حماس والطريق إلى السلطة

 
 

محمد عبد العاطي

طريق حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إلى السلطة لم يكن سهلا، فقد اعترضته عقبات كبيرة وكثيرة كانت ولا تزال تحول بينها وبين تحقيق برنامجها السياسي الذي على أساسه فازت العام الماضي في الانتخابات التشريعية وشكلت الحكومة.

متغيرات بين مجلسين
تكونت في أجزاء من الضفة الغربية وقطاع غزة سلطة فلسطينية برئاسة ياسر عرفات بناء على اتفاق أوسلو عام 1993. وكان من لوازم استكمال بناء تلك السلطة وجود مجلس تشريعي، فجرت انتخابات عام 1996، قاطعتها قوى سياسية كثيرة من بينها حماس.

بررت حماس آنذاك مقاطعتها تلك الانتخابات بقولها إن اتفاق أوسلو وكل ما سيتمخض عنه هو بمثابة العبث السياسي الذي لا يحقق طموح الشعب الفلسطيني في إقامة دولته واستعادة حقوقه، ولا يتناسب مع ما قدم من تضحيات على مدى قرابة المئة عام.

بل إنه -والقول لحماس- وبالاتفاقيات الأمنية التي تنص صراحة على تجريم الفعل المقاوم واعتباره إرهابا يعد بمثابة خيانة للقضية الوطنية وتقزيم لها وتغيير تاريخي في مسارها.

ووفقا لهذه الرؤية وبناء على هذا الموقف من أوسلو قررت حماس المقاطعة، فجرت الانتخابات وفازت حركة فتح وتشكل مجلس تشريعي غلب على أعضائه اللون الفتحاوي.

تكلفة البقاء خارج السلطة

"
اختيار حماس المشاركة في السلطة عام 2006 استلزم منها تفصيل القول في قضايا شائكة، واستعمال لغة خطاب تناسب المرحلة وتحدياتها

"

بعد مرور عشر سنوات وجدت حماس نفسها أمام خيارين إما الاستمرار في البقاء خارج السلطة وعدم المشاركة في أي من مؤسساتها، ومقاطعة الانتخابات التشريعية القادمة (2006) كما فعلت من قبل في انتخابات 1996 وإما العدول عن هذا الخيار والدخول في معترك العملية السياسية.

كانت المعضلة التي واجهت حماس تتمثل في حيرتها بين إستراتجيتين:

  1. إستراتيجية تحرير: تستلزم منها الاستمرار خارج السلطة وممارسة المقاومة المسلحة التي تعتبرها وسيلة لمراكمة انتصارات ميدانية مطلوبة لأي تفاوض سياسي في المستقبل، مما يستلزم الدخول في صدام مع سلطة تقف بأجهزتها الأمنية أمام هذا الأمر احتراما لتعهدات قطعتها على نفسها أمام إسرائيل.
  2. وإستراتيجية بناء: باتت أمرا واقعا في جزء من الوطن أضحت مقاليد إدارة شؤونه الذاتية من صحة وإسكان وتعليم وما إلى ذلك في يد الفلسطينيين.

مواقف ولغة خطاب
بعد مرور عشر سنوات على تجربة البقاء خارج السلطة حسمت أمرها وحددت وجهتها واختارت المشاركة، لكن ذلك لم يكن سهلا إذ استلزم منها تفصيل القول في قضايا شائكة، واستعمال لغة خطاب تناسب المرحلة وتحدياتها الداخلية والإقليمية والدولية، فكان من ذلك على سبيل المثال:

