ادعى الفرنسيون أنه سبب خسارتهم فاتهمهم بالجهل.. هل حكم نهائي المونديال ظالم أم مظلوم؟ وهل اللاعب الزائد يلغي الهدف؟

أثارت القرارات التحكيمية بالمباراة النهائية لكأس العالم 2022 في قطر، موجة اعتراض فرنسية ضخمة وصلت لحد توجيه مذكرة ضد الحكم إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) موقعة من 200 ألف فرنسي يدعون فيها تسبب التحكيم في خسارتهم اللقب أمام الأرجنتين ويطالبون بإعادة المباراة.

تجاهل الفيفا تلك المذكرة ولم يعرها أي اهتمام، كما يبدو أن لجنة الحكام بالفيفا برئاسة الإيطالي لويجي كولينا منحت الحكم البولندي سيمون مارتشينياك، الذي أدار المباراة النهائية، الضوء الأخضر للرد على الاتهامات الفرنسية بمحاباة الأرجنتين وتعرضهم للظلم (يمنع على الحكام الإدلاء بأي تصريح يخص قراراتهم بالمباريات دون تصريح من الاتحاد المنظم للمسابقة أو البطولة).

"يجهلون القانون"

ودافع مارتشينياك عن نفسه في لقاء صحفي أكد فيه أن جميع قراراته صحيحة وأنه لم يرتكب أي أخطاء مؤثرة على نتيجة المباراة، وأنهم "يجهلون قانون كرة القدم"، وقال موجها كلامه للفرنسيين "بالنسبة لاحتساب الهدف الثالث للأرجنتين، ما هو التأثير الذي تسببه اللاعبون البدلاء حين تجاوزوا حدود الملعب للاحتفال بالهدف قبل دخول الكرة للشباك؟.. الفرنسيون يبالغون كثيرا".

وأضاف "لقد نسيت الصحف الفرنسية دراسة القوانين، كذلك لم يتحدث أحد عن هدف كيليان مبابي الذي سجله في وقت كان يوجد فيه 7 لاعبين من مقاعد البدلاء داخل أرضية الملعب".

واستعرض الحكم البولندي خلال حديثه في المقابلة الصحفية صورة من هاتفه المحمول تُظهر وجود بعض اللاعبين الفرنسيين داخل حدود الملعب، خلال تسجيل مبابي للهدف.

وأوضح مارتشينياك قراره المتعلق بحالة ركلة الجزاء التي "ادعاها" ماركوس تورام لكنه لم يحتسبها بل أنذر اللاعب قائلا "أخبروني من غرفة تقنية الفيديو "فار" (VAR) بعد القرار مباشرة أن هناك خطأ وركلة جزاء، لكنهم بدؤوا على الفور في النظر إلى كل شيء من زوايا مختلفة، بعد ذلك تأكدوا أن اللاعب الفرنسي كان يدّعي التعرض للإعاقة وأنني اتخذت القرار الصحيح".

هل اللاعب الزائد يلغي الهدف؟

وتركزت الاتهامات الفرنسية لمارتشينياك على ما حدث في الدقيقة 109 حين سجل ليونيل ميسي هدف التقدم للأرجنتين، في وقت كان بعض اللاعبين البدلاء في دكة "التانغو" قد تقدموا إلى داخل حدود الملعب، ورد الحكم عليهم في هذه الحالة الهدف كان صحيحا 100%، لأن قانون كرة القدم ينص في المادة الثالثة (اللاعبون) على أنه لا ينبغي للحكم أن يوقف المباراة فورا في حال دخول أو وجود لاعب زائد لأرض الملعب أثناء سير المباراة طالما لم يؤثر على سير اللعب.

لحظة تسجيل ميسي الهدف في ظل دخول وجود اثنين من البدلاء في الملعب بجوار خط التماس (مواقع التواصل)

ولا ينص القانون على إلغاء الهدف في ظل وجود لاعب زائد إلا في حالة واحدة هي أن يكون وجوده أثر على تسجيل الهدف، وهذا لم يحدث في حالة هدف ميسي إذ كان وقوف اللاعب بجوار خط التماس بعيدا جدا عن الكرة، ويمكن للحكم أن ينذر اللاعب فقط بعد انتهاء الهجمة باعتباره دخل الملعب دون إذن، وذلك ينطبق حتى على اللاعب الذي خرج لتلقي العلاج ودخل من تلقاء نفسه دون أن يسمح له الحكم بالدخول للملعب كما تنص المادة 12 "الأخطاء وسوء السلوك".

