شغب الملاعب بالمغرب.. تهور أم إحساس بالقهر؟

شغب الملاعب في المغرب
شغب الملاعب المغربية يتكرر من فئات اجتماعية تبدو مهمشة (الجزيرة)

عبد الغني بلوط-مراكش

"فيلم رعب من الواقع.. لم أتخيل أبدا أن أعيشه"، هكذا بدأت المواطنة المغربية إيمان تدوينة طويلة على صفحتها بالفيسبوك، حول ما صادفته خلال خروج عدد من المشجعين بعد مواجهة الوداد البيضاوي والجيش الملكي في كأس العرش المغربي لكرة القدم.

وتتابع أن "الأحداث تطورت بشكل سريع ولافت.. وبدا عدد من المشجعين على الطريق السيار (السريع) في حالة تأهب قصوى لحرب شوارع من نوع خاص، مدججين بأنواع من العصي وما خفي كان أعظم".

وكثرت التعليقات على هذه الأحداث بمواقع التواصل الاجتماعي، معتبرة أن ما يقع هو حلقة جديدة من مسلسل رعب يظهر بين الفينة والأخرى في الملاعب المغربية، والذي خلف هذه المرة قتيلا وإصابات متفاوتة الخطورة وعددا من الخسائر المادية في السيارات وواجهات المحلات التجارية.

بعد نفسي
ويتكرر شغب الملاعب المغربية من فئات اجتماعية تبدو مهمشة، لذا بات كثيرون يتساءلون عما إذا كان هذا مرتبطا بسلوكيات نفسية واجتماعية متعلقة بالتهور أو الإحساس بالقهر.

ويشرح الطبيب المغربي المختص في العلاج النفسي أحمد الكرعاني -في حديث للجزيرة نت- أن شغب الملاعب له علاقة في أغلب الأحيان بفئة من الجمهور في سن المراهقة، والتي تتسم عادة بالرغبة في التعبير عن إثبات الذات.

‪شغب الملاعب له علاقة في أغلب الأحيان بفئة من الجمهور في سن المراهقة، والتي تتسم عادة بالرغبة في التعبير عن إثبات الذات‬ (مواقع التواصل)
‪شغب الملاعب له علاقة في أغلب الأحيان بفئة من الجمهور في سن المراهقة، والتي تتسم عادة بالرغبة في التعبير عن إثبات الذات‬ (مواقع التواصل)

ويضيف أن السلوك العدواني هو رد فعل لغياب حق التعبير في الجو الأسري "للمشاغب"، مع ضعف قدرة بقية مؤسسات التنشئة الاجتماعية عن خلق فضاءات مناسبة لحرية تمرير الأفكار ونقدها.

فيما يبرز الأستاذ الجامعي البروفيسور مصطفى السعليتي للجزيرة نت، أن العامل السياقي يلعب دورا مهما في إثارة الشغب، حيث إن هزيمة الفريق المفضل، تكون بمثابة هزيمة ذاتية للمشجع بسبب الشعور العاطفي بعدم الانفصال، مثل شعور الطفل بالارتباط الوثيق بأمه.

ويشرح السعليتي "أي خطأ مثلا في التحكيم يؤدي إلى تلك الهزيمة، يحسبه المشاغب موجها إليه شخصيا ويحس بالظلم والاستفزاز، وبالتالي يكون رد فعله عنيفا".

وهو ما يعبر عنه الدكتور الكرعاني أيضا بعامل الانتماء، حيث إن من يميل إلى إثارة الشغب يعتبر من صقور المشجعين مثلا، فيكون الفخر والإحساس بالزهو بكل سلوك ولو كان عنيفا يدخل صاحبه حسب تفكيره في زمرة الأقوياء.

عوامل اجتماعية
لا ينكر أحد ما تلعبه العوامل الاجتماعية من دور في توجيه سلوك الفرد، وخاصة "المشاغب" في الملاعب الرياضية.

لكن "إذا ما تجاوزنا الأحكام المسبقة"، بتعبير الأكاديمي مصطفى السعليتي، فالمشاغبون من المراهقين والشباب غالبا ما يعيشون حياة صعبة جدا، فيها مجموعة كبيرة من المشاكل الناجمة عن الإحباط والفقر والضياع، وكذلك الحرمان والقلق النفسي والاجتماعي والفراغ.

