في ملاعب تونس.. الرياضة تتلوث بالسياسة والعنف

مجدي بن حبيب-تونس
واستفحلت ظاهرة "الرسائل" المشفرة والدعوات للعنف عبر اللافتات المعروضة في المدرجات، بينما وجهت الأوساط الإعلامية اتهامات صريحة لرابطات المشجعين ومسؤولي الأندية بشحن الجماهير عبر التصريحات المتشنجة.
وطالبت هذه الأوساط وسائل الإعلام بعدم بث مشاهد هذه الشعارات، ودعت المسؤولين إلى توعية المشجعين وحضهم على تجنب الانسياق وراء الشعارات المسيئة.
ويرى رئيس لجنة التنظيم بالنجم الساحلي قيس عاشور أن تيار الشعارات الداعية للعنف والخادشة للحياء ما انفك يتزايد من سنة إلى أخرى، محملا مسؤولية استفحال الظاهرة إلى وسائل الإعلام التي تعمد أحيانا إلى عرض تلك الشعارات، مما يساهم -بحسب قوله- في الترويج للافتات المسيئة للجهات والمحرضة على العداوة بين الأندية.
وأعرب عاشور عن أسفه "لتحوّل بعض مسؤولي الأندية إلى مثال سيئ للمشجعين، وانسياقهم وراء ترديد شعارات عدائية ونشرها على صفحاتهم الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي، في حين أن الوضع يتطلب التهدئة والدعوة إلى مقاطعة الشعارات السياسية ومضامين الكراهية والعنف".

تيار جارف
من جهته اعترف عضو رابطة مشجعي النادي الأفريقي زياد بالعربي بانسياق عدد كبير من الجماهير وراء العنف بشتى الأنواع وطرق التعبير داخل الفضاءات الرياضية، مشيرا إلى "أن الظاهرة ليست حكرا على الملاعب التونسية، بل تكاد تكون ظاهرة كونية في كل ملاعب العالم".
وقال بالعربي للجزيرة نت إن "الشعارات التحريضية والمضامين السياسية في المدرجات حقيقة لا يمكن إخفاؤها، وما يعرض في أوساط جماهير الأفريقي ردة فعل على الاتهامات التي طالته ونالت من جدارته بالتتويج بلقب الدوري الموسم الماضي".
وتابع أن "إيقاف تيار الشعارات الداعية للعنف والمسيئة لبعض الجهات ينطلق من المسؤولين المطالبين بتجنب التصريحات النارية، ويشمل الهياكل المشرفة على كرة القدم المطالبة بالعدل والمساواة بين الأندية".
وشهدت الأوساط الكروية في تونس توترا غير مسبوق وخلافات حادة بين الأندية الكبرى سرعان ما تزايدت حدتها في الأسابيع الأخيرة بين النادي الأفريقي بطل الدوري والنجم الساحلي المتوج بالكأس.
وأظهرت لقطات فيديو تم نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي تهجم لاعبي النجم الساحلي على رئيس النادي الأفريقي سليم الرياحي بشعارات غير لائقة وخادشة للحياء عقب مباراة الفريقين بالكأس المحلية في أغسطس/آب الماضي.
وعمد مشجعو النادي البنزرتي إلى رفع لافتات مسيئة لبعض مناطق البلاد في مباراة جمعت فريقهم بالنجم الساحلي، مما خلق أزمة حادة هدد فريق جوهرة الساحل في أعقابها بمقاطعة الدوري ما لم يتم إيقاف نزيف الشعارات المسيئة للجهات ولمسؤولي النادي.

تفريغ العنف
من جانبه حمل عضو رابطة "سوسيوس" لمشجعي النادي الصفاقسي شريف اللوزي رؤساء الأندية مسؤولية تفشي ظاهرة العنف اللفظي والنزعة العدوانية في شعارات المشجعين على المدرجات.
واعتبر اللوزي أن اللافتات التي تتضمن عبارات خادشة للحياء أو شعارات سياسية، تختزل في أغلب الأحيان مواقف مسؤولي الأندية وتترجم تصريحاتهم المتشنجة والداعية ضمنيا إلى العنف والكراهية.
ولتفسير الظاهرة اجتماعيا، قال أستاذ علم الاجتماع بالجامعات التونسية الدكتور محمد الجويلي إن جرعة الحرية الزائدة في تونس بعد الثورة أثرت على خطاب جماهير الكرة داخل الملاعب، وأفرزت نوعا جديدا من الخطاب "أكثر نزوعا نحو العنف بين الأندية التي يرى مشجعوها أنها الأفضل والأجدر بالألقاب".
وأضاف الجويلي في حديثه للجزيرة نت أن "ملاعب الكرة هي الفضاء الأنسب لتفريغ شحنة العنف والانعتاق من قيود المجتمع والقانون، لأن ما هو ممنوع خارج ملاعب الكرة يصبح متاحا داخلها لدى شريحة واسعة من عشاق الكرة".
وتابع قائلا إن "الشعارات التي ترفع داخل الملاعب وما تتضمنه من تهجم على بعض جهات البلاد وترويج لشعارات سياسية ليست سوى تعبير عن مواقف عجز أصحابها عن الإفصاح بها في الفضاءات الخاصة، ووجدوا في ملاعب الكرة فضاء رحبا لترويجها".
وتسببت بعض لافتات المدرجات في لجوء بعض الأندية إلى القضاء، ففي مباراة النادي البنزرتي والنجم الساحلي بالدوري المحلي في أكتوبر/تشرين الأول 2014، عرض مشجعو الفريق المضيف لافتة مسيئة لمتساكني جهة الساحل التونسي معقل فريق النجم وتم عرضها في التلفزيون، مما تسبب في موجة من الانتقادات وفتح تحقيق أسفر عن عزل مسؤولين في التلفزة التونسية ومقاضاة أصحاب الشعارات المسيئة.