  • الإعلان عن "التهدئة" لإفساح المجال للتفاوض وللحل السياسي، دون الإعراب صراحة عن التخلي عن المقاومة. ولم تحدد سقفا زمنيا لهذه التهدئة فجعلتها مفتوحة يتقرر مداها الزمني بحسب الظروف فتقصر لمدة عام أو عامين أو تطول وتمتد لفترة قد تصل لعشر سنوات أو تزيد كما جاء في تصريحات الشيخ أحمد ياسين قبل اغتياله.
  • الحديث عن إمكانية القبول بدولة فلسطينية على حدود ما قبل حرب يونيو/حزيران 1967، واشترطت أن تكون دولة ذات سيادة وقابلة للحياة "كحل عاجل" دون التخلي عن فلسطين التاريخية من النهر إلى البحر وفي القلب منها القدس بشطريها الشرقي والغربي "كحل آجل".
  • القول بأن اتفاق أوسلو قد أصبح من الماضي، واستدلت على ذلك بما فعلته انتفاضة الأقصى التي اندلعت عام 2000 من تراكمات سياسية وتغييرات ميدانية في الضفة وغزة، وانخراط العديد من الأذرع المسلحة لبعض الفصائل الفلسطينية بما فيها كتائب شهداء الأقصى الجناح المسلح لحركة فتح الفصيل الأساسي في منظمة التحرير التي أبرمت أوسلو.
  • والتأسيس للمشاركة في العملية الانتخابية وما قد يستتبعها في حالة الفوز من تشكيل حكومة وفقا لعقد جديد بعيد عن اتفاق أوسلو تم إبرامه وحمل اسم اتفاق القاهرة.
  • البعد عن الإعلان صراحة عن رفض المبادرات العربية والكف عن التهجم المباشر على اتفاقيات السلام التي وقعتها مصر والأردن مع إسرائيل في محاولة لبعث رسائل تطمين للمحيط العربي الذي ستتعاون مع حكوماته.
  • القبول بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني شريطة إصلاحها وإعادة ترتيبها من الداخل.

حصاد التجربة

"
منذ اليوم الأول لفوز حماس والأوضاع قد انقلبت رأسا على عقب، لدرجة فسرها البعض بأنه زلزال سياسي امتدت ارتداداته الاهتزازية إلى المحيط العربي والإقليمي

"

هذا التمهيد في البيئة الفكرية وفي المواقف وفي لغة الخطاب كان ضروريا لحماس قبل إعلانها عن المشاركة في انتخابات 2006، وقد فسرها البعض بالمرونة و"البراغماتية" السياسية والعقلانية والواقعية المطلوب التحلي بها قبيل وأثناء الخوض في غمار السياسة ودهاليزها.

في حين فسرها بعض المتحاملين على حماس وبعض خصومها السياسيين بأنها انتهازية وتغيير في ثوابتها الفكرية. لكن أيا كانت زاوية الرؤية فقد اشتركت حماس في الانتخابات وفازت بأغلبية كبيرة لم تكن تتوقعها وشكلت الحكومة وباتت جزءا من السلطة. لكن الضريبة كانت باهظة.

فمنذ اليوم الأول لفوزها والأوضاع قد انقلبت رأسا على عقب، لدرجة فسرها البعض بأنه زلزال سياسي امتدت ارتداداته الاهتزازية إلى المحيط العربي والإقليمي.

وتصدرت المشهد الفلسطيني عناوين خطرة من قبيل العزلة السياسية، والحصار الاقتصادي، والاضطراب الأمني. كل ذلك لإجبار حكومة حماس على الاعتراف بدولة إسرائيل و"الاعتراف" الصريح بكل الاتفاقيات السابقة التي وقعت. 

وتواصل الضغط حتى انفجر الوضع ووصلت الأمور إلى الذروة بقتال فتحاوي حمساوي ضار دارت رحاه في الأزقة والشوارع وخلف قتلى وجرحى وهلعا ورعبا ولم تفلح الوساطات الداخلية والخارجية في كبح جماحه. الأمر الذي جعل من الطريق إلى السلطة مسألة أهون بكثير -رغم كل الصعوبات التي رافقت هذه المسيرة- من البقاء فيها.
_______________
الجزيرة نت

المصدر : الجزيرة