10 أعوام على مذبحة بورسعيد.. كيف غيرت الكرة المصرية؟

أحداث مباراة مذبحة بورسعيد_مواقع التواصل (1)
مذبحة بورسعيد كانت لحظة فارقة في تاريخ الكرة المصرية (مواقع التواصل)

القاهرة– "يوم نصره ليا عيد.. عمري ما هكون بعيد.. ويوم أبطل أشجع أشجع.. هكون ميت أكيد"، كانت المئات من مشجعي رابطة ألتراس أهلاوي تهتف بهذه الكلمات في ملعب بورسعيد، تشجيعا لفريقهم الأهلي الذي خسر مباراته أمام فريق المصري، لكن أحدا منهم لم يتوقع أن المباراة ستنتهي بأكبر الكوارث التي تشهدها الكرة المصرية في تاريخها، وبأن العشرات منهم لن يرجعوا منها أبدا.

لم تمض سوى أيام قليلة على الذكرى الأولى لثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، بكل ما شهدته الشوارع من مظاهرات متمسكة بتحقيق مطالب الثورة، حتى شهدت مصر مذبحة دامية لم يتوقع أحد أن يكون مسرحها ملعب رياضي خلال مباراة كرة القدم في الدوري المحلي بين فريقي الأهلي والمصري في مدينة بورسعيد، حيث راح ضحيتها 72 من مشجعي النادي الأهلي في الأول من فبراير/شباط 2012.

ما إن انتهت المباراة بفوز فريق المصري، حتى اندفعت جماهير من جهة مدرجات المصري إلى مدرجات مشجعي الأهلي، فتدافعت جماهير الأهلي إلى ممر ضيق، وفوجئوا بأن البوابة التي أملوا من الفرار منها قد أغلقت، ثم انطفأت أضواء الملعب، وتسلل من يحملون أسلحة بيضاء إلى مدرج الأهلي، لتجري الجريمة في دقائق معدودة، وتصعد عشرات الأرواح -أغلبهم من المراهقين- إلى خالقها.

اشتهرت رابطة ألتراس أهلاوي بأغانيها الثورية الحماسية، التي علت في ميدان التحرير خلال الثورة وما تلاها، وبعد المذبحة استعاد المصريون أغانيها وصور الضحايا، مع اهتمام إعلامي كبير بالليلة الدامية.

وكما استعرض فيلم الجزيرة "صفارة الحكم"، لقد حُفرت مذبحة بورسعيد في تلافيف عقل ووعي ولاوعي كل شباب الألتراس، كما أشار أستاذ الطب النفسي أحمد عبد الله، واستعرض الفيلم كذلك الاتهامات لأطراف متعددة بتدبير المذبحة، انتقاما من شباب ثورة يناير/كانون الثاني.

ردود فعل غاضبة

توعد رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة آنذاك، المشير حسين طنطاوي، بملاحقة المتسببين في المذبحة، واشتعلت المناقشات الحامية في مجلس الشعب المصري، في أول تحد للبرلمان المنتخب بعد الثورة، في وقت كانت فيه شوارع ميدان التحرير والشوارع المؤدية إلى مبنى وزارة الداخلية على بعد خطوات من مبنى البرلمان تشتعل بالمظاهرات الدامية مرة أخرى، غضبا من تقاعس قوات الأمن عن حماية مشجعي كرة القدم.

أدان تقرير لجنة تقصي الحقائق التي شكلها مجلس الشعب المصري كلا من أجهزة الأمن والأجهزة الرياضية والإعلام، واتهمها بالتسبب في الكارثة، كما ذكر أن معظم الوفيات جاءت بسبب الاختناق والتدافع، ولم تصل لقوات الأمن تعليمات فورية لمواجهة أعمال الشغب.

مسار القضية

شغلت قضية أحداث ملعب بورسعيد الرأي العام لشهور، حتى أصدرت محكمة جنايات بورسعيد حكما بتحويل أوراق 21 من المتهمين إلى مفتي الجمهورية (الإعدام) يوم 26 يناير/كانون الثاني 2013، وتأجيل الحكم لجلسة التاسع من مارس/آذار 2013.