فيما ينبه الدكتور الكرعاني إلى تأثير المخدرات أيضا في سرعة الانفعال وعدم القدرة على التحكم بالمشاعر السلبية، واللجوء إلى العنف وسيلة للتعبير عن الرفض أو الاحتجاج بدل الحوار والتواصل السلمي.

‪عمر فكري: القانون يسلك مقاربة التجريم والعقاب، لمجموعة من الأفعال التي تحول الرياضة من أفراح إلى مآتم‬ (الجزيرة)
‪عمر فكري: القانون يسلك مقاربة التجريم والعقاب، لمجموعة من الأفعال التي تحول الرياضة من أفراح إلى مآتم‬ (الجزيرة)

وتضيف إيمان في تدوينتها أن مثيري الشغب "بعيدون كل البعد أن يكونوا مشجعي فريق، إذ ينقلون حدث نزوحهم عبر شبكات التواصل الاجتماعي، ويضاعفون جرعات المخدرات أمام الملأ، ويبدو أنهم ينذرون الطرف الآخر بقدومهم".

ويخلص الباحث في العلوم الجنائية والأمنية عمر فكري، أن شغب الملاعب صورة من صور العصيان على النظام الذي يكفله القانون، كما أنه من أبرز مظاهر التمرد على المجتمع، ويعد من الجرائم التي تهدد كيانه.

تأثير القانون
"تطلعت إلى وجوه رجال الدرك (الشرطة)، فشعرت بالعطف تجاههم، ماذا عساهم يفعلون أمام هذه الأمواج من البشر، هم ليسوا مثل البشر؟"، تتساءل إيمان وهي تنقل واقعا مرا.

ويتساءل معها مراقبون عن تأثير القانون في تهذيب سلوك المشاغب وتخويفه من العواقب التي قد تصل إلى سجن وعقوبات مالية، كما جاء بذلك القانون المغربي الخاص بشغب الملاعب الذي خرج إلى حيز التنفيذ قبل ثماني سنوات.

ووفق الباحث عمر فكري فالقانون يسلك مقاربة التجريم والعقاب، لمجموعة من الأفعال التي تحول الرياضة من أفراح إلى مآتم، فضلا عن التأثير على السكينة والأمن وتخريب الممتلكات، على نحو يفضي إلى المساس بالنظام العام.

وتتجه نية المشرع -حسب الباحث فكري- نحو ردع "المشاغبين"، لكن رغم الجهود المبذولة فإن القانون وحده لا يكفي.

ويوضح الباحث الجامعي مصطفى السعليتي أن "المشاغبين" ينتمون إلى فئات مجتمعية لها خصوصيات نفسية واجتماعية، وهم لا يخافون من عواقب سلوكهم العدواني سواء كان حبسا أو عقوبة مالية، لأنهم يستجيبون فقط لرغبة الانتقام، وهدم العالم الخارجي ونقل ذلك كله إلى غيرهم.

حلول جذرية
يبحث الجميع عن حلول جذرية للظاهرة، وإن كان القضاء عليها يشبه إلى حد ما اجتثاث "الشر" من العالم على قول البعض، لكن مسؤولين ومربين يراهنون على التربية والمراقبة الذاتية للحد من انتشارها وتخفيف آثارها.

ويقول عضو اللجنة المركزية للتحكيم بالاتحاد المغربي لكرة القدم عبد الرحيم المتمني للجزيرة نت، إن كبح جماح هذه الظاهرة الشاذة، يقتضي التفكير في مجموعة من الحلول وفق مقاربات دينية، وتربوية، وسيكولوجية، وسوسيو اقتصادية وأمنية.

وينتظر الجميع -حسب المتمني- أن تعمل مؤسسات التنشئة الاجتماعية بقوة على توعية الناشئة، والاعتراف بأن اللعبة نصر وهزيمة وأن الإقرار بذلك فضيلة وليس ضعفا.

ويشدد المتمني على دور الإعلام في تعميم الوعي الرياضي والقانوني، والإقرار بأن هفوات الحكام جزء من اللعبة.

المصدر : الجزيرة