البطل والإنسان.. حوار خاص مع "البرنس" القطري ناصر العطية
محمد الجزار-الدوحة
وأكد العطية -في حوار خاص للجزيرة نت– أن الأكاديمية تلقى الدعم من أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ومن المقرر أن يتم افتتاحها في الأشهر القليلة المقبلة.
العطية صاحب المسيرة الاستثنائية في عالم الراليات فاز بلقب رالي داكار ثلاث مرات: 2011 و2015 و2019، وحل وصيفا بالرقم نفسه أيضا، وثالثا مرة واحدة، كما حطم الرقم العالمي كبطل لراليات الشرق الأوسط والمسجل باسم الإماراتي محمد بن سليم (13 مرة) بالفوز 14 مرة، وهو مرشح لزيادة العدد خلال مشاركته في النسخة المقبلة، التي تنطلق من قطر مرورا بلبنان والأردن وقبرص، ونهاية بالكويت.
وفاز العطية أيضا بلقب بطولة "كروس كانتري" للراليات الصحراوية أربع مرات، وبطولة العالم للسيارات السياحية (WRC) مرتين، كما شارك في ست دورات أولمبية في منافسات الرماية، وحقق الإنجاز الأبرز خلالها بالفوز بالميدالية البرونزية في أولمبياد لندن 2012 بمنافسات الرماية (إسكيت).
ويتطلع البطل القطري إلى المشاركة السابعة في الأولمبياد بالتأهل لطوكيو 2020، ليحقق رقما قياسيا جديدا في مسيرته الحافلة بالإنجازات، موضحا أن الاعتزال خارج حساباته في الوقت الحالي، لأنه مقتنع بقدرته على العطاء وتحقيق المزيد من النجاحات التي تسجل باسم قطر.
ناصر العطية البطل والإنسان.. مسيرته وحكاياته وأسراره نرصدها عبر السطور التالية في هذا اللقاء الخاص جدا:
كيف بدأت؟ ومن اكتشف موهبة ناصر العطية؟
نشأت في الخريطيات، وتحديدا في منطقة العطية، حيث إن مولد الوالد هناك، وأيضا كل أعمامي، ويمكن القول إن ناصر هو من اكتشف ناصر العطية، حيث شعرت بموهبتي أيام الدراسة، حيث كانت ميولي للرياضة ولدي رغبة قوية في أن أحقق شيئا لبلدي منذ سن 13 عاما في المدرسة الإعدادية أو المتوسطة، حيث كنت ألعب مع "الربع" في الفريج (الحي)، وكنا نمارس كرة القدم وألعاب القوى في مدرسة أم صلال الابتدائية ومدرسة الخريطيات حتى الصف الرابع، ثم نادي التضامن.
إلى أين وصلت في مشوارك التعليمي؟
حتى المرحلة الثانوية، بعد أن أنهيتها توقفت عن الدراسة، ولم أحزن لأن طموحي كان دخول العسكرية، وللعلم في هذا التوقيت كان معظم الشباب في قطر يرغبون في أن يكونوا عسكريين، والحمد لله حققت حلمي، وأنا الآن برتبة نقيب في الاتحاد العسكري الرياضي.
ماذا كنت تتمنى أن تكون عليه في المستقبل؟
كنت أحلم أن أكون طيارا، خاصة أن أبناء عمي كانوا طيارين، وأنا كنت الأصغر سنا فيهم، وهم تخرجوا من كلية الطيران في بريطانيا، ومنهم الوزير خالد بن محمد العطية الذي كنت أتمنى أن أسير على دربه.
ولماذا هذه المهنة بالذات؟
لأنني أحب السرعة، وهذه الفكرة جعلتني أفكر في أن أكون سائق راليات في سنة 1990.
كيف التحقت بسباقات الراليات والسرعة؟
جاء الأمر بالصدفة عن طريق ابن عمتي محمد المناعي، بعدما حدثت له مشكلة مع المساعد ولم يتمكن من المشاركة في السباق المحلي، وفضل أن أكون معه لأنني أحب السرعة، فدخلت مساعدا ولست سائقا، وحصلنا على المركز الثاني، وتحمست للتجربة، وقررت المشاركة بنفسي، والطريف أنني في أول مسابقة حصلت على المركز الثاني، وتفوقت على ابن عمتي، وبالتالي الصدفة قادتني للراليات.
ماذا حدث بعد ذلك؟
بعدها مكثت أربع سنوات في بطولة قطر المحلية، ثم أتيحت لي الفرصة لأكون راميا أيضا عندما كنت مع أصدقائي في المجلس خلال شهر رمضان، فسمعنا عن نادٍ جديد للرماية يتم افتتاحه، فقررنا أن المشاركة بهدف التسلية، وشجعني وقتها الشيخ حمد بن غانم آل ثاني، وهو من أعز أصدقائي، ولحسن الحظ كان المنتخب متواجدا وقتها، وشاهدني المدرب الروسي وأنا ألعب وتفاجأ بمستواي.
