كيف يصنع البطل الأولمبي؟ أصحاب الذهب في أولمبياد طوكيو يجيبون

أبطال الذهب من العرب في طوكيو (من اليمين) الحفناوي وبرشم وحسونة (رويترز)

رغم تحقيق العرب في أولمبياد طوكيو 2020 حصيلة تاريخية من الميداليات بدورات الألعاب الأولمبية، فإنهم ما زالوا بعيدين جدا عن المستويات العالمية، مما يطرح سؤالا هاما، كيف يصنع البطل الأولمبي؟ ونحاول الحصول على إجابة هذا السؤال من بعض الأبطال العرب.

حقق الأبطال العرب في أولمبياد طوكيو 18 ميدالية: 5 ذهبيات، و5 فضيات، و8 برونزيات، وهو رقم قياسي مقارنة بأفضل حصيلة ميداليات عربية سابقة التي كانت في أولمبياد أثينا 2004، وكانت 8 ميداليات (4 ذهبيات وفضيتين وبرونزيتين).

وكانت قطر الأكثر تتويجا بالميداليات الذهبية في طوكيو، برصيد ذهبيتين لمعتز برشم وفارس إبراهيم حسونة، في حين كانت مصر الأكثر حصدا للميداليات عامة، بميدالية ذهبية وأخرى فضية و4 برونزيات.

وحتى ندرك مدى الفارق الكبير بين العرب وسائر الدول، فإن حصيلة ميداليات الولايات المتحدة الأميركية التي تصدرت ترتيب أولمبياد طوكيو كانت 113 ميدالية، منها 39 ذهبية.

نحن نستطيع

ورغم الفارق الضخم فإن السباح التونسي أحمد أيوب الحفناوي المتوج بالميدالية الذهبية لسباق 400 متر حرة للرجال في طوكيو 2020، أكد أننا نستطيع الفوز بالذهب بأقل الإمكانيات إذا توافرت الموهبة والعزيمة القوية، فقد حقق ابن الـ18 ربيعا مفاجأة مدوية تحت إشراف مدربين تونسيين، مما جعله يفخر بذلك بقوله إنه "صناعة تونسية 100%".

وقال الحفناوي "قمت بتضحيات كبيرة، خاصة في وقت الجائحة، وذلك تحت قيادة المدربين سامي عاشور وجبران الطويلي. وفي البداية، لم نستطع الحصول على تأشيرات لخوض معسكرات تدريب خارج تونس، ولكننا في النهاية نجحنا في حل المشكلة واجتهدنا كثيرا، وتوجنا مجهودنا بذهبية الأولمبياد".

عقدة الخواجة

ويؤكد ذلك إبراهيم حسونة، والد ومدرب فارس إبراهيم الذي حقق لقطر أول ميدالية ذهبية في تاريخ الأولمبياد في وزن 96 كغم بمسابقة رفع الأثقال للرجال في طوكيو، حيث يشير إلى امتلاك الدول العربية الخامات الجيدة والمواهب في سائر الرياضات، لكنها تصطدم بأزمة إدارية عامة لا تجيد استثمار هذه المواهب (مثل الحفناوي) باختيار مدربين غير أكفاء أو عدم توفير المعسكرات والأجواء اللازمة لصناعة البطل الأولمبي.

ويقول حسونة -وهو بطل أفريقي وعربي سابق في رفع الأثقال- للجزيرة نت إن "عقدة الخواجة" تمثل أزمة في بعض الدول العربية، التي تفضل استقدام مدربين أجانب وإهمال المدرب الوطني الذي أكد أنه يستطيع الإنجاز إذا تم إعداده بشكل جيد، مشيرا إلى أنه فعل ذلك مع نجله الآخر حسونة، الذي كان بطلا في رفع الأثقال أيضا. لكنه لم يكتف بذلك، بل أعده ليكون مدربا ناجحا عن طريق الحصول على الدورات التدريبية النظرية والعملية، حتى أصبح له دور -بوصفه مدربا مساعدا- في إنجاز شقيقه فارس في طوكيو.

البطل الأولمبي القطري فارس إبراهيم (يسار) مع مدربه ووالده إبراهيم حسونة (الجزيرة)

وعن صناعة البطل الأولمبي في رفع الأثقال، يقول حسونة إنها مثل أي رياضة، لكنها تتطلب قوة جسدية أكبر، وأنه يستعين بالاختبارات الحديثة لتحديد البطل المستقبلي عن طريق قوة العضلات وحجم العظام، حيث إنها تتطلب قوة مميزة بالسرعة، وهو ما يعرف في علم فسيولوجيا الرياضة بالألياف البيضاء، مشيرا إلى أهمية بعض العوامل الأخرى، مثل الإعداد النفسي والخبرة وحتى نظام التغذية والفيتامينات والبروتين.

ويضيف حسونة أنه بدأ إعداد نجله فارس ليكون بطلا أولمبيا منذ نعومة أظافره كما يفعل مع أحفاده الآن، حيث كان يعلمه "تكنيك" رفع الأثقال حتى سن 12 عاما، وبعدها بدأ يضيف الأثقال إلى التكنيك بشكل علمي مدروس، حتى بدأ يحصد ثمار هذا الإعداد الطويل بتحقيقه الميدالية الفضية في بطولة العالم للكبار عام 2019 وعمره 19 عاما فقط، وكان أصغر رباع يحقق هذا الإنجاز في تاريخ اللعبة.