هدأت الجماهير المحتشدة أمام النادي الأهلي في قلب القاهرة راضية بالحكم الأولي، في الوقت الذي ثارت فيه حشود من أهالي المتهمين أمام سجن بورسعيد، ووقعت اشتباكات دامية أسفرت عن مقتل 22 شخصا، بينهم اثنان من رجال الشرطة وعشرات المصابين.

لاحقا، صدرت أحكام إدانة ضد 5 من رجال الشرطة ومسؤولين تنفيذيين في النادي المصري وغيرهم، وتدريجيا ابتعدت قضية مذبحة ملعب بورسعيد عن الاهتمام الإعلامي، وانتهت القضية يوم 20 فبراير/شباط 2017 بتأييد محكمة النقض أحكام الإعدام ضد 10 من المتهمين.

صور لمشجعي النادي الأهلي المصري في مقر ناديهم
مشجعون للنادي الأهلي داخل مقر ناديهم (الجزيرة)

ما بعد المذبحة

في الثامن من فبراير/شباط 2015، تكررت الكارثة في القاهرة، حيث أسفر تدافع لمشجعي نادي الزمالك قبل مباراة الدوري بين نادي الزمالك ونادي إنبي عن مقتل 22 شخصا، بعد استخدام قوات الشرطة قنابل الغاز المدمع لتفريق المشجعين، الذين ينتمي أغلبهم لرابطة مشجعي الزمالك "وايت نايتس".

وفي مايو/أيار 2015، أصدرت محكمة القاهرة للأمور المستعجلة حكما بحظر روابط مشجعي الفرق الرياضية المصرية المعروفة "بالألتراس" باعتبارها "مخالفة للقانون"، وجرمت رفع لافتات الألتراس أو ترديد هتافاتهم أو أداء أي من أنشطتهم، في الوقت الذي كان فيه الإعلام الرسمي يهاجم الألتراس ويتهمهم بالعنف وتحدي مؤسسات الدولة.

لم تلبث أن قامت روابط الألتراس بحل نفسها، لوقف مطاردة الأمن لأعضائها والمطالبة بالإفراج عن قياداتها خلف القضبان، تمهيدا لعودة الجماهير للملاعب.

في مايو/أيار 2018، أعلنت رابطة مشجعي النادي الأهلي المعروفة باسم "ألتراس أهلاوي" حل المجموعة رسميا، ونشرت مقطع فيديو لحرق علم "بانر" المجموعة على صفحتها الرسمية على فيسبوك، مما يعني إنهاء الرابطة تماما حسب المتعارف عليه بين روابط المشجعين في العالم.

كما أعلنت رابطة "وايت نايتس" أيضا حل الرابطة، وعدم الانسياق خلف أي تيارات سياسية، وقال أعضاء ينتمون للرابطة أنهم جزء من الدولة المصرية، وتوقع المحللون أن تكون هذه الخطوة مقدمة لعودة الجماهير للملاعب، وهو ما لم يحدث.

غياب الجماهير

حتى الآن، وبعد مرور عقد من الزمن، لا تزال مذبحة بورسعيد تلقي بظلالها على الكرة المصرية، ولم يسمح حتى اليوم بحضور الجماهير بكامل أعدادها لمباريات الدوري المحلي، ولا يعرف تحديدا متى تستعيد الملاعب المصرية جمهورها. وتسمح الجهات الأمنية أحيانا لأعداد محدودة بحضور بعض المباريات الدولية أو المباريات المحلية المهمة.

وقبل أسابيع، كشف رئيس لجنة الشباب والرياضة بمجلس النواب محمود حسين عن أن اللجنة بصدد التوصل لقرار نهائي بعودة الجماهير للملاعب، خاصة أنها تمثل روح اللعبة.

وأضاف حسين -في حوار مع مجلة الأهرام العربي- "بالطبع، نحن حريصون على عودة الجماهير للملاعب، ولكن في النهاية حياة المصريين فوق كل اعتبار، والحديث حاليًا عن عودتهم سيكون من الصعب تحقيقه، ومع ذلك نعد جماهير الكرة المصرية بإعداد آليات واضحة وخطط مدروسة، سيتم تنفيذها فور انتهاء أزمة كورونا، خاصة أن جميع الجهات المعنية متوافقة على قرار".

المصدر : الجزيرة