وكيف جاء هذا المستوى المميز؟
أنا بطبيعتي صياد، وكان الوالد يستعين بي في الصيد مع أصدقائه، وكنا نذهب لمصر للصيد، وتحديدا شرم الشيخ، وأيضا سوريا والعراق، كما أنني أحب البر جدا.
ماذا عن أسرة ناصر العطية؟
أنا متزوج ولدي نورا (عشرون عاما)، وشعيل (ثمانية أعوام).
وهل تتمنى أن يسير شعيل على خطاك؟
شعيل بالفعل يعشق السيارات، وأرى فيه شيئا مختلفا من خلال اهتمامه الشديد بهذه الرياضة، وبدأ منذ فترة دورات في كيفية قيادة السيارات من أجل تهيئته ومنحه الثقة بالنفس والجرأة في سن مبكرة، وأتوقع أن يكون بطلا في رياضة المحركات، وأن يصبح أحد أبطال "الفورمولا1" مستقبلا، فلديه أفضل معلم.
كيف يكون حضورك في المنزل؟
أنا أعيش حياة طبيعية مثل كل الناس، حيث أرتبط كثيرا بالبيت والأسرة والأهل، سواء في المزرعة الخاصة بي أو في السفر خلال خوض الراليات، لكن بصراحة البيت عندي دائما يكون خاليا من الرياضة، بل إن الرياضة ممنوعة كثيرا في المنزل، وتكون محصورة على الممارسة فقط، ربما يكون هناك حديث ولكن في أوقات معينة، خاصة إذا تساءلت أم شعيل أو أرادت أن تتحدث، فنتبادل أطراف الكلام، ولكن بشكل عام أنا أفضل أن يكون البيت مقرا لراحتي.
كيف هي شخصية العطية داخل منزله؟
لست ديكتاتورا في المنزل على الإطلاق، فأم شعيل هي المسؤولة في المنزل، وهي بالنسبة لي كل شيء، والحمد لله أن وفقني بزوجة صالحة تحافظ على الصلوات وتحب جو العائلة والأسرة، وهذا مهم لي لأنه يوفر لي الأجواء الصحية.
ما الذي تحرص على القيام به كل يوم؟
صلاة الفجر بالمسجد من العادات اليومية، بعدها أعود للنوم لمدة ساعة أو ساعتين، وبعد أن أستيقظ أقوم بتدريبات اللياقة البدنية وأتناول فطوري، ثم أذهب للدوام أو تدريب الرماية، وأحرص على الالتزام الشديد بذلك، لأنه مهم وله دور في ما وصلت إليه، وأعتقد أنه سبب نجاحي، وأنا دائما أحب أن أكون وفيّا للشيء الذي أقوم به.
ما المأكولات المفضلة التي تحرص على تناولها؟
أحب أن آكل كل شيء، وبصراحة ليس هناك بد من الأرز واللحوم التي تكون وجبتي الرئيسية دائما عند العودة من السفر، وهناك أيضا وجبة سورية عبارة عن أرز بالدجاج مع الصنوبر، وهي خفيفة وصحية جدا.
هل تدخل المطبخ؟
بالتأكيد، وهذه عادة محب البر دائما، وللعلم أنا طباخ جيد، كما أنني متعاون جدا في المنزل، وأحب أن يكون هناك تعاون وتفاهم مع أفراد الأسرة.
ما السر وراء حليب النوق؟
من الأشياء المفضلة عندي، لأن فيه صحة وفوائد كثيرة، وأنصح كل الرياضيين به، وهو من تراث آبائنا وأجدادنا.
ما الذي اختلف في ناصر العطية حاليا عن السابق؟
في السابق كنت أحزن كثيرا عندما أخسر، وهذا كان في بداية المشوار بداعي الغيرة والإحساس بأن هناك إخفاقا من جانبي، وهذا علمني شيئا مهما؛ وهو أنه لا يوجد نجاح إلا من بعد فشل.
متى بكيت؟
بكيت حزنا بعد وفاة جدي صالح بن عبد الرحيم المناعي والد أمي، الذي كنت مرتبطا به وأزوره يوميا، وفي وقت وفاته كنت في رالي دبي ولم أعرف الخبر إلا بعد نهاية الرالي، كما بكيت أيضا بعد فوزي بلقب رالي داكار لأول مرة.
لماذا رالي داكار تحديدا؟
لأن الفوز به كان حلمي منذ زمن طويل، والحمد لله حققت إنجازا تاريخيا كأول سائق عربي يفوز بالرالي ويكسر احتكار الأوروبيين، كما أنني كافحت سنوات طويلة للوصول إلى هذا اللقب، واليوم الحمد لله وصلت للقب الثالث وأتطلع للرابع أيضا.
من تدين له بالفضل في ما وصلت إليه؟
الوالدة بالتأكيد لها دور كبير في نجاحي، لأنها هي من كانت تدعمني في صلواتها ودعائها، وهي تحب أن يكون ابنها ناجحا في مشواره، وأنا شخصيا أتفاءل بها كثيرا وهي أقرب الناس لي.
