التيار السلفي السعودي

undefined

إعداد: سيدي أحمد بن أحمد سالم

يمتد التيار السلفي السعودي ما بين العنيف إلى المعتدل السلمي، ومنذ أن قامت الدولة السعودية وللتيار السلفي أهمية خاصة في بنيتها، وكان الموقف من هذا التيار قبل أحداث سبتمبر/ أيلول 2001 يتسم بالتساهل، وبعد الأحداث أصبح التيار السلفي وبخاصة في السعودية في قلب الحدث وتعددت الأسئلة بشأنه وصار من الضروري معرفة بعض أبعاده ومظاهره.

تحالف السلطتين الزمنية والروحية
في عام 1744 عرفت منطقة نجد تحالفا بين الشيخ محمد بن عبد الوهاب ومحمد بن سعود أحد الزعماء القبليين بنجد، ودشن لقاء الرجلين تقاسما لشؤون الدين والدنيا عرف باتفاق الدرعية وطبع السعودية بطابعه حتى الوقت الراهن، ومن نتائج هذا التحالف نشأة "الإخوان" أو "الوهابيين". ومنذ ذلك التاريخ ظل التحالف بين أسرة آل سعود وآل الشيخ متصلا حتى نشأت حركة الإخوان الوهابية عام 1912 في منطقة الأرطاوية التابعة لقبيلة مطير، وقاد الحركة الشيخ عبد الكريم المغربي فتحولت إلى قوة عسكرية تسلم قيادتها بعد ذلك فيصل الدويش زعيم قبيلة مطير.

الوهابيون والملك عبد العزيز
تحالف الملك عبد العزيز، حفيد محمد بن سعود، مع الوهابيين خلال تشكيله الدولة السعودية الثالثة، فكانوا نواة جيشه، فتوحد الحجاز مع نجد وتم طرد أشراف مكة إلى بلاد الشام والعراق.

وكان الملك يسعى لإقامة دولة قائمة على تحالفات دولية، فعارض الوهابيين اتفاقيته مع شركة سوكال "ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا" على أساس أنها ستؤدي إلى دخول غير المسلمين فاستطاع الملك تجاوز تلك المعارضة حين واجه الجناح العسكري للوهابيين في معركة السبلة في 29 مارس /آذار 1929 فهزمهم وسجن قائدهم سلطان بن بجاد.

هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
كان الملك عبد العزيز يخشى على الدولة من قوة الإخوان الوهابيين لذلك وظفهم في أجهزة الدولة على شكل "مطاوعة" منشئا هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمرسوم ملكي صدر عام 1930، والهيئة تابعة للمديرية العامة لقوى الأمن الداخلي وتعرف أيضا باسم المطاوعة.

وقد أسندت رئاسة الهيئة بداية للشيخ عبد العزيز بن عبد اللطيف آل الشيخ في المنطقة الشرقية وبالمنطقة الغربية لفيصل بن عبد العزيز. ونشطت الهيئة في تبليغ الدعوة الوهابية وبلغ عدد موظفيها 300 ألف موظف موزعين على أكثر من عشرة آلاف مركز.

الوهابيون وحركة جهيمان العتيبي
برزت على السطح بعد ستين سنة من معركة السبلة حركة جهيمان العتيبي التي يرى فيها المراقبون استمرارا للنهج الوهابي المتشدد. ففي 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 1979 الموافق لليوم الأول من عام 1400 للهجرة اقتحم جهيمان العتيبي المسجد الحرام في صلاة الفجر وأعلن، حسب الرواية الرسمية السعودية، ظهور المهدي المنتظر. وكان جهيمان عضوا سابقا في الحرس السعودي، وخريج الجامعة الإسلامية بالمدينة. أما المهدي المنادى به، حسب المراجع السعودية، فكان محمد بن عبد الله القحطاني زوج أخت جهيمان وأحد طلاب الشيخ عبد العزيز بن باز قبل أن يلتحق بالجامعة الإسلامية حيث التقى بجهيمان.

وقد قتلت القوات الفرنسية والأردنية والسعودية أشياع جهيمان واستسلم هو وأعدم بعد محاكمة سريعة.


شكلت مؤلفات أبي محمد المقدسي وهو فلسطيني عاش فترة في الكويت قبل أن يحل بباكستان وأفغانستان دورا في توجيه الرؤى الفكرية للاتجاه السلفي الجهادي وبخاصة في السعودية

التيار السلفي والوجود الأميركي
شكلت حرب الخليج الثانية -حسب المتتبعين لتطورات التيار السلفي بالسعودية- منعطفاً هاماً في تاريخه، فقد أعادت تشكيل التيار في السعودية. وكان قدوم القوات الأميركية عام 1990 بهدف تحرير الكويت قد أثار سخطا عارما وسط التيار السلفي بالسعودية.

