتشاف وعلاج الكوابيس، فعلى سبيل المثال، يُمكن أن يُساعدك العلاج النفسي التحليلي (Psychoanalysis) في فهم الأسباب التي تجعلك تختبر كوابيسَ مزعجة، ومن ثم التخلص منها، كما يُستخدم أيضًا العلاج بالتعرض (Exposure Therapy) في علاج اضطرابات الصدمة؛ ما قد يؤدي إلى التخلص من الكوابيس المرافقة لها. توجد العديد من العلاجات الأخرى التي يمكن الاستفادة منها، مثل تدخل الحلم الواعي أو الوعي بالحلم (Lucid dreaming) الذي يهدف إلى إعادة رسم مسار الحلم عن طريق جعلك تعي بأنك تحلم خلال الحلم نفسه، لكن هذا التدخل لا يزال تحت الدراسة والبحث لعدم وجود نتائج كافية. كما تستخدم تقنية (Systematic Desensitization) أو ما يعرف بالتخلص المنظم من الحساسية[6]. وبالإضافة للعلاج النفسي، فمن الممكن أن يفيد استخدام العلاج الدوائي في بعض حالات الكوابيس أو اضطراب الكوابيس[5]، لكن التركيز على العلاجات الأخرى ما زال مهيمنًا بشكل أكبر في هذا الشأن. من المهم أن تستشير طبيبًا مختصًّا قبل إقدامك على أيٍّ من خيارات العلاج المذكورة أو غيرها، حيث إن العلاج الأمثل يختلف من حالة لأخرى ويعتمد على طبيعة الكوابيس ومسبباتها.

أدوات مساعدة

  • 1.  اختبار ذاتي: كيف أشخّص الكوابيس؟ [7]

يمكنك الاستعانة بالاختبار التالي في حال كنت تشّك أنك تعاني من اضطراب الكوابيس، اسأل نفسك الأسئلة الآتية:

  • هل تستيقظ من النوم كثيرًا بسبب حلم مزعج؟
  • هل تثير هذه الأحلام لديك مشاعر سلبية مثل الخوف، أو الحزن، أو الغضب؟
  • هل تستطيع التفكير بذهن صافٍ عندما تستيقظ من النوم؟
  • هل تستطيع أن تتذكر أحداث تلك الأحلام المزعجة وتفاصيلها بوضوح؟
  • هل تراودك الكوابيس غالبًا في وقت متأخر من النوم، مثل ساعات الفجر أو الصباح الباكر؟
  • هل تجد صعوبة في العودة إلى النوم بعد أن توقظك تلك الأحلام؟

 

في حال أجبت بـ"نعم" على جميع الأسئلة السابقة أو على أربعة فأكثر منها، فإنه من الأفضل أن تستشير طبيبًا مختصًّا، حيث يمكنه أن يشخّص الأسباب والحالة التي تمر بها.

———————————————————————

المصادر:

[1]  “(16) Why we dream during sleep | Matt Walker and Lex Fridman – YouTube.”

[2]  “Thematic and Content Analysis of Idiopathic Nightmares and Bad Dreams” 2014.

[3]  “Nightmare content during the COVID-19 pandemic: Influence of COVID-related stress and sleep disruption in the United States,” 2022.

[4]  “Prevalence and Characteristics of Posttraumatic Nightmares in War- and Conflict-Affected Students” 2021.

[5]  “Aetiology and treatment of nightmare disorder: State of the art and future perspectives” 2019.

[6]  “Pharmacological and non-pharmacological treatments for nightmare disorder.” 2014.

[7]  “Nightmares – Sleep Education by American Academy of Sleep Medicine.”

المصدر : الجزيرة