خسائر وفوائد.. ما التداعيات الاقتصادية لإخفاق دوري السوبر الانفصالي؟

تواجه الأندية التي أطلقت دوري السوبر الأوروبي مستقبلا غامضا بعد تبخر أحلامها في الحصول على إيرادات قياسية تغطي العجز الكبير الذي زادت من حدّته جائحة كورونا.

وذكر تقرير نشرته صحيفة "إندبندنت" (Independent) البريطانية، أن دوري السوبر الأوروبي الذي أُعلن تأسيسه يوم الأحد ولم يصمد إلا 3 أيام ستكون له تداعيات وتأثيرات عميقة وبعيدة الأمد على الأندية الـ12 وعلى كرة القدم بوجه عام.

ومع أن فكرة هذا الدوري موجودة منذ عقود، قال فلورنتينو بيريز رئيس ريال مدريد الذي اختير لرئاسة دوري السوبر الأوروبي، إن السبب الأساسي في إعلان هذا المشروع في الوقت الحالي هو الأزمة المالية الخانقة التي تمرّ بها الأندية جراء جائحة كورونا.

خسائر كبيرة

وتقدر شركة "ديلويت" للمحاسبة أن أفضل 20 ناديا في أوروبا خسرت أكثر من ملياري يورو من الإيرادات في موسمي 2020/2019 و2021/2020، والنصيب الأكبر من الخسائر تكبدته الأندية الـ12 التي أسست دوري السوبر الأوروبي.

وذكر البيان التأسيسي لدوري السوبر الأوروبي أن الأندية الـ12 ستحصل على عائدات تقدر بـ3.5 مليارات يورو "لتعويض تأثيرات جائحة (كوفيد-19)". وأكدت تقارير إعلامية أن المكافأة الأولية لكل ناد وافق على المشاركة ترواح بين 200 و300 مليون يورو.

وحسب التقرير، فإن عملاقي الكرة الإسبانية، برشلونة وريال مدريد كانا من أكثر الأندية تأثرا بجائحة كورونا، وكانا يتطلعان إلى المشاركة في دوري السوبر الأوروبي للخروج من الأزمة المالية.

وزاد صافي ديون النادي الكتالوني بدرجة قياسية ليبلغ 488 مليون يورو حتى يونيو/حزيران الماضي. وتضاعف اقتراض نادي ريال مدريد من البنوك 3 مرات ليبلغ 150 مليون يورو في 12 شهرا.

وتشير بيانات جمعها موقع "أوف ذا بيتش" (Off The Pitch) المتخصص في اقتصاد كرة القدم إلى أن صافي ديون أندية دوري السوبر الأوروبي زاد بنحو 840 مليون يورو بين عامي 2019 و2020.

وبعد أن كانت هذه الأندية تتطلع إلى الحصول على عوائد كبيرة من المسابقة الجديدة  تساعدها على الخروج من الضائقة المالية، يبدو أن الأمور ستزيد تعقيدا لدى الأندية المنسحبة، إذ تفيد تسريبات بأن عليها دفع غرامات كبيرة وفقا للعقود التي وقّعت عند الانضمام إلى المشروع الجديد.

كما أن كثيرا من الأصوات تطالب مؤسسات الدوريات المحلية والهياكل الكروية الأوروبية باتخاذ قرارات صارمة ضد الأندية المنشقة، تشمل فرض عقوبات مالية والهبوط إلى درجات أدنى، وهو ما سيضاعف الخسائر.

هل تتغير قوانين إدارة الأندية؟

ويرى التقرير أنه في ظل الظروف الحالية ليس من المستبعد أن تُطرح بعض الأندية المثقلة بالديون للبيع، وقد يفكر عدد من مالكي الأندية في التخلي عن هذه الاستثمارات المتعثرة.

وفي نظر المالكين الأميركيين لأندية مانشستر يونايتد وأرسنال وليفربول، كانت فكرة تأسيس دوري مغلق لأندية النخبة الأوروبية على الطريقة الأميركية جذابة جدا، إذ ستوفر لهم مداخيل أكبر من عائدات البث وتضمن لهم المشاركة باستمرار مهما كانت نتائجهم محليا.

ويرى التقرير أن انضمام تشلسي ومانشستر سيتي إلى "محاولة الانقلاب" تُعدّ بمنزلة جرس إنذار لجماهير الناديين التي كانت مستعدة سابقا للتغاضي عن مخاوفها ما دام المالك ينفق بسخاء لتحقيق النجاح وحصد الألقاب.

وقد كان ذلك الدافع الأساسي وراء الفكرة التي طرحتها الحكومة البريطانية بمنح الجماهير حصة من الأصوات تخوّلها الأغلبية في إدارة الأندية، أو ما لا يقل عن 51% من الأسهم، وهو النظام المعتمد في ألمانيا. وكان من الواضح أن حق الفيتو الممنوح للجماهير في الأندية الألمانية منع الأندية الكبرى -وفي مقدمتها بايرن ميونخ المتوج بلقب دوري الأبطال الموسم الماضي- من الانضمام إلى دوري السوبر.

مكاسب على المدى البعيد

وبغض النظر عن أزمة كورونا وتداعياتها المالية، فإن أندية النخبة الأوروبية لم تتمكن من استثمار العائدات الكبيرة من حقوق البث التلفزيوني على مدار العقود الثلاثة الماضية، وأنفقت ميزانياتها دون ضوابط في صفقات ورواتب خيالية، ومزايا لوكلاء اللاعبين. وتشير الأرقام إلى أن أجور اللاعبين في إنجلترا وإسبانيا وفرنسا وإيطاليا تستنزف ما بين 60% إلى 75% من إجمالي إيرادات الأندية.

وتؤكد شركة "فيزيبل" للاستشارات المالية أنه على الرغم من الزيادة الهائلة في الإيرادات على مدار العقد الماضي، فإن الأندية الإنجليزية الكبرى أخفقت في تحقيق أي أرباح في هذه المرحلة، وبلغت خسائرها نحو 3.2 مليارات يورو.

وقد عمل الاتحاد الأوروبي لكرة القدم على مواجهة النزيف عن طريق ما يُعرف بقواعد اللعب المالي النظيف التي تسعى إلى الحدّ من قدرة أصحاب المليارات على الإنفاق على الصفقات الجديدة دون وجود مداخيل حقيقية للأندية.

لكن تلك القواعد لم تُطبق بصرامة -وفقا للتقرير- وذلك جعل مالكي الأندية الكبيرة يواصلون إنفاق مبالغ كبيرة على التعاقدات. ومن بين السيناريوهات المحتملة لإخفاق تجربة دوري السوبر الأوروبي، هو أن الأندية الثرية ستدرك أخيرا أن تلك الضوابط المالية تصبّ في مصلحتها الخاصة، كما أن ذلك قد يشجع السلطات الكروية المحلية والدولية على التشدد في تطبيق القوانين.

ويختم التقرير بأن التأثير الفوري لانهيار مشروع دوري السوبر الأوروبي قد يكون مؤلما للأندية المتمردة على الصعيد المالي، لكن الأزمة ستؤدي على المدى البعيد إلى تعزيز قواعد اللعب المالي النظيف، ومنح صوت أقوى للجماهير، وتوفير إطار اقتصادي أكثر استدامة للعبة بأكملها.

المصدر : إندبندنت