تمكن الآلاف من السعوديين المشاركين في الحرب الأفغانية ضد الاحتلال السوفياتي من الاختلاط بالجماعات الإسلامية هنالك والتأثر بها. ويشكل هؤلاء "الأفغان السعوديون" حسب رأي المراقبين نواة الجهاد السلفي في السعودية. وكانت علاقة أسامة بن لادن وثيقة بهذا التيار السلفي فقد شارك مع الأفغان ضد الغزو الشيوعي وكان له حضور كبير في معركة جلال آباد التي أرغمت الروس على الانسحاب من أفغانستان. وقد أسس ما أسماه هو ومعاونوه بـ "سجل القاعدة " عام 1988، وهو عبارة عن قاعدة معلومات تشمل تفاصيل كاملة عن حركة العرب في أفغانستان قدوما وذهابا والتحاقا بالجبهات، ومن هنا أطلق على التنظيم "القاعدة".

بين السلفيين والحداثيين
تعيش السعودية حاليا صراعا بين قطبين، قطب سلفي عريض القاعدة ومنتشر في الجامعات والمساجد، وقطب حداثي نخبوي.

برز الصراع إلى السطح منذ أكثر من عقد من الزمن حين نظمت 46 امرأة في 16 نوفمبر/ تشرين الثاني 1990 مسيرة في الرياض تطالب بالسماح للسعوديات بقيادة السيارات، فظهر معارضون للمسيرة من التيار السلفي ومباركون لها من الحداثيين.

وفي 2002 جرى حوار بين المثقفين السعوديين والأميركيين كشف عن جانب من التجاذب الحداثي/السلفي داخل السعودية. فقد أصدر 60 مثقفا أميركيا بيانا بعنوان "على أي أساس نتقاتل" طرح عددا من الأسئلة عن سبب مشاركة 15 عنصرا من السعودية في في أحداث 11 سبتمبر/ أيلول، وكون بن لادن سعوديا، واتهام المؤسسة الدينية السعودية والفكر الوهابي بدعم التطرف.

وفي المقابل أصدر 150 سعوديا يمثلون نخبا ثقافية مختلفة، بيانا بعنوان "على أي أساس نتعايش" ركزوا فيه على علاقة الولايات المتحدة بحقوق الإنسان وكون العلمانية ليست خيارا إسلاميا ورفض التطرف والمطالبة بالحوار مع الغرب.

وبعض الحداثيين رأى في البيان اعتدالا ومنهم من رأى فيه تخلفا، أما بعض السلفيين فقد رأوا أنه تهاون وتنازل أكثر من اللازم.

السلفيون وبرامج التعليم السعودي


تسعى السعودية إلى أن يكون تعاملها مع المناهج الدراسية في مدارسها وجامعاتها نابعا من إرادة داخلية لا من ضغوط خارجية

تنطلق منذ 11 سبتمبر/ أيلول 2001 أصوات أميركية رسمية وغير رسمية تتهم السعودية بالوقوف وراء ما يسمى الإرهاب وتزعم أن المناهج التعليمية السعودية تعلم كره اليهود والغرب المسيحي. وكان التقرير الذي أعدته مؤسسة "راند" الاستشارية من أبرز خطابات الاتهام الموجهة للسعودية حيث وصف السعودية بأنها "دولة عدو وتدعم الإرهاب".

وتقول السعودية إن تعاملها مع المناهج الدراسية في المدارس والجامعات سيكون نابعا من إرادة داخلية لا من ضغوط خارجية.

وفي ضوء التجاذب الذي يعيشه التيار السلفي السعودي داخل مكوناته وفي علاقاته مع الحداثيين تظل جملة من التساؤلات تطرح نفسها، فهل تعيش السعودية مرحلة فاصلة في تاريخها الثقافي والديني؟ وهل سيستطيع التيار السلفي مراجعة قراءته الدينية المتوارثة خاصة في فقه الجهاد وفقه التعامل مع الآخر؟ وما مستقبل تيار حداثي في جو ألف السلفية؟ وكيف سيتعايش التياران مستقبلا؟
_______________
الجزيرة نت
المصادر
1 – دور الأنظمة في انتشار التطرف والإرهاب
2 – بيانات المثقفين.. بين حملة المباخر ودعاة التغيير
3 – النقيدان ومحاولة الفهم
4 – الجهادي التكفيري… وافد أم أصيل ضارب بجذوره؟!
5 – الدين والدولة في المملكة العربية السعودية
6 – النفطيون وحادث الحرم
7 – موقع منبر التوحيد والجهاد

المصدر : الجزيرة