معتز برشم يسعى لتحطيم الأرقام القياسية والفوز بذهبية أولمبياد باريس

Athletics - Olympics: Day 9 TOKYO, JAPAN - AUGUST 01: Gold medalist Mutaz Essa Barshim of Team Qatar celebrates on the track following the Men's High Jump Final on day nine of the Tokyo 2020 Olympic Games at Olympic Stadium on August 01, 2021 in Tokyo, Japan. (Photo by Cameron Spencer/Getty Images)
برشم يرفع عَلم قطر بعد فوزه بذهبية أولمبياد طوكيو (غيتي)

الدوحة- تخطى بطل ألعاب القوى القطري معتز برشم الصعوبات وتغلب على الإصابات ليحقق حلمه ويتوج بالميدالية الذهبية في مسابقة الوثب العالي بدورة الألعاب الأولمبية الصيفية طوكيو 2020.

خرج برشم "الفتي الطائر" من جلباب المعاناة وتغلب بالعزيمة والإصرار على الإصابات المتتالية التي لاحقته بين الحين والآخر، وتوج إنجازاته العالمية بالتتويج في أكبر حدث رياضي عالمي، بل وسجل باسمه حدثا فريدا من نوعه يجسد كل معاني الروح الرياضية، وذلك عندما اختار مشاركة الميدالية الذهبية الأولمبية مع منافسه الإيطالي جيانماركو تامبيري، رغم وجود فرصة أمامه للانفراد بالذهبية بعدما أخفق منافسه في آخر محاولاته.

وفي حوار خاص للجزيرة نت، قال برشم (30 عاما) بعدما أحرزت الميدالية الذهبية، عجزت عن التعبير، لم أصدق نفسي، أخذت لحظات حتى أستوعب الإنجاز، كنت بين الحلم والحقيقة، لم أتمالك نفسي وأجهشت بالبكاء لحظات قبل أن أعود وأحتفل بالإنجاز.

ولم يكتفِ البطل القطري بتحقيق جميع الألقاب والميداليات الممكنة في الوثب العالي بعد فوزه بالميدالية الذهبية الأولمبية في طوكيو إثر تخطيه ارتفاع 2.37 متر، ما يزال يريد أن يحقق الأفضل، أن يتطور، فبعدما حقق الكثير وكان خير سفير لبلده ورياضته، يسعى لتحقيق أرقام شخصية وإنجازات تبقى خالدة باسم بلده قطر.

مندوب الجزيرة نت التقى برشم في العاصمة القطرية الدوحة ودار معه الحوار التالي:

كيف حققتَ حلم الحصول على الذهبية الأولمبية؟

المشوار كان طويلا وصعبا، لم يكن بإمكاني سوى أن أحلم بتحقيق هذا الإنجاز، لم تكن لديّ الكرة السحرية عندما اخترت ممارسة رياضة الوثب، لكني هنا الآن، أحاول استغلال كل يوم بأفضل طريقة ممكنة، لهذا السبب يمكن للجميع ملاحظة النتائج والإنجازات التي تحققت.

الحلم بدأ على مضمار نادي الريان الذي يقع جنوب غرب الدوحة، ثم تطور مع أكاديمية التفوق الرياضي أسباير التي لعبت دورا أساسيا في تنمية موهبتي، ومن ثَم الدعم الكامل من قطر قيادة وشعبا، الذي جعلني بطلا رياضيا.

مَن الداعم الرئيسي لتحقيقك النجاح في الأولمبياد؟

هذا النجاح جاء بعد عمل شاق وجهد كبير من جميع أعضاء فريق عملي، وفي مقدمتهم مدربي السويدي ستانيسلاف تشيتشيربا والفريق الطبي الموجود معي لمدة 24 ساعة في جميع المعسكرات والفريق الفني والإداري، فضلا عن دعم اتحاد ألعاب القوى وكذلك دولة قطر ممثلة في القيادة والشعب، وأيضا أسرتي التي دعمتني وساندتي للاستمرار حتى في الأوقات الصعبة.

هل كان فوزك بالذهبية الأولمبية سهلا نظرا لغياب صاحب ذهبية ريو 2016؟

مسابقة الوثب العالي في طوكيو كانت أقوى منافسة مرت في تاريخ الأولمبياد، خاصة أن هناك بطلين تخطيا طول 2.37 متر، و3 أبطال تخطوا 2.35 متر، وهو ما لم يتحقق من قبل، وذلك برغم من أن قوة الأسماء المشاركة في المسابقة لم تكن مثل السابق، في ظل غياب بعض الأبطال وإخفاق البعض الآخر عن التأهل للأدوار النهائية، وأبرزهم الكندي ديريك دروين صاحب ذهبية ريو والأوكراني بوهدان بوندارينكو صاحب البرونزية.

