الأبطال الأولمبيون.. صناعة متكاملة

حصول الرياضيين على الميداليات في الدورات الأولمبية، ليس مردّه عزيمة هؤلاء وقدراتهم فحسب، وإنما هي منظومة متكاملة تصنع أبطالا يصعدون منصات التتويج. وتفسر أرقام وسياسيات نجاح دول وإخفاق أخرى في ذلك.
ففي عام 2016، خصصت ألمانيا أكثر من 177 مليون دولار لدعم الرياضة. وزعت على أندية رياضية في جميع أنحاء البلاد، إضافة إلى اللجنة الأولمبية.
غير أن هذه الأموال بالنسبة للبعض لا تكفي لتثبيت ألمانيا على سجل الذهب الأولمبي، بحسب ما يرى مراقبون، لكونها تستند إلى نهج الكم لا الكيف. أي أن الأموال المخصصة توزّع على الجميع ولا تفضل ناديا على آخر، وذلك ضمانا لمبدأ تكافؤ الفرص.
المنتقدون يرون أن هذه السياسية تمنع الأندية الأكثر قدرة على البروز دوليا من مقارعة الكبار، خاصة أن هناك منافسة شرسة بين الدول على تقديم أفضل الرياضيين، حتى إن تمّت الاستعانة بوسائل غير شرعية كما هو الحال في روسيا التي افتضح مؤخرا اعتمادها نظام تنشيط ترعاه الدولة، بحسب تقرير صادر عن اللجنة الأولمبية الدولية.
ومن باب المقارنة، نرى أن بريطانيا -صاحبة المركز الثالث على قائمة البلدان من حيث عدد الميداليات في أولمبياد 2012- تنتهج سياسية الدعم الانتقائي، أي إنها لا تدعم سوى الرياضات ذات نسب الفوز الأعلى بالميداليات.
وفي السنوات الأربع الأخيرة وحتى دورة ريو الحالية في البرازيل، خصّص اتحاد الرياضة البريطاني ما قدره 488 مليون دولار للدعم الرياضي. ثلث هذا المبلغ من صندوق اليانصيب، والثلثان من الحكومة.
وخصصت بريطانيا أيضا محفزات مالية لكل رياضي حقق نجاحا في الأولمبياد، على شكل منحة قيمتها 37 ألف دولار. في المقابل لا يتجاوز المبلغ في ألمانيا 20 ألفا، وفي سويسرا 14 ألف دولار.

الدعم الحكومي
أما في الولايات المتحدة، فلا تحصل اللجنة الأولمبية هناك على أي دعم حكومي، وعليها البحث عن مصادر تمويل لدى المستثمرين والرعاة وتوزيعها على الاتحادات الفرعية والأندية.
ومن عام 2009 إلى غاية 2012، أعلنت تلك اللجنة عن مداخيل بلغت 568 مليون دولار. وليس بعيدا عن النموذج البريطاني تتمّ عملية التوزيع وفق معادلة بسيطة: من يحصل على الميداليات، يحصل على الدعم.
لكن هذه السياسة لها انعكاسات خطيرة على الأندية والاتحادات، لأنها تضمن للغنية منها مزيدا من الغنى، بينما تدفع بالأقل نجاحا إلى الهاوية. وهذا ما يفسر تربع اتحاد ألعاب القوى والسباحة الأميركيين على عرش البطولات الأولمبية، وتهافت المستثمرين على رعاية هذين الاتحادين بالذات.
وحاليا، تتعالى الأصوات داخل الولايات المتحدة مطالبة بإصلاح قانون الدعم الرياضي.
رغم ذلك تبقى الولايات المتحدة في مقدمة دول العالم من حيث البنى التحتية لدعم الناشئين. وذلك عبر منظومة تُعدّ المدارس -سواء الابتدائية أو الإعدادية أو الثانوية- من أهم مقوماتها. فهناك مسابقات لا تحصى بين المدارس لأنواع رياضية مختلفة. وبالطبع تخضع هذه المدارس لنظام تنافسي شديد الاحترافية، كما أنها تحظى بأفضل المقومات.
النموذج الألماني يختلف هنا تماما عن نظيره الأميركي، إذ إنه أقرب إلى النظام الروسي أو الصيني باعتماده على الدولة مركزا لصناعة الأبطال، لكن مع فضيحة المنشطات التي كشفت عن فساد ممنهج بمباركة أجهزة الدولة، بات هذا النظام الأكثر انتقادا، وفي ألمانيا يجري النقاش حاليا لتطوير نموذج يمزج بين الحالي والأميركي.