ويشير حسونة إلى أن هناك عدة عوامل أخرى تساعد بشكل كبير على تحقيق البطولة، ومنها وجود أهداف محددة والتخطيط لها بشكل علمي مدروس، وهو ما تفعله اللجنة الأولمبية القطرية بحذافيره، ففور انتهاء أولمبياد طوكيو طالبتهم اللجنة بخطة أولمبياد باريس 2024، وبالطبع خطتنا هي الحفاظ على ذهبية طوكيو.

وقال حسونة إنه درب في العديد من الدول العربية، لكن أنجح تجاربه كانت في قطر لأن أفكاره تطابقت مع أفكار القائمين على اللعبة، وسياستهم تقوم على توفير كل الإمكانيات اللازمة لصناعة البطل، مع تحديد الأهداف المطلوبة، ولا يتدخلون مطلقا في عمل المدرب، لكنهم يقيمون أداءه بالنظر إلى النتائج وتحقيق الأهداف المطلوبة.

برشم.. الفتى الذهبي

ويقول بطل العالم في الوثب العالي معتز برشم المتوج بثاني ذهبية قطرية في أولمبياد طوكيو -للجزيرة نت- إن لعبة الوثب العالي لا تعتمد على الأدوات، بل على جسم اللاعب فقط، مؤكدا أن مشوار البطولة كان طويلا وصعبا.

ويقول برشم الذي توج بـ3 ميداليات أولمبية متتالية "لم يكن بإمكاني سوى أن أحلم بتحقيق هذا الإنجاز، لم تكن لديّ الكرة السحرية عندما اخترت ممارسة رياضة الوثب، لكني هنا الآن، أحاول استغلال كل يوم بأفضل طريقة ممكنة، لهذا السبب يمكن للجميع ملاحظة النتائج والإنجازات التي تحققت".

ويضيف "الحلم بدأ على مضمار نادي الريان الذي يقع جنوبي غرب الدوحة، ثم تطور مع أكاديمية التفوق الرياضي "أسباير" التي لعبت دورا أساسيا في تنمية موهبتي، ثم الدعم الكامل من قطر قيادة وشعبا، الذي جعلني بطلا رياضيا".

ويتابع برشم "هذا النجاح جاء بعد عمل شاق وجهد كبير من جميع أعضاء فريق عملي، وفي مقدمتهم مدربي السويدي ستانيسلاف تشيتشيربا، والفريق الطبي الموجود معي لمدة 24 ساعة في جميع المعسكرات، والفريق الفني والإداري، فضلا عن دعم اتحاد ألعاب القوى وكذلك دولة قطر ممثلة في القيادة والشعب، وأيضا أسرتي التي دعمتني وساندتني للاستمرار حتى في الأوقات الصعبة".

فارس أول ذهبية أولمبية لقطر

وسطر الرباع فارس إبراهيم حسونة (23 عاما) اسمه في التاريخ الأولمبي بتتويجه بأول ميدالية ذهبية في تاريخ الأولمبياد، بعد فوزه في طوكيو بذهبية رفع الأثقال عن فئة 96 كيلوغراما مسجلا رقما قياسيا أولمبيا.

ويقول حسونة للجزيرة نت إن "هذا الإنجاز جاء بناء على الخطة التي وضعها لي والدي ومدربي على مدار 5 سنوات للوصول إلى الذهب الأولمبي، وهي يطول شرحها لكنها باختصار شديد تقوم على تحديد مواعيد يومية للتدريب بمتوسط 5 ساعات يوميا على مدار الأسبوع، ومواعيد محددة للطعام بواقع 4 وجبات يومية تحدد مكوناتها بدقة، وتبدأ بالإفطار في الثامنة صباحا، ثم الغداء في الواحدة والنصف، إضافة إلى وجبتين في الساعة الرابعة والنصف عصرا والثامنة والنصف مساء، إضافة إلى النوم المبكر والجيد حتى يستعيد الجسم نشاطه".

ويؤكد حسونة أنه كان شديد الالتزام بالخطة التي يعتبرها خط إنتاج صناعة البطل الأولمبي، حتى أنه على مدار 5 سنوات لم يتأخر في النوم عن الساعة العاشرة ونصف مساء مهما حدث، لأن النوم المتأخر يؤثر سلبيا على الصحة العامة لبطل يعتمد على قوته الجسدية.

ويختصر حسونة صناعة البطل الأولمبي في عدة نقاط كالتالي:

  • أولا- الدعم المادي الكبير عن طريق المعسكرات التدريبية المناسبة للحدث التي تتوفر فيها بيئة البطولة.
  • ثانيا- الدعم المعنوي الدائم وأعتبره مقدما على الدعم المادي، فلقد ساعدني كثيرا على تحقيق الذهب الأولمبي.
  • ثالثا- العقلية والتركيز، فبدونهما لا يحقق الرباع النجاح المطلوب، وهو سر فشل بعض الرباعين الأكفاء في الرفعات خلال أولمبياد طوكيو، وأعتبره سر نجاحي بعد توفيق الله في التتويج بالميدالية الذهبية.
  • رابعا- من الأشياء الهامة في مسيرتي نحو الذهب الأولمبي النقد الذاتي الذي يتبعه فريقي التدريبي بقيادة والدي، عن طريق مقارنة الأداء والنتائج بالأهداف الموضوعة.
المصدر : الجزيرة