هل مارست كرة القدم؟
نعم، ولعبت في أندية التضامن والسد، والغرافة (عندما كان اسمه الاتحاد)، وكنت ألعب في مركز الهجوم، وأهلني مستواي الجيد للعب في فرق الناشئين، لكن في النهاية رياضة السيارات أخذتني من الكرة.
ولماذا قررت ترك الكرة؟
لأن الكرة لها عمر، ولا بد أن يتوقف اللاعب عند سن 32 تقريبا، أما الرماية والسيارات فيستطيع المتسابق أن يستمر حتى سن الخمسين، وهو ما جعلني أفكر كثيرا.
ما النادي الذي تشجعه؟
السد بالتأكيد، فأنا مشجع سداوي منذ الصغر وميولي للزعيم، خاصة أن معظم عائلة العطية مشجعون للنادي، ورغم ذلك فقد لعبت للاتحاد وجميع أصدقائي موجودون فيه، وأشاهد مباريات الفريق كلما أتيحت لي الفرصة.
ماذا تعلمت من رياضة المحركات؟
تعلمت الصبر والتحمل، وكيف أتصرف مع نفسي والناس.
ما هوايتك المفضلة؟
ركوب الخيل، وأنا أعتبر الرياضة بشكل عام جزءا من حياتي منذ الصغر، ولا يمكن أن أستغني عنها سواء كانت هواية أو احترافا.
أنت سائق راليات فريد.. فماذا عنك في الشارع؟
رغم إمكانياتي وقدراتي الكبيرة كسائق راليات فإن القدر لم يمنع تعرضي لحادثين في شوارع قطر، وأتذكر تفاصيلهما، علما أنني أقود السيارات منذ كان عمري 12 عاما، لكن حصلت على رخصة القيادة بشكل رسمي وعمري 17 عاما.
هل هناك سيارات معينة تحب اقتناءها؟
أنا أهوى قيادة السيارات الحديثة، ولكن هناك بعض الأنواع المحددة التي أحرص أكثر على اقتنائها؛ مثل فيراري ولرولز رويس ومرسيدس، كما أعشق السيارات الكلاسيكية.
ما الأماكن التي تحب زيارتها في الدوحة؟
أتواجد بصفة دائمة في الحي الثقافي كتارا وفي اللؤلؤة أيضا، حيث تكون الفرصة سانحة بالنسبة لي لتغيير الأجواء والخروج من جو المنافسات والسباقات، وفي كتارا تحديدا شكل المباني والبحر والمطاعم يعطيني راحة نفسية كبيرة جدا، وعندما أتواجد في اللؤلؤة أزور معارض فيراري ورولز رويس وأتابع أحدث السيارات التي أعشقها كثيرا .
ما أصعب موقف تعرضت له؟
كان الحادث في رالي بفرنسا، بعد أن اصطدمت بشخصين من الجماهير، وقررت التوقف وعدم استكمال السباق، رغم أن الخطأ كان منهما، وذكرت الشرطة ذلك في تقرير الحادث لوقوفهما في أماكن خاطئة، ووقتها عشت لحظات من القلق لأنني لا أتخيل أن أؤذي أحدا في حياتي، حيث إنني مسالم بطبيعتي والأمور الإنسانية مهمة جدا.
ما أحب الألقاب إلى قلبك؟
يلقبونني هنا في قطر والخليج بلقب "سوبر مان"، وفي أميركا الجنوبية بلقب "البرنس"؛ وكلاهما محبب إلى قلبي جدا.
ما الذي مثله لك الفوز بالميدالية الأوليمبية عام 2012؟
كان حلما من ضمن أحلامي، والحمد لله تحقق، وأتمنى أن أستكمل مسيرتي في تمثيل بلادي قطر بشكل مشرف في المحافل الدولية، وأسعى للتفوق مجددا والحصول على ميدالية جديدة في أولمبياد طوكيو 2020.
وصلت للعالمية وتربعت على عرش النجومية سنوات طويلة.. فماذا يعني لك ذلك؟
الوصول إلى العالمية بالنسبة لي رسالة مني إلى العالم، ومفادها أن هناك رياضيا قطريا عربيا قادرا على أن يفوز بأي حدث عالمي، سواء في الأولمبياد من خلال الرماية أو في رالي دكار، والحمد لله أوصلنا الرسالة للعالم بأن قطر موجودة على خريطة العالم، ولديها أبطال عالميون.
كلمة أخيرة.. لمن توجهها؟
أود أن أوجه رسالة إلى الشباب لاستغلال هوايتهم، ومن يحب رياضة السيارات ويسعى لدخول عالم الاحتراف عليه أن يخلص في التدريب، ويبذل الجهد والعرق من أجل تحقيق طموحاته وأحلامه، والأمر ليس مستحيلا.