أولمبياد بكين .. هل تدفع عجلة التغيير بالصين؟

عزت شحرور-بكين
يبدو أن تنظيم الصين لدورة الألعاب الأولمبية قد يدفعها إلى تغيير الكثير من سياستها على عدة صعد مختلفة اقتصادية ودبلوماسية.
وبرأي مراقبين فإن الثمن الحقيقي الذي ستدفعه بكين سيكون ما بعد الأولمبياد, حيث علامات استفهام حول الشعار المعلن بالدورة "عالم واحد".
هذا الشعار يمكن وصفه بأنه رومانسي حالم لا محل له من الإعراب في قواعد اللعبة الدولية الراهنة. فأين هو "العالم الواحد" الذي تتحدث عنه الصين؟ وبأي حلم مشترك تحلم؟
" منذ أن رحل ماو سي تونغ في سبعينيات القرن الماضي تعرض العالم لكثير من العواصف السياسية انهارت على إثرها إمبراطوريات واختفت نظريات وتشابكت المصالح وتغيرت التحالفات " |
عالم آخر
الصين قديما كانت تعتبر نفسها عالماَ آخر وتقسم العالم إلى فسطاطين. الصين -مركز الكون- وبلاد ما وراء البحر.
ومنذ أن رحل الزعيم الصيني ماو سي تونغ في سبعينيات القرن الماضي تعرض العالم لكثير من العواصف السياسية انهارت على إثرها إمبراطوريات واختفت نظريات
وتشابكت المصالح وتغيرت التحالفات.
ولم تعد النظريات العقائدية والأيديولوجية هي المحرك الرئيسي في اللعبة الدولية, وبات الاقتصاد هو المحرك الأساسي. لكن ومع هذا فإن الهيكلية العامة للنظام الدولي لم يطرأ عليها تغير كبير بل على العكس من ذلك فقوى الهيمنة والإمبريالية ازدادت توحشاً وتوغلاً في دماء الشعوب وخيرات الأمم.
الصين لم تكن بمنأى عن تلك التغيرات الدولية وسعت إلى الانخراط فيها دون الوقوع في حبائلها. فحاولت "أكل العجة دون أن تكسر البيض" لتصحو الآن على مشاكل وأزمات وفتن تنفجر في وجهها بالجملة بعد أن ظنت أنها وأدتها أو نجحت في الإبقاء عليها نائمة حيناً من الدهر.
فالصين كما يبدو حاولت أن تكون اشتراكية في الظاهر ورأسمالية في المضمون، فأبقت على نظامها الشيوعي ولو بالاسم وشرعت أبوابها أمام اقتصاد السوق، وأسقطت برأي مراقبين أسسا قام عليها نظامها الاشتراكي مثل المساواة والعدالة والضمانات الاجتماعية وتكافؤ الفرص واشتراكية الإنتاج.
شرائح جديدة
ونتيجة لذلك برزت شرائح جديدة داخل المجتمع الصيني وتنامت الفجوة واتسعت بين الفقراء والأغنياء، الأمر الذي بات يهدد وحدة الشعب الصيني ويعيد الصراع الطبقي إلى جذوره الأولى.
كما أن ما يسمى باالتوحش والتغول الاقتصادي في بعض الأماكن التي تقطنها أقليات قومية أثار نقمة هذه الأقليات وهي ترى تراثها وتقاليدها تتساقط تحت معاول الحداثة والاستثمار كما هو الحال في إقليمي التبت وشينغيانغ ذي الأغلبية الإيغورية المسلمة.
جاء ذلك في الوقت الذي تجاهلت فيه الصين تنامي النزعات القومية لدى مناطق مجاورة أدت إلى استقلال بعض الدول في آسيا الوسطى وكان لذلك تداعياته على نمو نزعة الانفصال في الإقليمين المذكورين.
وانفتحت الصين اقتصادياً بكل ما أوتيت من مال وانغلقت سياسياَ بكل ما أوتيت من قوة عسكرية وأمنية دون أن تقدم مرونة سياسية تمس نظام حكم الحزب الواحد، مما بات يحمل معه إرهاصات تمرد سياسي تحميه وتشجعه قوى اقتصادية وشرائح اجتماعية ناشئة.
وعلى الصعيد الدولي فإن الصين أقامت علاقات دبلوماسية مع جميع دول العالم تقريباً، لكنها حاولت الابتعاد عن الانخراط بالقضايا الإقليمية والدولية.
وفي الوقت الذي تصر فيه دائماً على تأكيد انتمائها للدول النامية فإنها قد تتهرب من القيام بواجباتها الدولية رغم أنها الدولة النامية الوحيدة التي تتمتع بالعضوية الدائمة بمجلس الأمن.
ومع قرب الموعد المحدد لانطلاق الفعاليات, يبقى السؤال مطروحا. هل تدفع دورة بكين عجلة التغيير الصينية؟ هذا ما سوف يجيب عنه الصينيون بعد انتهاء الأولمبياد.