بطل أفريقيا ملقى بالشارع.. رياضيون تونسيون بين قسوة الحياة وتجاهل السلطات

مجدي السعيدي-تونس
كانت الساعة تقارب منتصف الليل من يوم السابع من يوليو/تموز 2007 وكانت السيارة تخترق بسرعة جنونية الطريق المليء بالمنعرجات الخطرة في مدينة نابل (شمال شرق) حينما حاول سائقها إلياس برينيص تجاوز إحدى السيارات غير أنه فقد السيطرة على المقود لتنحرف العربة وتصطدم بشكل عنيف بشجرة على يمين الطريق.
أفاق الشاب برينيص -اللاعب الواعد للنادي الصفاقسي التونسي في ذلك الوقت- من غيبوبته وهو محاط بالأطباء وبعض من أفراد عائلته وزملائه في النادي، وعبثا حاول أن يسأل عن سبب وجوده في ذلك المكان لكنه اكتفى بنظرات بائسة قبل أن يعلمه الأطباء بالخبر الصادم "ستخضع إلى عملية جراحية قد تنجو بعدها من الموت لكنها ستحرمك من المشي وستحكم عليك باعتزال الرياضة ومواصلة حياتك على كرسي متحرك".
كانت الأضرار البدنية الناجمة عن حادث السير الذي تعرض له أحد أفضل لاعبي الدوري التونسي في عام 2007 وخيمة، إذ أنهت علاقته بكرة القدم وهو في أوج العطاء وأقعدته عن الحركة.
كل ذلك حصل منذ 12 عاما خلت ولكن إلياس برينيص لا يزال يذكر تفاصيل الحادث كما لو أنها حصلت بالأمس، ويقول للجزيرة نت "شاءت الأقدار أن تنتهي مسيرتي الكروية في سن الـ26، وأن يغير حادث السير مجرى حياتي لأتحول من لاعب تلاحقه كبرى الأندية إلى شخص مقعد على كرسي متحرك".

برينيص واحد من بين مشاهير الرياضة وكرة القدم بوجه خاص في تونس ممن عانوا شظف الحياة بعد سنوات من الإبداع والشهرة والثراء، فقد بدأ اللاعب المولود في عام 1981 مشواره بنادي تازركة (شمال شرق)، ثم انتقل للنادي الأفريقي ومنه إلى نادي حمام الأنف قبل أن يمضي في 2007 عقدا مع النادي الصفاقسي إلا أن القدر شاء أن يتعرض لحادث مرور وضع حدا لمسيرته وقلب حياته رأسا على عقب بعد أن أصبح دون مورد رزق وعانى تجاهل السلطات.
يقول اللاعب السابق "لم أعد قادرا على توفير مورد رزق لي، فقد أصبحت مقعدا وعاجزا عن العمل، أتلقى مساعدة مادية يسيرة من الاتحاد التونسي لكرة القدم، كما دعمني مسؤولو فريقي السابق النادي الصفاقسي وبعض الرياضيين أمثال المختار ذويب ومنير الجايز وخميس دريدي لكني بحاجة ماسة إلى مورد رزق قار يقيني نوائب الحياة بعد أن عاملتني السلطات بكثير من النكران".
ويعيش عدد من الرياضيين التونسيين أوضاعا اجتماعية ومادية متردية بعد اعتزالهم الرياضة، سواء لتقدمهم في العمر وإصاباتهم بأمراض مختلفة، أو لتعرضهم لحوادث سير.
وتداولت مواقع التواصل الأسبوع الماضي صورا لبطل أفريقيا والعرب في رفع الأثقال في الستينيات من القرن الماضي الطاهر حروش وهو ملقى بأحد الشوارع وفي حالة تبعث على الشفقة.
وعلى الرغم من أن مصادر متضاربة أكدت أن الصور ليست حديثة وأن "حروش" غادر طوعا منزل العائلة فإن الحادثة لقيت تفاعلا كبيرا عبر مواقع التواصل، وانتقد المغردون السلطات لتجاهلها أبطالا رياضيين قست عليهم الحياة وفقدوا كل أمل في الخروج من حالة الفقر.
بدوره، عاش الحارس السابق للنجم الساحلي ومنتخب تونس الحبيب الجواشي حالة من التهميش بعد اعتزاله الكرة وحتى وفاته في أواخر عام 2016، في وقت أرجع مقربون منه سبب تعكر حالته الصحية ووفاته إلى حالة التجاهل التي وجدها من الجميع.

وردا على الانتقادات التي تواجهها السلطات إزاء الأوضاع المتردية لبعض اللاعبين فاقدي السند، بدأت وزارة الرياضة في تونس تنفيذ برنامج اجتماعي للاهتمام بهؤلاء الرياضيين.
وخلال الأسبوع الماضي استقبلت وزيرة الرياضة سنية بالشيخ اللاعب الدولي السابق لنادي الترجي عبد الحميد الكنزاري الذي يعاني من إعاقة مزمنة، ووعدت بأن يشمل هذا البرنامج عددا آخر من الرياضيين.
وفي تصريح للجزيرة نت قال المدير العام للرياضة منصف شلغاف إن الوزارة تعمل على مساندة جهود بعض الجمعيات الخيرية لتوفير العناية اللازمة للرياضيين الذين يعيشون أوضاعا مادية وصحية صعبة.
وأضاف "ساندت الوزارة عدة لاعبين سابقين ماديا وتدخلت لتأمين العلاج رياضيين آخرين مثل الدراج إسلام بوقلية الذي أجبرته الإصابة على إجراء جراحة انتهت ببتر ساقه وتركيب ساق اصطناعية".
وفرضت الأوضاع الاجتماعية المتردية لعدد من الرياضيين التونسيين بعد اعتزالهم ظهور جمعيات خيرية تعنى بالإحاطة بهؤلاء، وتأتي في مقدمتها جمعية قدماء اللاعبين الدوليين التي أسسها الدولي السابق المختار ذويب وتدخلت لانتشال عديد اللاعبين السابقين من براثن الفقر والأمراض.
وأوضح ذويب للجزيرة نت أن "الجمعية ذات أبعاد إنسانية وتهتم باللاعبين السابقين فاقدي السند، وقد تدخلت لمساعدة عديد الرياضيين أمثال إلياس برينيص ومنير السهيلي ولسعد ذياب".
كما أنشأ لاعبون ومسؤولون سابقون بالترجي التونسي جمعية لقدماء اللاعبين تعنى بالإحاطة بأبناء النادي السابقين ممن قست عليهم الحياة.
وتدخلت الجمعية لمساعدة أكثر من عشرين رياضيا يعيشون أوضاعا اجتماعية صعبة بحسب المتحدث الرسمي باسم الجمعية فتحي فارح.
وقال فارح للجزيرة نت "المئات من الرياضيين في تونس يعانون وضعا اجتماعيا صعبا، وجهود السلطات لا تكفي لمساعدتهم، ومن هنا كان للجمعيات الخيرية على غرار جمعية قدماء لاعبي الترجي دور في الإحاطة بهؤلاء وإعادة البسمة لهم بعد أن أدارت الحياة ظهرها لهم".