المطالبة بركلة جزاء "غير موجودة"

أما اللقطة الأخرى فكانت في الدقيقة 87، بعدما سقط مهاجم منتخب فرنسا ماركوس تورام مطالبا باحتساب ركلة جزاء لصالحه، لكن الحكم البولندي صدمه باحتساب ضربة حرة غير مباشرة ضده "للتمثيل" وادعاء تعرضه للعرقلة من مدافع الأرجنتين بل وإشهار البطاقة الصفراء له بسبب ذلك.

وكان قرار مارتشينياك موفقا، لأن الالتحام كان عاديا، لكن تورام حاول إيهام الحكم بوجود عرقلة من خلال تعليق رجله اليمنى في ساق المدافع الثابتة على الأرض، ثم السقوط بشكل قد يخدع أي حكم؛ لكن مارتشينياك كان يقظا دون مساعدة الفار، وهو ما دفع كولينا للإشادة به قائلا "كان أقوى من التكنولوجيا. اتخذ قرارات في الميدان كانت دقيقة وجيدة بشكل لا يصدق".

كما يعترض الفرنسيون أيضا على احتساب مارتشينياك ركلة جزاء لمنتخب الأرجنتين في الدقيقة 22 عندما دفع الفرنسي عثمان ديمبيلي المهاجم الأرجنتيني أنخيل دي ماريا في ظهره عندما تخطاه بالكرة، ولم يتردد الحكم -وهو قريب جدًا من الخطأ- في احتساب ضربة جزاء صحيحة، رغم اعتراض بعض لاعبي فرنسا، سجل منها ميسي أول أهداف الأرجنتين.

ويرى الفرنسيون وجانب من الجماهير أن الدفعة كانت "خفيفة" وكلامهم صحيح، لكن المادة 12 ذكرت أن الحكم يجب عليه احتساب ضربة حرة مباشرة أو ضربة جزاء إذا ارتكب اللاعب ضد منافسه "الدفع" بشكل يعتبره الحكم فيه "إهمال أو تهور أو استخدام قوة زائدة".

والعبرة في الدفع هو الإضرار بالمنافس أو الإخلال بتوازنه سواء كان ضعيفا أو قويا، فاللاعب عندما يقفز في الهواء تكفيه أي دفعة بسيطة لإسقاطه أرضا، ويقصد القانون بالدفع الخفيف أي الإهمال ولا توجد عقوبة إدارية فيه، أما التهور فيجب الإنذار مع احتساب المخالفة، في حين يكون الطرد عقوبة استخدام القوة الزائدة في الدفع.

هل الحكم ظالم أم مظلوم؟

والحقيقة أن مارتشينياك نجح في إدارة المباراة بشكل ممتاز، وكانت كل قراراته صائبة كما قال كولينا، لكن باستثناء واحد إذ كان يجب عليه احتساب ضربة جزاء لصالح الأرجنتين في الدقيقة 61، ورغم وضوح المخالفة بالنسبة لي كحكم دولي سابق، رفض الحكم احتسابها ركلة جزاء رغم أن المدافع الفرنسي لم يلعب الكرة ودفع المهاجم بشكل واضح، والغريب أن حكم تقنية الفيديو لم يُشِر على الحكم برؤيتها مجددًا في شاشة العرض بجوار الملعب، إما أنه يؤيد قرار مارتشينياك، وإما أن الحكم رفض وتمسك بقراره.

وكانت هذه الركلة -لو احتُسبت وسُجلت- كفيلة بحسم نتيجة المباراة لصالح الأرجنتين، وأعتقد أن هذه المخالفة لو وقعت والنتيجة لا تزال التعادل؛ لاحتسبها الحكم الذي لم يرتكب أي خطأ مؤثر في المباراة سوى هذا الخطأ.

ولو كان الحكم ينوي محاباة الأرجنتين لاحتسبها ضربة جزاء، أو تغاضى عن احتساب ركلة الجزاء الثالثة في المباراة لصالح فرنسا في الدقيقة 116 عندما اصطدمت تصويبة مبابي بذراع غونزالو مونتييل لاعب الأرجنتين داخل منطقة جزائه، وكان من الممكن أن يبرر عدم احتسابها بعدم وجود تعمد، وهو الشرط الأساسي لاحتساب لمسات اليد مخالفة، لكنه احتسبها دون تردد قبل أن يؤكد الفار قراراه وسط اعتراضات أرجنتينية لم تثنيه عن قراره.

والقرار كان صحيحا، لأن ذراع المدافع كانت مرفوعة و"كبرت" جسمه، وتنص المادة 12 "الأخطاء وسوء السلوك" على أن تكبير الجسم بالذراع، أي أن تكون حركة اليد غير طبيعية يعدّ تعمدا، وهو الشرط الأساسي لاحتساب مخالفات لمسات اليد.

  • حكم دولي سابق

 

المصدر : الجزيرة