سامي الطرابلسي للجزيرة نت: خسارة تونس أمام البرازيل ليست مقياسا وتغيير المدرب قرار انتحاري

الطرابلسي: أدعو إلى عدم التحامل على المنتخب التونسي والتفكير بعقلانية في جميع المسائل (رويترز)

الدوحة- يظل سامي الطرابلسي المدرب السابق للمنتخب التونسي لكرة القدم والمدير الفني الحالي لفريق السيلية القطري، أحد الرموز المهمة في الكرة التونسية على امتداد العقود الثلاثة الأخيرة، سواء لاعبا مع النادي الصفاقسي أو مع المنتخب التونسي أو مدربا لنسور قرطاج بعد إحرازه لقب أفريقيا للاعبين المحليين وقيادته المنتخب في كأس أفريقيا للأمم.

وشدد الطرابلسي -في حوار مع الجزيرة نت- على ضرورة منع تسرب الشك إلى صفوف المنتخب التونسي في المرحلة الحالية من التحضيرات لكأس العالم 2022 في قطر، رغم الخسارة القاسية التي تلقاها "نسور قرطاج" أمام البرازيل قبل أيام، وحذر من أي تغيير محتمل في تركيبة الجهاز الفني في المرحلة الحالية من التحضيرات.

  • تواكب كغيرك من المقيمين في قطر التحضيرات الجارية لمنافسات كأس العالم 2022، كيف ترى نسق الاستعدادات قبل حوالي شهر ونصف من ضربة البداية؟

التحضيرات لهذا الموعد الرياضي العالمي الكبير بدأت منذ نيل شرف استضافته في ديسمبر/كانون الأول 2010، وكل الاستعدادات جرت وفق رؤية حكيمة وخطط مدروسة نجحت في الإيفاء بالوعود التي قدمتها دولة قطر للعالم بتجهيز كل ما يلزم في الأوقات المحددة وبالجودة المطلوبة.

التحضيرات لم تشمل فقط الملاعب التي ستحتضن مباريات أو تدريبات المنتخبات المشاركة في كأس العالم، ولكنها شملت جوانب أخرى متنوعة في الدولة التي صارت ترتدي حلة جديدة وأنيقة بعد الانتهاء من تطوير البنى التحتية المختلفة، وهو ما يجعل العالم يتشوق لمعايشة الحدث بكل شغف.

  • ما الدلالات التي تحملها النسخة الجديدة من كأس العالم التي تنظم للمرة الأولى في دولة عربية؟

ستكون رسالة قوية من دولة قطر ومنطقة الشرق الأوسط والعالم العربي عموما، أن تنظيم كأس العالم لكرة القدم ليس حكرا على قارات دون غيرها، وأن بلدا عربيا مثل قطر لديه القدرة على نيل شرف تنظيم المسابقة.

النجاح الذي ستحققه قطر في تنظيم أفضل نسخة في تاريخ المسابقة، سيفتح الأبواب أمام بلدان عربية أخرى لتنظيم نسخ جديدة مستقبلا.

  • هل سيكون عامل الأرض والجمهور مساعدا للمنتخبات العربية الأربعة المشاركة، أم أن منطق موازين القوى بين المنتخبات سيظل نفسه مهما كان مكان إقامة المسابقة؟

عاملا الأرض والجمهور خلال مونديال قطر قادران على مساعدة المنتخبات العربية المشاركة في المسابقة على تقديم الأفضل، لكنهما لن يكونا حاسمين في المسألة، لأن هناك عوامل أخرى مهمة أيضا في تحديد موازين القوى بين المنتخبات المشاركة. يجب ألا تقيَّم المسألة من منطلق عاطفي، لأن مستوى المنتخبات العربية لا يزال بعيدا عن مستويات المنتخبات الأوروبية أو منتخبات أميركا الجنوبية.

  • ما سقف الأحلام لكل من المنتخبات العربية المشاركة؟

التكهن صعب، وأتمنى أن ينجح أحدها على الأقل في بلوغ ربع النهائي والاستفادة القصوى من عاملي الأرض والجمهور ومن الزخم الكبير الذي يرافق المسابقة في المنطقة العربية، وأرشح المنتخب المغربي لتحقيق هذه المهمة، نظرا لقيمة اللاعبين الذين يضمهم ونشاطهم في دوريات عالمية كبيرة بأوروبا.

