كرة القدم بلسم لمبتوري الأطراف في سوريا

بخطوات بطيئة مترددة ووسط هتاف المشجعين، يتقدم عمار نحو الكرة لركنها داخل المرمى، لكنه تعثر بعكازه وسقط أرضا، اتجهت الكرة سهلة نحو الحارس، وضيّع فرصة تسجيل أول أهدافه مع نادي "أمية".
رغم ذلك، يلقى عمار (12 عاما) تشجيعا حارا من مدربه وزملائه بالفريق وعشرات الحاضرين لمشاهدة مباراة كرة قدم تجمع فريق أمية لذوي الاحتياجات الخاصة مع فريق النصر أحد أندية الدوري الممتاز التابع للهيئة العامة للرياضة والشباب، وذلك على أرضية ملعب شعيب الخماسي بمدينة إدلب شمالي سوريا.
دقائق قليلة تبقت حتى نهاية المباراة وآثار التعب بدت واضحة على وجوه وأجساد اللاعبين، معظمهم يلعب بساق أو ساعد واحد مستعينين بالعكازات، فهم فقدوا أحد أطرافهم أثناء قصف للنظام السوري وروسيا في وقت سابق.

رمى عمار عكازيه أرضا متجها نحو غرفة تبديل الملابس، يستند تارة إلى الحائط وتارة أخرى على كتف زميله، وملامح وجهه توحي بالحزن والغضب فور إعلان الحكم نهاية المباراة بالتعادل. نجح هيثم الزير (50 عاما)، زميل عمار في الفريق، في تهدئته ورفع معنوياته قائلا له بلهجته المحلية "ما تاكل هم عمار راح تسجل أهداف كتير في المباريات الجاية، أنا متأكد من هاد الشي، بس بدي تكون إرادتك قوية ومع الوقت راح تعتاد عالتسديد بقدمك اليمنى".
وعند سؤالنا عن سبب غضب عمار، أجابنا زميله هيثم بصوت خافت "عمار فقد ساقه اليسرى بغارة جوية للنظام السوري على بلدة جبل الزاوية بريف إدلب أثناء ممارسته لعبة كرة القدم مع أصدقائه، هو طفل مرهف الإحساس ولم يتقبل بعد فكرة فقدان ساقه التي كان يعتمد عليها بالتسديد وترويض الكرة، لكننا في هذا الفريق أسرة واحدة وسنتخطى هذه المحنة سوية".
وتابع هيثم في حديثه للجزيرة نت "أفهم شعور عمار جيدا، عندما فقدت ساقي عام 2015 بقصف مدفعي استهدف منزلي في مدينة إدلب كنت محبطا ومحطما نفسيا، في رحلة التعافي من الإصابة زرت مركزا للعلاج الفيزيائي حيث طرح الطبيب فكرة الانضمام لنادي أمية لممارسة لعبة كرة القدم كونها تساعدني على استعادة ولو القليل من اللياقة البدنية وتحسّن من وضعي النفسي من خلال الاحتكاك بزملائي اللاعبين الذين فقدوا أيضا أحد أطرافهم نتيجة القصف".
وأضاف "في أول تمرين لي شعرت بآلام شديدة وصعوبة في الحركة باستخدام العكازات، لكن رؤية زملائي اللاعبين الأقدم في الفريق منحتني القوة وأدركت أن الركون للإعاقة هو ما يسعى إليه من تسبب في بتر ساقي".

بعد انتهاء المدرب محمد شيخ الحدادين من الحديث مع لاعبي فريق أمية في غرفة تغيير الملابس، التقينا به في الرواق المؤدي للملعب، وسألناه عن فكرة تأسيس الفريق والهدف منه، فقال "المصابون ببتر أحد أطرافهم سواء السفلية أو العلوية يخضعون لجلسات علاج فيزيائية تمتد لمدة طويلة، وهذا أمر مرهق وممل للمرضى، لذا فإن ممارسة الألعاب الرياضية بشكل منتظم بعيدا عن التمارين الروتينية فكرة ملائمة لتحسين الحالة النفسية والبدنية للمرضى".
وتابع الشاب الثلاثيني "تأسيس الفريق كان بجهود فردية وإمكانيات متواضعة في سبتمبر/أيلول 2017، أثناء زيارتهم الدائمة بالعيادة شعرت بأنهم مهملون وبحاجة فعلا لمن يقف إلى جانبهم، فقررت تأسيس الفريق بخمسة لاعبين في البداية، كنت أفكر ما إذا كان بوسعي إقناع اللاعبين بحضور التمارين بشكل منتظم، لكن تفاجأت بمدى التزامهم وقوة إرادتهم، وهو أمر ساعد بشكل مبهر على تحسين حالاتهم النفسية ولاحقا البدنية، بعد مرور عام على أول حصة تدريبية، لدي الآن 30 لاعبا بمختلف الأعمار ومن كافة المناطق السورية".
وعن أكثر المواقف المؤثرة التي عايشها المعالج محمد خلال تدريبه لاعبي الفريق، أخد نفسا عميقا وارتسمت ابتسامة خفيفة على وجهه ثم قال "قبيل بدء إحدى الحصص التدريبية المسائية كان المطر يهطل بغزارة ومن المستحيل حضور اللاعبين المقيمين في بلدات تبعد عن الملعب مسافة تتجاوز الثلاثين كيلومترا على متن دراجة نارية، تفاجأت بعدم تغيّب أي لاعب عن التمرين رغم خطورة الوصول للملعب في ظل حالة الطقس السيئة للغاية، أعترف بأنني تعلمت منهم أكثر مما علمتهم، وأؤكد أن إرادتهم تخطت إرادة كثير من الأشخاص الأصحاء".

الإقبال الجماهيري على متابعة النشاطات الرياضية خاصة تلك المتعلقة بلعبة كرة القدم في شمالي سوريا يبدو لافتا، وهو ما شجع محمد شيخ الحدادين على تنظيم بطولات كروية ودية بشكل دوري، مع توجيه دعوات لمختلف وسائل الإعلام لتسليط الضوء أكثر على حال الرياضيين المتضررين من الحرب القائمة في البلاد منذ أكثر من سبع سنوات، والتركيز على احتياجاتهم ولوازمهم.
صادفنا في سور الملعب الخارجي فادي الحلبي الناشط الإعلامي المقيم في مدينة إدلب، الذي كان قد انتهى للتو من تغطية أحداث المباراة بين فريق أمية والنصر، سألناه عن رأيه في فكرة تأسيس نادي أمية لذوي الاحتياجات الخاصة، فقال "يستحق هؤلاء الذين ذاقوا الويلات خلال الحرب في سوريا أن ننقل نشاطاتهم واحتياجاتهم للعالم"، ويضيف "أن تكون في أخطر دولة بالعالم فاقدا ساقك أو ساعدك وتظهر كل تلك الإرادة فأنت بالفعل مثال إيجابي يحتذى به".
وفي غياب أرقام رسمية، قدرت منظمات طبية غير رسمية في الداخل السوري عدد الأشخاص مبتوري الأطراف بنحو 12 ألف فرد، بينهم نساء وأطفال فقدوا عضوا علويا أو سفليا نتيجة الصراع الدائر في سوريا منذ منتصف مارس/آذار 2011.