أسامة وعمر.. الأذن تعشق الكرة قبل العين

كفيفان تونسيان مهووسان بكرة القدم

مجدي السعيدي-تونس

عندما بلغت مباراة النادي الأفريقي ومستقبل قابس دقيقتها السبعين، وبدأ اليأس يدب في نفوس مشجعين من عودة فريقهم في النتيجة، ثارت الجماهير لتهز أرجاء الملعب بالهتاف وتشحذ همم اللاعبين من أجل تحقيق فوز يكفل لفريقهم الخروج من الوضعية الكارثية التي لم يشهدها على مرّ تاريخه الطويل.

وسط الآلاف من المشجعين الهاتفين بشعارات تتغنى بناديهم، كان صوت شابين كفيفين في العشرين من العمر، يصل متقطعا في أركان مدرجات "الفيراج" (مدرجات مخصصة لمشجعي الألتراس الأشد ولاء للنادي)، ولكنهما لم يتوقفا عن التفاعل مع كل هجمة تنبئ باهتزاز شباك الفريق المنافس.

أية متعة يجدها كفيفان فقدا نعمة البصر من وراء حضور مباراة كرة قدم لا يشعران فيها بأكثر من صياح الجماهير وصدى المدرجات؟. يبدو أسامة المعروفي وعمر الزغيدي حالة استثنائية وفريدة من نوعها في ملاعب كرة القدم إذ فاق عشقهما للأفريقي التونسي كل الحدود.

الحب الأعمى
لم تمنع الإعاقة الجسدية وحالة الخصاصة التي يعيشها أسامة وعمر من الوفاء لألوان النادي وحضور مبارياته والتفاعل بالقلب لا بالعين مع أطوار اللعب.

يجلس الشابان وسط مدرجات الألتراس، يهتزان مع كل صيحة ويسألان عن مآل كل كرة بين أقدام لاعبي الأفريقي، هما لا يشاهدان شيئا ولكنهما يشعران بمتعة التفاعل عبر الأذن والقلب.

إعلان

"عشق الغالية (كنية النادي الإفريقي) لا يحتاج إلى البصر، حرمت من تلك النعمة ولكني أحمد الله على أن وهبني قلبا ينبض بحب الأفريقي"، يعترف أسامة المعروفي، وهو يردد وسط المشجعين أهازيج تتغنى بفريقه ولا ينفك يسأل مشجعا يقف إلى جواره عن تطورات المباراة.

undefined

ولد أسامة في العام 1998 كفيفا، ونشأ في ظل أب متيم بعشق النادي الأفريقي، كبر ذلك الحب حتى غدا أقرب إلى الهوس بالنسبة إلى الفتى.

"تطور حبه للنادي فأصبح مولعا بالتنقل إلى الملعب ليعيش بالقلب والأذن أطوار المباريات رغم المعاناة التي يجدها أثناء ذهابه وعودته والتي انتهت في يوم بتعرضه لحادث مرور خطير"، يتحدث حسن المعروفي والد أسامة للجزيرة نت.

ويضيف "لا أحد بإمكانه تقدير حب أسامة للأفريقي، لقد تحول الأمر إلى عشق أفلاطوني، ورغبة جامحة في تقصي أخباره، عشق النادي لا يحتاج إلى البصر بالنسبة إليه".

درس أسامة بمدرسة الكفيف، وفي 2018 أحرز الشهادة الثانوية ثم انتقل للدراسة بجامعة اللغات وطموحه أن يحصل على درجة الإجازة (بكالوريوس) في الآداب العربية.

الأفريقي نور عيني
التقى أسامة وعمر على مقاعد الدراسة، كان ذلك سنة 2013 بمدرسة الكفيف بمدينة بنعروس (جنوب تونس العاصمة)، فزادهما حب النادي الأفريقي قربا، حتى أصبحا لا يفترقان إلا للنوم.

ويروي عمر قصته قائلا "عندما كنت طفلا كنت أشكو من ضعف النظر، ولكني تعرضت منذ سنوات إلى مرض خطير فقدت على إثره البصر".

يواصل بنبرة حزينة "أشعر أني محروم من نعمة منّ بها الله على الإنسان، ولكني أجد متعة لا تضاهيها متعة وأنا أهتز مع كل هجمة واعدة لفريقي، قد يكون حب الأفريقي تعويضا من الله على ما في حياتي من معاناة وما تعرضت له في بعض المباريات من مصاعب وأحداث راسخة".

لا ينسى عمر حادث المرور الذي تعرض له في العام 2017، كان عائدا صحبة رفيق دربه أسامة بعد مباراة الأفريقي ونجم المتلوي، عندما صدمتهما سيارة فخلف لهما الحادث أضرارا بدنية لا تزال آثارها على جسديهما إلى حد الآن.

ويقول أسامة "تعرضت إلى كسور شديدة جراء ذلك الحادث، كانت لحظات صعبة جدا ولكن كل شيء يهون من أجل الأفريقي.. أحلم بظروف عيش أفضل وأن يخرج فريقي من أزمته، إن شاء الله تزهى لنا الأيام (تتغير وضعية النادي نحو الأفضل)".

تختزل كلماته جانبا من معاناة المكفوفين بتونس، يدرس الشاب بالقسم النهائي لمعهد المكفوفين، ويقيم بمبيت مخصص لأمثاله من فاقدي البصر، ولكنه يعترف بأن المكفوفين فاقدون لظروف العيش الكريم والإحاطة الخاصة.

يواصل الشابان متابعة المباراة بقلبيهما قبل أن تخترق صيحة مدوية أرجاء الملعب فرحا بهدف التعادل فيهتز عمر وأسامة وسط المدرجات.

انتهت المباراة المثيرة بصيحة ثانية أعلى من الأولى احتفالا بهدف الانتصار للأفريقي لتشهد المدرجات حالة من الهيجان، لم يتمالك فيها المشجعان دموعهما.

وسط الآلاف من المشجعين الذين يغادرون الملعب، كان عمر يمسك بيد صديقه أسامة، يهتديان بأصوات الجماهير المنتشية بالفوز ويرددان إحدى أغاني الألتراس "عاصمية كاريزما بلاش حدود.. عايشة فيا الإفريقي عليها نموت.. هذي هدية هذي وصاية جدود.. نور عينيا بعد ربي المعبود" حتى تواريا عن الأنظار.

المصدر : الجزيرة

إعلان