  • الخسارة الثقيلة للمنتخب التونسي 5-1 في المباراة الودية التي جمعته مؤخرا بمنتخب البرازيل أحدثت ضجة كبيرة في الوسط الرياضي التونسي والعربي عموما، كيف تقرأ أبعاد هذه الخسارة؟

التباري مع المنتخب البرازيلي يظل حلما لكل منتخب في العالم، نظرا لمكانة كرة القدم البرازيلية ولقيمة لاعبيها، لذلك كان لا بد للمنتخب التونسي أن يعتز بذلك بغض النظر عن النتيجة، وأن يقبل عرض المباراة خصوصا أن المنتخب البرازيلي هو من طلب خوض اللقاء.

لا أحد من الجماهير التونسية أو العربية كان ينتظر من المنتخب التونسي أن يفوز على نظيره البرازيلي، نظرا لتفاوت موازين القوى، لكنه كان في مقابل ذلك ينتظر أداءً أفضل ونتيجة أقل قسوة.

شخصيا لم أكن راضيا على طريقة تعاطي اللاعبين مع المباراة، لأنهم ظهروا مرتبكين أكثر من اللازم وفاقدين للثقة والتركيز. قبلنا هدفا في وقت مبكر، ثم هدفا ثانيا وثالثا في وقت قصير جدا. لا أدري كيف تم إعداد اللاعبين من الناحية الذهنية والنفسية للمباراة، لكن كان يجب توجيههم نحو الاستمتاع باللقاء أكثر من البحث عن الفوز.

  • هل ترى أن النتيجة محبطة في نسق سير التحضيرات لنهائيات كأس العالم، وتدعو إلى إجراء وقفة تأمل جديدة في المستوى الحقيقي للمنتخب في الفترة المقبلة؟

لا أرى النتيجة محبطة بل متوقعة، ولا يجوز الإفراط في التشاؤم وجلد الذات بسببها. سبق للمنتخب البرازيلي أن خسر بسباعية أمام المنتخب الألماني في نهائيات كأس عالم، ولم ينهر بل عاد أكثر قوة.

ما أعيبه على المنتخب التونسي هو الضغط الذي سلطه على نفسه بصفة مجانية، وكان بإمكانه تقديم الأفضل لو أحسن اللاعبون التعاطي مع مجريات اللقاء. الأداء الجماعي للفريق كان ضعيفا عموما، باستثناء بعض الاجتهادات الفردية لعدد من اللاعبين.

  • المدرب جلال القادري يقول إن أداء المنتخب التونسي كان جيدا في الشوط الثاني مقارنة بالشوط الأول.

المنتخب البرازيلي حسم اللقاء لصالحه منذ الشوط الأول، وحول اللقاء إلى ما يشبه الحصة التدريبية في الشوط الثاني على غرار ما قام به في مباراته السابقة أمام منتخب غانا، وهو خيار فني من هذا المنتخب، لكن أن نعتقد أن أداء المنتخب التونسي كان جيدا في الشوط الثاني ففي الأمر مبالغة. المدرب واللاعبون التونسيون نجحوا في تفادي الأسوأ خلال الشوط الثاني لا غير، لأنه لو لعب المنتخب البرازيلي بنفس قوة الشوط الأول لكانت النتيجة كارثية.

  • هل الانتقادات الموجهة للمدرب جلال القادري على مستوى خطط اللعب واختيارات التشكيلة في محلها؟

المسألة أكثر عمقا، على النقاد أم يعودوا وراءً إلى أكثر من عامين، حين فضل الاتحاد التونسي التعويل في المقام الأول على لاعبين ينشطون خارج تونس على حساب لاعبي الدوري المحلي الذي يظل -في رأيي- قادرا على تشكيل العمود الأساسي للمنتخب.

في السابق، كانت التشكيلة الأساسية للمنتخب التونسي تضم ما بين 8 و9 لاعبين من الدوري المحلي ممن لديهم خبرات قارية من خلال مشاركة أنديتهم في المسابقات الأفريقية، ولا تتم دعوة سوى 3 أو 4 من أفضل المحترفين التونسيين في الخارج، أما الآن فاختلف الأمر بل انقلب.