ولعبة الوثب العالي لا تستخدم فيها أي أدوات، جسمك فقط، ولذلك من الصعب أن يحافظ البطل على مستواه، وتعلمت أن المنافسة في الدور النهائي ليست بها فوارق بين المتنافسين، وأن جميع المتأهلين قادرون على تحقيق ميدالية.

كيف كان شعورك بعد الإخفاق في تخطي حاجز 2.39 متر؟

تخطيت محاولاتي جميعها من أول محاولة، ولكني دخلت المسابقة ولدي أفضلية عن بقية المنافسين، لذلك كان هناك تراخ وثقة بعض الشيء، وضيعت تركيزي في هذا الارتفاع، ولكن لو كان هناك منافس تخطى هذا الارتفاع كنت سأتخطى 2.4 متر.

هل الإصابات المتتالية مثلت صعوبة في طريقك للفوز بذهبية أولمبياد طوكيو؟

بالطبع كان رجوعي من الإصابة أكثر عقبة في طريق تحقيق الذهبية الأولمبية، لقد ظللت أحاول لمدة عام ونصف العام حتى أرجع لمستواي، وتمكنت بالتدريب والصبر من استعادة بعض من مستواي، ومن ثم حققت الذهب بما لدي من خبرات متراكمة رجحت كفتي على بقية المنافسين.

هل تأثرت بعدم وجود جماهير في أولمبياد طوكيو 2020؟

الجمهور له دور كبير بالنسبة لي، ودائما أحصل على الكثير من الدوافع مع مساندته وتشجيعه، وهو ما حصل في كأس العالم بالدوحة عام 2019، حيث خضت المنافسات بعد العودة من الإصابة مباشرة، ولم أكن جاهزا بصورة كاملة، ولكني حققت الذهبية بفضل الدعم الجماهيري الكبير، الذي كان يملأ الملعب وهو ما جعلني أقفز بنجاح، أما في طوكيو فقد كان الوضع مختلفا، وكانت المنافسة فقط دون جماهير.

ما سبب اختيارك تقاسم الذهبية مع الإيطالي جيانماركو تامبيري؟

المنافسة بين الرياضيين قوية حتى على أقل الأشياء، وكانت مشاركتي مع صديقي تامبيري الميدالية الذهبية بمثابة مثال حي للمعني الحقيقي للروح الرياضية بين المتنافسين في الرياضة.

ولقد تعرض العدّاء الايطالي لنفس إصابتي في عام 2016 قبل أولمبياد ريو، لذلك هو يعرف كثيرا ما مررت به حتى أعود لمستواي قبل الأولمبياد لأنه مر بالتجربة نفسها، وهذا الأمر أحد الأسباب التي جعلتنا نتفق على تقاسم الذهب، خاصة أن المسابقة استمرت لمدة 3 ساعات وكان ذلك بمثابة ضغط كبير على الجسم قد يعرضنا لإصابة بالغة.

ما الاختلاف بين إنجازاتك العالمية السابقة والذهبية الأولمبية؟

دائما الرياضي يسعى لتحقيق كل الألقاب الممكنة، وكانت الذهبية الأولمبية هي اللقب الوحيد الذي لم أحققه، لذلك الفرحة كانت أكبر والإنجاز كان أقيم، لكني سعيد بكل إنجاز وبطولة ورقم شخصي حققته طوال مسيرتي حتى الآن.

ما الفارق بين ميدالياتك الأولمبية الثلاث؟

برونزية أولمبياد لندن 2012 لم يكن أحد يتوقعها، فكانت أول مشاركة لي، ولم أملك وقتها الكثير من الخبرات ولم يتوقع أحد فوزي، لذلك كانت البرونزية بطعم الذهب بالنسبة لي، أما في أولمبياد ريو 2016 فكان الوضع مختلفا، فقد شاركت والجميع يعرفني ويتوقع تحقيقي لميدالية وحققت فضية، أما في أولمبياد طوكيو 2020 فالأمور اختلفت كثيرا، وكانت الخبرة الدافع الأول للفوز بالميدالية الذهبية خاصة بعدما تفاديت الأخطاء التي ارتكبتها في السابق.

ما طموحاتك المقبلة بعد إنجاز الذهب الأولمبي؟

وضعي بعد ذهبية الأولمبياد اختلف كثيرا، سيكون جدول مشاركاتي المقبلة بحساب، فلن أشارك في أي بطولة، ففي الدوري الماسي ستقتصر مشاركتي على 5 جولات من أصل 10، حيث سأركز مع مدربي على الكيف وليس الكم، أريد أن أسطر التاريخ، وأحقق أرقاما قياسية، لقد فزت بلقب الدوري الماسي 3 مرات وسأسعى إلى الرابعة، كما سأركز على المشاركة في البطولات التي أحقق فيها أرقاما تسجل باسمي، وأختار البطولات التي أشارك فيها لأسباب أعلى من تحقيق الفوز فقط.