كما أن اعتبار اللاعبين المغاربيين محليين في الدوري التونسي في المواسم القليلة الماضية، أضرّ بالدوري التونسي وجعله عقيما في تقديم لاعبين دوليين، بعد أن كانت الأندية التونسية تشكل المزود الأساسي للمنتخب باللاعبين.

Tunisia head coach Trabelsi talks to his players during a training session in Bongoville
سامي طرابلسي (يمين) سبق أن قاد المنتخب التونسي (رويترز)
  • هل أداء المنتخب التونسي مؤخرا مقياس حقيقي لجاهزيته لكأس العالم؟

لا تمثل مقياسا حقيقيا لجاهزية نسور قرطاج، والجاهزية الذهنية للاعبين لم تكن على ما يرام، والمباراة الأخيرة للبرازيل هي للنسيان في رأيي بهدف تفادي الدخول في مرحلة شك غير مرحب بها في المرحلة الحالية من التحضيرات.

على الجهاز الفني أن يستوعب الدرس ويصلح النقائص التي ظهرت على الأداء العام للمنتخب قبل موعد المنافسات الرسمية لكأس العالم. نسور قرطاج ستخوض اختبارات قوية أمام منتخبات فرنسا والدانمارك وأستراليا، وعليهم تفادي ما حصل في لقاء البرازيل.

هناك العديد من اللاعبين ذوي الخبرة ممن سبق لهم أن شاركوا في كأس العالم 2018 بروسيا، ويجب الاستفادة من خبراتهم في قيادة الفريق نحو الأفضل.

  • الجدل امتد إلى مركز حراسة المرمى أيضا، بين الاعتماد على الحارس أيمن دحمان الذي قبل مرماه 5 أهداف أمام البرازيل، وبين العودة لبشير بن سعيد؟

ملف يصعب الحسم فيه، نظرا لأهمية مركز حراسة المرمى في المنتخب، ولكن في نهاية المطاف يجب التعويل على الحارس الأكثر جاهزية والقادر على حماية الشباك من الأهداف.

  • كيف يجب أن يتعامل الجميع -من إدارة ولاعبين وجهاز فني- بعد الخسارة أمام البرازيل؟

يجب التعامل العقلاني مع الخسارة، وتذكير الجميع أن الحضور في كأس العالم تشريف لكرة القدم التونسية والعربية في حد ذاته، لأنه ليس من السهل تحقيقه. هناك منتخبات أخرى -من بينها المنتخب الجزائري الشقيق- تضم لاعبين ينشطون في دوريات أوروبية عالية المستوى، ومدربوها يملكون خيارات تفاضلية كبيرة عند تحديد التشكيلة، ولكنها مع ذلك لم تصل كأس العالم، بينما ينشط اللاعبون التونسيون في دوريات أقل مستوى، والمنتخب التونسي خال من النجوم الكبار، ومع ذلك حقق الإنجاز ونجح في بلوغ كأس العالم للمرة الثانية على التوالي.

علينا الآن الوقوف جميعا وراء المنتخب والابتعاد عن التشكيك، وأنا شخصيا أحذر من أي تعديل في الجهاز الفني في المرحلة الحالية، لأن ذلك سيكون بمثابة عملية انتحارية.

  • ما المطلوب من مدرب المنتخب في المرحلة المقبلة من التحضيرات؟

الجهاز الفني للمنتخب لن يكون في وضعية مريحة في الفترة المقبلة، بسبب انطلاق الدوري التونسي في وقت متأخر وعدم مشاركة بعض اللاعبين في التشكيلات الأساسية لفرقهم في الخارج، وطول فترة الراحة التي سوف يركن إليها اللاعبان فرجاني ساسي ويوسف المساكني بعد توقف دوري نجوم قطر، للسماح لتحضيرات المنتخب القطري.

أدعو إلى عدم التحامل على المنتخب والتفكير بعقلانية في جميع المسائل، لأن المشاركة في كأس العالم تظل حلم كل لاعب، وسبق لي أن نلت هذا الشرف، وأنا واثق أن الجميع سيحرص على تقديم أفضل مستوياته، لذلك يجب ألا نبالغ في مطالبة المنتخب بما هو ليس قادرا على تحقيقه، واعتماد المنطق لا العاطفة في التقييم.

المصدر : الجزيرة