أمتلك ثاني أعلى قفزة في تاريخ لعبة الوثب العالي، 2.43 متر، بعد قفزة الكوبي خافيير سوتوماير التي بلغ ارتفاعها 2.45 متر عام 1993، وكذلك إنجاز الفوز مرتين متتاليتين بلقب بطولة العالم، وأحلم بتحقيق المزيد من الإنجازات والأرقام الشخصية الجديدة التي تخلد في التاريخ باسم بلدي.

هل أنت قادر على الاحتفاظ بذهبيتك الأولمبية في باريس 2024؟

الحفاظ على الميدالية الذهبية في باريس صعب، ولكنه ليس مستحيلا، أولمبياد باريس أمامها 3 سنوات، وخلال هذه الفترة سأخوض بطولة العالم العام المقبل في أميركا، وبطولة العالم داخل الصالات 2023 في الصين، وكذلك "الآسياد 2023" في الصين، وسأحاول أن أحافظ على جسدي، وأن أبذل جميع جهودي من أجل تفادي الإصابات، وفي حال الحفاظ على مستواي قبل الوصول إلى باريس، ستكون الفرصة كبيرة للحفاظ على الذهب.

فكرة الاعتزال طاردتك كثيرا، فمتى ستعتزل؟

كل رياضي يمر بفترات صعبة في مسيرته الرياضية، سواء التفكير في الاعتزال أو تغيير هذه الرياضة بعد الإخفاق، وكثرة الإصابات بالنسبة لي جعلتني كثيرا أفكر في الاعتزال، ولكن حبي لرياضة الوثب العالي جعلني أقاوم، ومهما لاقيت من أوقات صعبة فقد كانت تمر.

زوجتي وأهلي كان لهم الفضل الأكبر في إبعاد الأفكار السلبية عني، وتجاوز إصابتي الأخيرة والعودة بقوة للمشاركة في الأولمبياد.

وقرار الاعتزال صعب على أي رياضي، وبات صعبا أن أتخذه في الوقت الحالي، فبعد تحقيق كل الألقاب العالمية الممكنة، ما زلت أحلم بتحطيم العديد من الأرقام القياسية في مختلف الاستحقاقات.

ماذا تخطط لما بعد الاعتزال؟

الرياضة أعطتني الكثير، وأحب بعد الاعتزال أن أمنح الرياضة جزءا من هذا العطاء، حتى ولو كان بسيطا، في الوطن العربي هناك الكثير من الكفاءات، ولكن مشكلة رياضة الوثب العالي أن الشهرة لا تأتي بسهولة، وهناك خامات تحتاج إلى مساندة، وأعتقد أني أملك الحد الكافي من الخبرة لمساعدة هذه الخامات ووضعها على بداية الطريق نحو النجومية والعالمية.

فكرة التدريب ستكون متاحة أمامي وكذلك إنشاء أكاديمية، ورياضة الوثب العالي ستكون مجالي، والخبرات التي اكتسبتها طوال مسيرتي سأحاول ألا تهدر هباء، وأن أساعد بها من يحتاجها.

ماذا تمثل لك ممارسة الرياضة؟

الرياضة هي كل حياتي، لقد ضحيت بكل شيء من أجل أن أحقق هذه الإنجازات، وأصل لما أنا عليه الآن، فحياتي في معسكرات دائمة، ويومي ما بين الصلاة والتدريب والعلاج والاستشفاء والراحة، وكل شيء بحساب دقيق في الأكل والنوم وأداء التدريبات.

ما الميزات الذي حصلتَ عليها من الرياضة؟

بعيدا عن أي مميزات أو مكاسب مادية، أفخر بكوني بطلا رياضيا عالميا وأولمبيا رفعت علم بلادي -قطر- في جميع المحافل الدولية، بالإضافة إلى كوني أحد أبرز الأبطال العالميين في رياضة الوثب العالي، فضلا عن المحافظة على جسدي ورشاقتي وصحتي.

وماذا سلبت الرياضة من معتز برشم؟

حياة الرياضي فيها تضحيات كبيرة جدا، وقد تكون حياة الرياضي صعبة ومملة، فأنا مثلا قضيت حياتي حتى دون أن أستطيع مشاركة أقربائي وأصدقائي في أفراحهم أو أحزانهم أو في كافة المناسبات المختلفة، فطوال العام في سفر، وموجود داخل غرفة من 4 جدران، وهو أمر في غاية الصعوبة، كما أنه في بعض الأوقات لم أكن أرى أهلي لمدة تصل إلى 6 أشهر بسبب المعسكرات والسفر المتتالي والمشاركات المستمرة.

المصدر : الجزيرة